العدد 37 - أردني
 

جمانة غنيمات

تتسيد وزارة المالية رأس الهرم بين الوزارات الاقتصادية، كونها الجهة الوحيدة المسؤولة عن تنفيذ السياسة المالية للبلد.

يقصد بالسياسة المالية أسلوب الدولة في إنفاق و تحصيل الإيرادات وإصلاح النظام المالي المطبق.

قادت وزارة المالية مسيرة الإصلاح منذ بدايات التسعينيات في أعقاب الأزمة المالية التي شهدتها المملكة أواخر الثمانينيات، وركزت جهود الإصلاح في ذلك الوقت على تحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي ومعالجة التشوهات المالية.

وفعلا أفلحت الحكومات في تحسين المؤشرات الاقتصادية العامة، لكنها بقيت تواجه عددا من التحديات على رأسها الفقر والبطالة و عجز الموازنة العامة الذي ما يزال أهم احد اكبر المشاكل التي تعانيها هذه الوزارة.

إخفاق «المالية» في ضبط العجز بدا حين فشلت في إبقائه ضمن المستويات المقبولة التي حددتها خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية 2004- 2006 عند معدل 2.8 بالمئة. إذ ارتفع الآن ليصل 6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وبرغم تعقيد الدور الذي تلعبه هذه الوزارة والتقنية العالية التي تمارس بها دورها إلا أن سياستها المطبقة تمس كل المواطنين على اختلاف مستوياتهم، لا سيما أنها تعنى بمسالة الضرائب والعبء الضريبي الذي يقع على كاهل الأفراد.

تاريخيا، توسع وزراء المالية المتعاقبين في فرض الضرائب حتى أصبح لدينا أكثر من 100 ضريبة ورسم، وكان نتيجة ذلك تزايد حجم الإيرادات الضريبية التي شكلت 50 بالمئة من موارد الخزينة المالية خلال العام 2008 بحسب ما جاء في قانون الموازنة العامة لهذا العام.

لكن الحكومة الحالية سعت لإجراء إصلاح حقيقي في ملف الضريبة من خلال توحيد الضرائب وتقليل عددها، بغض النظر عن القيم التي ستبقى ثابتة لكن تقليص عدد الضرائب سيخفف العبء على المواطنين.

سيادية هذه الوزارة تنبع أيضا، نتيجة دورها في إدارة ملف الدين، إذ نجحت في توقيع اتفاقية شراء دين من دول نادي باريس لتقليص عبء المديونية على الموازنة العامة، ليتراجع حجم الدين الخارجي بقيمة 2.1 بليون دينار.

أهمية «المالية» يؤكدها أيضا، إشرافها على إعدادها بالتعاون مع دائرة الموازنة العامة، واليات تحديد النهج الاقتصادي الذي تنفذه الحكومات، إذ التفتت الحكومة الحالية إلى أهمية النفقات الرأسمالية في تحقيق التنمية المستدامة وعملت على زيادة قيمتها بشكل لافت لتصل قيمتها 1.2 بليون دينار.

مركزية هذه الوزارة أيضا يحدها الدور الاستراتيجي الذي لعبته خلال العقود الماضية في جعل الاقتصاد الوطني يتجاوز العديد من ألازمات سواء في نهاية الثمانينيات أو حتى بعد احتلال العراق عام 2003 وفقدان أهم شريك تجاري للمملكة كان يزودها بالنفط مجانا وبأسعار تفضيلية.

من الملفات المهمة التي أشرفت عليها المالية موضوع التخلص من دعم المحروقات الذي كان من وجهة نظرها تشوه مفصلي في موازنة الدولة العامة، هذا الملف الذي بدا تطبيقه عام 2004 لتنتهي آخر مرحلة منه بداية العام الحالي لكن بعد أزمة حكومية أدت إلى استقالة وزير المالية زياد فريز في حكومة معروف البخيت لرفضه عدم المضي في خطة التحرير.

