العدد 37 - أردني
 

منصور المعلا

يرتبط مفهوم وزارة الداخلية بذهن المواطن العادي بسطوة السلطة في أبرز تجلياتها الأمنية والسياسية والاجتماعية، ما يؤطر لعلاقة قائمة على الخوف والتزلف على الرغم من تراجع الدور المحوري لهذه الوزارة.

ويعد المتهيبون من "الداخلية" الخلفية العسكرية التي يشترك فيها كثير من الحكام الإداريين، أساساً لتزلف "وجهاء محليين" أدرجت المحافظات أسماءهم بوصفهم ممثلين لجمهور المواطنين الغائص في تفاصيل حياته اليومية.

وللداخلية رؤية مفادها أن دورها يتمثل بـ"الحفاظ على الأمن الوطني وتحقيق الأمن بمفهومه الشامل والحفاظ على أرواح وممتلكات المواطنين والتفاعل المستمر مع مؤسسات المجتمع المدني وإيلاء المحافظين دوراً في الإشراف والمتابعة لمشاريع وخطط التنمية."

هذه الرؤية تكاد تختفي، حيث أدى انفراج ديمقراطي شهدته البلاد مع نهاية عقد الثمانينيات من القرن الماضي، إلى الغاء قانون الدفاع الذي طبق على مدار ثلاثة عقود، هذا الإلغاء جرد الوزارة من كثير من صلاحياتها لصالح أجهزة الأمن ومؤسسات أخرى في الدولة.

لكن هناك مفارقة ما زالت في أذهان المواطنين، تتمثل في أن عصر ذروة الأحكام العرفية، شهدت البلاد فيه واحدة من أكثر الانتخابات نزاهة، هي تلك التي أجريت في العام 1984، والمعروفة باسم الانتخابات التكميلية، ففي تلك الانتخابات التي أجريت في عهد حكومة كان يرأسها أحمد عبيدات، القادم من جهاز المخابرات العامة، وكان سليمان عرار في حينه وزير الداخلية، فاز المعارض المستقل ليث شبيلات ومرشح حركة الإخوان المسلمين آنذاك، عبد الله العكايلة.

وعلى الرغم من أن أمين بيك التميمي كان مشاور الداخلية في وزارة رشيد طليع الأولى، فإن هذه الوزارة لم تصبح وزارة دائمة إلا مع تشكيل حكومة توفيق أبو الهدى الثانية في آب 1939، وكان رشيد باشا المدفعي أول وزير داخلية في تاريخ المملكة.

وقد استمرت وزارة الداخلية منذ ذلك الحين في لعب الدور الرئيسي في السياسة الأردنية، وكان وزراء داخلية أمثال: فلاح باشا المدادحة ووصفي ميرزا، ممن تركوا بصمات واضحة ليس فقط على وزارة الداخلية بل وعلى السياسة الأردنية بشكل عام. وقد عاشت وزارة الداخلية عصرها الذهبي في فترة الخمسينيات والستينيات، عندما كان وزير الداخلية يلعب الدور المحوري في أي حكومة.

في السبعينيات وما بعدها، بدأ تدريجيا انحسار دور الوزارة، والذي أصبح مع نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات وتحديدا بعد انتهاء العمل بالأحكام العرفية يقتصر على مسائل إجرائية وإدارية أكثر من رسم وتنفيذ سياسة الدولة الداخلية، واقتصر على متابعة أعمال الحكام الإداريين.

الحكام الإداريون في المحافظات الآن يعانون من التهميش لصالح مدراء الدوائر الرسمية والأمنية، فيما يبقى اجتماع المجلس المحلي للمحافظة كل شهر في إطار التنسيق الشكلي، بحسب محافظ سابق خدم في مدينة الزرقاء والطفيلة.

إلا أن الخلل لا يقتصر على التهميش، فميزانيات المحافظات المتهالكة وتدني رواتب العاملين يضعف الجهاز الإداري والمحافظ، بحسب المحافظ السابق، الذي أشار إلى أن المحافظات تعجز في كثير من الأحيان عن إقامة حفل في مناسبة مهمة مثل الاحتفال بعيد الاستقلال وغيرها من المناسبات الرسمية.

ويلوم عالم الاجتماع خالد عبد الله الحكام الإداريين على تقزيم دور النخب المحلية والمثقفين مقابل دور شيوخ العشائر والمخاتير.

خالد عبد لله، المتخصص في علم الاجتماع، يستغرب عدم الاستفادة من النخب المحلية في صياغة إطار عام للعمل المؤسسي في المحافظات، حيث إنه لم يطلب منه أو من أي زميل آخر تقديم تحصيله العلمي والمعرفي لخدمة أبناء محافظته، بينما يبقى الحصول على دعوة للعشاء أو لمناسبة رسمية هو هم الوجهاء الرسميين.

محافظ الزرقاء احمد الشياب أمضى زهاء يوم في حل خلاف عشائري وقع في لواء الهاشمية، على خلفية الانتخابات النيابية التي جرت في أواخر العام الماضي. الخلاف تمت تسويته بالطرق العشائرية «بوسة وحبة راس» بين المتخاصمين.

