العدد 37 - استهلاكي | ||||||||||||||
يؤكد صاحب البقالة أبو صالح مخرجاً دفتراً امتلأ بالأسماء والأرقام، أن «دفتر الدين» لديه أضخم مما كان في أي وقت مضى، إذ تنضم إلى قائمة مدينيه يومياً أعداد متزايدة من ساكني حارته في أبو علندا. يقول أبو صالح: «العديد من زبائني كانوا يشترون احتياجاتهم اليومية نقداً ولا يلجأون إلى الدين إلا في حالات قليلة، أما اليوم، فالكل يشتري أغراضه على الدفتر». وهو يعتقد أن موجة الغلاء التي تجتاح البلد أثرت على الكثيرين، بدليل لجوء العديد منهم، بشكل أكبر، إلى الاستدانة للوفاء باحتياجاتهم. ويضيف أن الناس أصبحوا يستدينون لشراء كميات قليلة من احتياجاتهم. «في الماضي كانوا يستدينون عندما يشترون كميات كبيرة أو في المناسبات ولكن هذه الأيام، فإن الاستدانة عادة شبه يومية». يقول أبو صالح. ويضيف البائع الخمسيني إن الاستدانة «تشتد» في نهاية الشهر، خصوصاً بعد منتصفه. أبو سالم، الذي كان يتبضع في بقالة أبو صالح يشترك في الحديث قائلاً وهو يبتسم: «طبعا يجب أن نستدين.. أريني واحداً من سكان هذه المناطق يكفيه راتبه لشراء معظم ما يحتاج... الحياة صعبة». ويضيف أبو سالم أن تجار التجزئة الذين يتعاملون «بدفتر الدين» يربون زبائن مخلصين ويضمنون دائماً أن يكون الإقبال عليهم عالياً. ولكن أبو صالح يعترض على كلام زبونه، مؤكداً أن استخدام دفتر الدين بكثرة يضغط على رأسماله ويجبره هو نفسه إلى الاستدانة، ولكن ليس «عالدفتر» هذه المرة، من تجار الجملة. ولا تقتصر الاستدانة «على الدفتر» على تجار المواد الغذائية بالتجزئة، بل تنسحب على الصيدليات، وبائعي الخضار، والفواكه، والملابس. أم سامي، التي تقطن جبل الأشرفية، لا تتجاوز رحلتها اليومية إلى التسوق ثلاثة محلات متجاورة هي: سوبرماركت، وصيدلية، ونوفوتيه. تقول: «الحمد لله، كلهم يبيعونني بالدين ويصبرون حتى يقبض زوجي راتبه، حتى لو تأخر ذلك إلى ما بعد بداية الشهر أحياناً. إن أحسن ما في هالبلد أن الناس تحب مساعدة بعضها». ولكن أبو أندريه، صاحب إحدى البقالات في جبل عمان، تخلى تماماً عن مبدأ الاستدانة وعلق لوحة في بقالته تقول بالعامية: «داينه.. بيفرفش، ذكره.. بيطنش، طالبه.. بيرفش». ويقول:«كنا نراعي ظروف الناس ونقبل أن يستدينوا عالدفتر، ولكن عندما طالبناهم، فإنهم إما لم يدفعوا، وإما ماطلوا حتى أصابوني بالزهق». ويضيف: «عندما يريد أحد الاستدانة مني يأتي إليّ مبتسماً ومعتذراً. ثم عندما يحين موعد الدفع، يمر من أمام المحل دون أن يرمي السلام». ولا تنحصر مشاكل الاستدانة على الدفتر بعدم الدفع فقط، بل تتجاوزها إلى عدم اتفاق البائع والشاري على القائمة التي توضع على حساب كل مشتر. الكثير من أصحاب البقالات يقولون إن الناس تدعي أنها لم تشتر عدداً معيناً من الأشياء مع أنهم اشتروها. وفي الوقت ذاته، يقول مستهلكون إن بعض التجار يضيفون أشياء إلى القائمة، أحياناً بالغش، وذلك لتحقيق أرباح اكبر. ويقول أبو فداء، سائق عمومي، إن بعض التجار يستغلون زبائن الدين ويرفعون الأسعار. ويستطرد: «عندما أرغب بالشراء بالدين، أخجل أن أفاوض البائع على السعر. وأنا أعرف أنه يرفع السعر علي لأنني مضطر». المحلل الاقتصادي، حسام عايش، يفسر اللجوء للاستدانة بكون الأردنيين، بحسب دائرة الإحصاءات العامة، ينفقون 20 المائة أكثر مما يكسبون. ويرى عايش أن مبدأ دفتر الاستدانة في عمان الشرقية متعارف عليه «كون الناس تعرف بعضها بشكل أكبر»، ولكن في عمان الغربية، فإن دفتر الدين عبارة عن بطاقة ائتمانية. المشكلة في هذه الأساليب أن الناس، في بعض الأحيان، تنفق أكثر من حاجتها، ما يوقعها في دين أكبر وتجعل فرص السداد تتضاءل. ويضيف عايش: «دخول الناس تتآكل بسرعة، وإيقاع الحياة العصرية السريع يجعلهم ينفقون بشكل أكبر. وهكذا تخرج الأمور عن السيطرة، خصوصاً في ظل غلاء الأسعار وارتفاع معدل التضخم الذي أعتقد أنه تجاوز 20 بالمئة هذا العام». وأشـارت التقارير الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة حول الأرقام القياسية لأسعار المستهلك، إلى أن الزيادة السنوية في الأسعار محسوبة على أساس نسبة الزيادة في متوسط أسعار المستهلك للستة أشهر الأولى من هذا العام مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي بلغت 13.31بالمئة. وكان من أبرز المجموعات التي ساهمت في هذا الارتفاع كل من: مجموعة «الوقود والإنارة» التي زادت بنسبة 48.71بالمئة، ومجموعة النقل بنسبة 20.48بالمئة، ومجموعة «الألبان ومنتجاتها والبيض» بنسبة 33.03بالمئة، ومجموعة «الحبوب ومنتجاتها» بنسبة 27.06بالمئة، ومجموعة «الزيوت والدهون» بنسبة 27.03بالمئة. في حين شهدت أسعار مجموعة الاتصالات انخفاضاً في أسعارها بنسبة 0.85بالمئة . ويتساءل عايش:«كيف يستطيع المواطن الوفاء باحتياجاته في ظل ارتفاع الأسعار وتآكل المداخيل.. حتى الحكومة لا تستطيع سداد ديونها، فكيف بالمواطن البسيط؟». |
|
|||||||||||||