وبرغم من إعلان وزارة المالية في استراتيجيتها ان هدفها تحقيق الرفاه للمواطنين الا ان الواقع يخالف تلك الرسالة التي تنشد الوزارة تحقيقها ممثلة بوزراء المالية المتعاقبيين.

وتعتبر وزارة المالية من الوزارات السيادية التي لها ثقل كبير في رسم المراحل الاقتصادية المختلفة فلذلك نشأت وزارة المالية مع تشكيل أول وزارة أردنية في عهد الإمارة بتاريخ 11/4/1920 وارتبطت دوائر عامة مختلفة بوزير المالية بحكم قوانين إنشائها فيما بعد منها: دائرة الجمارك ، دائرة ضريبة الدخل والمبيعات ، دائرة الموازنة العامة ، دائرة الأراضي والمساحة ، دائرة اللوازم العامة ، المؤسسة الأردنية للاستثمار ومؤسسة المناطق الحرة .

ويتولى وزير المالية دفة السلطة المالية في جميع الحكومات ليقود عملية الإصلاح التي تسعى اليها في اطار الاعتماد الذات، بعد أن شهد الأردن منذ العام 1989 أزمة انهيار الدينار وما تلاها من تبعات سلبية، أدت إلى إخضاع الأردن لمدة 16 عاما لبرامج التصحيح الاقتصادي والاجتماعي مع صندوق النقد والبنك الدوليين.

وتسعى وزارة المالية بتحقيق جملة من الأهداف العامة ممثلة برسم السياسة المالية للدولة والإشراف على تنفيذها وتوجيه الاستثمار الحكومي بما يتفق والسياسات المالية للمملكة، بالإضافة إلى إدارة الدين الحكومي الداخلي والخارجي.

وتسلم حقيبة وزارة المالية لأول مرة في العام 1921 حسن بك الحكيم في عهد حكومة رئيس الوزراء الاسبق المرحوم رشيد طليع والتي امتدت حتى نهاية 1922.

في حين تعمل وزارة المالية على التعاون والتنسيق السياسة النقدية ممثلة بالبنك المركزي الاردني بهدف تحقيق التكامل بين السياسة المالية والنقدية لخدمة الاقتصاد الوطني.

وتتولى الوزارة القيام بمهام وواجبات عدة منها وضع الخطط لتنفيذ السياسة المالية للدولة ومتابعة تحقيق وتحصيل الإيرادات العامة وتوريدها للخزينة والإشراف على صرف النفقات العامة وتنظيم الحسابات المتعلقة بهما طبقاً للتشريعات المالية المعمول بها،كما تتولى إدارة التدفقات النقدية لتأمين السيولة وتوجيه الاستثمار الحكومي بما يتفق والسياسات المالية والنقدية ودراسة الأوضاع المالنية والنقدية والاقتصادية وتحليلها وتقييم السياسات والإجراءات الضريبية.

كما تتولى وزارة المالية إدارة شؤون التقاعد المدني والعسكري والتعويضات وفقاً لأحكام القوانين والأنظمة المعمول بها وإدارة أموال صندوقي الضمان الاجتماعي والادخار للموظفين والمستخدمين ودراسة القضايا التي تنشاً عنها حقوق للحكومة أو تتطلب إقامة دعاوى عليها لدى المحاكم المختصة ومتابعتها.

وتعمل وزارة المالية على إعداد مشاريع التشريعات المالية المتعلقة بالإيرادات العامة والنفقات العامة والعمل على تطويرها وتحديثها. إبداء الرأي والمشورة في مشاريع القوانين والأنظمة والاتفاقيات وأي مواضيع أخرى ترتب التزامات مالية على الخزينة والتعاون والتنسيق مع الوزارات والدوائر الحكومية لتدريب وتأهيل الكوادر مالياً ومحاسبياً.

من أهم الدوائر التابعة لهذه الوزارة دائرة الموازنة العامة التي تعنى بإعداد موازنة الدولة وملاحقها، التي يطالب كثيرون بفصلها الوزارة الأم لتحييد تأثير الحكومة على بناء الموازن العامة والتحكم في تفاصيل الإنفاق.

لكن آخرين يرون أن إبقاء تبعية هذه الدائرة للوزارة ضروري حتى يتسنى توزيع الإنفاق بشكل أكثر عدالة وبأسلوب يحقق التنمية المستدامة.

من ناحية أخرى تخرج دعوات بين الفينة والأخرى تطالب بإلغاء وزارة التخطيط والتعاون الدولي بعد أن توقفت عن خطط وبرامج اقتصادية عامة مثل الخطط الاقتصادية التي كان آخرها عام 2006 |، وصار دور الوزارة يتمركز في طلب المساعدات الخارجية.

المطالبين بهذه المسالة يبررون وجهة نظرهم بان الحاجة لهذه الوزارة انتفت وان إدارة ملف المساعدات والمنح من قبل وزارة المالية سيوفر له نجاحا اكبر.

**

مارتو

استمر وزير المالية السابق ميشيل مارتو في ادارة دفة السلطة المالية في حكومتين متتاليتين وعلى مدار ثلاث سنوات 2000 - 2003.

عرف عنه إصراره على رفض انعكاس الظروف السياسية الآنية على حجم الإنفاق، وكان عدوا شرسا للإنفاق غير المبرر.

امتازت الفترة التي تولى فيها مارتو بتأثر المملكة بالظروف المحيطة بها جراء الاوضاع الاقتصادية التي سادت قبل سقوط بغداد في ربيع العام 2003، وما تلاها من فقدان الاقتصاد الوطني اكبر أسواقه التصديرية والشريان المغذي للطاقة بأسعار تفضيلية تمثل نصف احتياجات المملكة فيما البقية بالمجان.

وعلى الرغم من تلك الأوضاع الصعبة الا أن الوزير مارتو كان مستمرا في العمل على استكمال ما سار به سلفه من اصلاحات لتتوافق مع برنامج التصحيح الاقتصادي والمالي لصندوق النقد الدولي والذي بدئ تنفيذه في أعقاب الأزمة النقدية والمالية التي أطاحت بالاقتصاد الوطني في العام 1989.

وترك مارتو لخليفته من بعد تركه منصب وزير المالية فرصة اعلان انتهاء برنامج الاصلاح الاقتصادي مع صندوق النقد ،منهيا ملفاً دام نحو 16 عاما.

**

عوده

ارتبط اسم وزير المالية الأسبق، حنا سليم عودة بالأزمة المالية والاقتصادية في المملكة في نهاية الثمانينيات، التي هبطت على آثرها قيمة الدينار، وتفاقمت عجوزات الموازنة وميزان المدفوعات والميزان التجاري، ما أدى إلى حدوث انفراج سياسي في تلك الفترة.

وساهمت حادثة انهيار الدينار في عودة الحياة البرلمانية والمسيرة الديمقراطية في الأردن، لتشهد المملكة انتخابات نيابية العام ذاته. غيب الموت عودة في العام 2007، عن عمر يناهز 75 عاما، والفقيد عمل وزيرا للمالية في الفترة (1984-1985) ثم (1985-1989)، إلى جانب منصب أمين عام المجلس القومي للتخطيط العام 1978، وقبلها رئيسا للمجلس العام 1974، بعد أن عمل مساعداً احصائياً في وكالة الغوث الدولية في بيروت.

وتزامن وجود الفقيد في منصب وزير المالية في حكومة زيد الرفاعي مع الازمة الاقتصادية والمالية التي تعرض لها الاقتصاد الوطني، في العام 1989 وأدت حينها الى انهيار الدينار وفقدانه أكثر من نصف قيمته أمام العملات الاخرى، ما قاد إلى استقالة الحكومة في السابع والعشرين من نيسان (أبريل) العام 1989.

دخل الاقتصاد الوطني بعدها في برامج التصحيح الاقتصادي مع البنك والصندوق الدوليين حتى تمكن من الخروج من الأزمة بشكل نهائي عبر اعلان المؤسستين الدوليتين تخريج الاقتصاد الوطني من تلك البرامج في العام 2005.

وكان البنك المركزي قد اتخذ قرار ربط الدينار الأردني بالدولار في العام 1995، وذلك على خلفية انهيار الدينار وفقده لنحو ثلثي قيمته في العام 1988، فانخفضت قيمته من نحو ثلاثة دولارات للدينار الواحد إلى دولار واحد فقط.

ولكن الدينار عاد واسترد ثلث قيمته، بحيث أصبح الدينار الأردني يساوي 1.4 دولاراً، وهذا هو السعر الرسمي الحالي.

**

فريز

عرف عنه صلابته وقناعته الصارمة برأيه وتحديدا، في عدم السماح بتجاوز نسب العجز في الموازنة العامة خارج المعقول. إصراره على تنفيذ رؤيته الاقتصادية قادت وزير المالية ونائب رئيس الوزراء زياد فريز في الاستقالة الى العام 2007، ليترك منصبه في حكومة رئيس الوزراء الاسبق معروف البخيت.

ويعتبر ملف رفع اسعار المحروقات واصرار فريز على تنفيذ ذلك القرار وراء استقالته والذي كان البخيت لا يحبذه في ظل ازمات عدة كانت تواجهها الحكومة السابقة حينها.

فريز كان ايمانه المطلق بضرورة تغيير استراتيجية الدعم والتحول من دعم السلعة الى دعم المواطن مباشرة،والذي شرعت الحكومة السابقة حينها بتنفيذ آلية الدعم النقدي للمتضررين من رفع اسعار المحروقات،علما بأن الحكومة الحالية سارت على النهج نفسه ودون اجراء تعديلات على تلك الآلية.

غير ان فريز الذي قدم الى منصب المالية ويمتلك خبرات عديدة في عدد من المناصب أخذ عليه عدم ضبط النفقات بشكل فعال.

**

جردانة

كلما سئل عن اموال من اجل الانفاق أجاب «لا يوجد مصاري» بهذه العبارة عرف وزير المالية الاسبق باسل جردانة الذي تسلم حقيبة المالية منذ العام 1989 وحتى 1993، كما شغل منصب رئيس الهيئة الوزارية للتطوير الاقتصادي (1995-1996). وعددا من الوظائف الرسمية.

كغيره من وزراء المالية كان همه الأساسي عدم التوسع بالإنفاق وضبطه على ان يرافق ذلك زيادة في الايرادات بهدف السيطرة على عجز الموازنة العامة وتم في عهده تخفيض عجز الموازنة إلى مستويات قياسية.

**

الكساسبة

التصق اسم وزير المالية الحــالي حمد الكساسبة بعد أن تولى حقيبة المالية خلفا لـزيـــاد فريز في أواخر عهد حكومة رئيس الوزراء السابق البخيت بأنه جاء لفترة محدودة ومع ذهاب تلك الحكومـــة سيغادر تاركــا منصبه، إلا أنه قلب تلك التوقعات واثبت جدارته.

تجدد وجوده في هذا المنصب مع حكومة نادر الذهبي ويتوقع ان يبقى محتفظا بهذا الموقع بعد ان بدا بفتح ملف الاصلاح المالي والضريبي في المملكة.

الكساسبة الذي ادار عددا من الملفات الشائكة منذ توليه، استهلها بالقرار الجريء عبر السير في انهاء ملف دعم المحروقات واخضاعها محليا لتقلبات الاسعار عالميا والذي كان في الثامن من شباط (فبراير) الماضي،مازال يعاني في ادارته المالية من العديد من المشكلات ويؤخذ عليه التوسع بالنفقات وعدم ضبطه لها.

ومـع استمـــرار الكساسبة في حكومة رئيس الوزراء الذهبي والتي نفذت قرار تحرير المحروقات فإنها ايضا قامت بتنفيذ صفقة تبادل مديوينة المملكة من نادي باريس في نهاية الربع الأول من العام الحالي.

وزارة المالية: رؤى مالية استراتيجية تحرّفها سياسات استرضائية
 
31-Jul-2008
 
العدد 37