تلخص تلك الحادثة، بنظر احد المتضررين من الحادث، الدور الهامشي للحكام الإداريين، فيما يبقى ملف التنمية الذي أوكل للمحافظين في بداية العام 2005 حبيس الأدراج، وذلك نظرا لحالة العجز وغياب الإستراتيجية الفاعلة في تطبيق تلك الرؤية على أرض الواقع، كما يضيف مستثمر فظل عدم ذكر اسمه في المنطقة الحرة في الزرقاء.

وعلى الرغم من ازدحام جدول أعمال وزارة الداخلية بمتطلبات الإدارة والتنمية والأمن، وتابعية جهازي الأمن العام والدفاع المدني، إضافة إلى طاقم من الحكام الإداريين والأحوال المدنية والجوازات فإن دور الأجهزة الأمنية يتفوق على الدور الإداري للوزارة.

ويتبع للوزارة أكثر من 17 مديرية تتنوع مهامها ما بين شؤون الجنسية وشؤون الأجانب، والموارد البشرية، وحقوق الإنسان وهيئات المجتمع المحلي، والتنمية المحلية، والشؤون الأمنية، والاستثمار، والسلامة المرورية، والسلامة العامة والبيئة، إضافة إلى عدد من المديريات ذات الطابع التنظيمي لعمل الوزارة.

وعلى الرغم من هذا الكم الهائل من المؤسسات والمديريات التي تعمل تحت مظلة الداخلية، فإن أعمالها الأساسية تخضع لشرح المسؤول الأمني، صاحب القرار الفصل فيها، بحسب موظف في وزارة الداخلية فضل عدم ذكر اسمه.

الموظف يستذكر حوادث كثيرة كانت وزارة الداخلية تعلق فيها موافقتها المبدئية على أي طلب يعرض أمامها لحين صدور الرأي الأمني، حيث يشكل هذا الرأي الأساس لمنح أي موقف نهائي حيال أي قضية.

تتولى الوزارة أيضا النظر في طلبات منح الجنسية والتخلي عنها واستعادتها، والنظر في تذاكر الخروج دون عودة ووثائق السفر الاضطرارية وطلبات الإبعاد، ومتابعة القضايا والمعاملات الخاصة بشؤون اللاجئين وطالبي اللجوء.

وتقوم الوزارة أيضا بإدارة الموارد البشرية من تخطيط وتنظيم ورقابة، إضافة إلى متابعة التقارير المحلية والدولية المتعلقة بقضايا حقوق الإنسان والحريات العامة وتولي شؤون اللجنة العليا للإصلاح والتأهيل.

وفي هذا الإطار وجه المركز الوطني لحقوق الإنسان انتقادات حادة في تقريره الأخير حول ملف السجون أوضح فيه حجم الاختلال في هذه المرافق، ما أدى إلى حدوث أعمال شغب في أكثر من سجن (إضرابان وشغب في سجن قفقفا وحريق وتكسير مهاجع في الجويدة)، وذلك على خلفية قرار بفصل السجناء بعضهم عن بعض بحسب نوع الجريمة.

كما تعمل الوزارة في مجال الحريات العامة من خلال متابعة الهيئات والمنظمات المحلية التي تعنى بحقوق الإنسان، بالتنسيق مع الجهات الرسمية ذات العلاقة، كما تتولى الوزارة التنسيق المباشر مع المركز الوطني لحقوق الإنسان، من خلال ضابط ارتباط فهي التي تقوم بإعداد الرد على تقاريره السنوية، إضافة إلى تلقي الشكاوى الفردية التي يتقدم بها الأشخاص والمنظمات والهيئات.

كما تقوم الوزارة بترتيب الزيارات لأماكن الاحتجاز ومراكز الإصلاح والتأهيل من قبل المنظمات وهيئات حقوق الإنسان.

وتتولى الوزارة تنظيم الإجراءات الإدارية للإعداد للعملية الانتخابية لمجلس النواب من حيث عدد مراكز الاقتراع والفرز والكوادر البشرية وجميع الاحتياجات التي تتطلبها لغاية إعلان نتائجها وتنظيم انتخابات المجالس المحلية وأمانة عمان والإشراف عليها.

وتتولى الوزارة استلام طلبات تسجيل الجمعيات والهيئات الاجتماعية ودراستها وتدقيق أنظمتها الداخلية، والتنسيق مع الجهات الأمنية لأخذ التدابير لعقد المؤتمرات والندوات والاجتماعات.

وفي هذا الجانب أيضا وجه المركز الوطني لحقوق الإنسان انتقادات حادة لطريقة إجراء الانتخابات البلدية والنيابية التي جرت في العام الماضي.

**

أمين التميمي

أول وزير داخلية أردني، فقد تسلم المنصب في أول حكومة أردنية، هي تلك التي شكلها رشيد طليع في العام 1921.

التميمي تقلد منصب "مشاور الداخلية" بالإضافة إلى توليه منصب "متصرف لواء عجلون".

المشاور بحسب التعريف اللغوي "هو من يقدم المشورة للحاكم ويقوم بتنفيذ الأعمال الموكولة إليه من قبله".

**

سليمان عرار

وزير الداخلية في عهد حكومة أحمد عبيدات (1984- 1985). أجرى انتخابات تكميلية تمكن خلالها المعارضان ليث شبيلات، وعبد الله العكايلة من الوصول إلى قبة البرلمان.

عرار أشرف على انتخابـــات الإعادة للمجلس النيابي العاشـــر، الذي هو مجلس النواب التاسع نفسه برئاسة السيد عاكف الفايز، ولكنه سمي بالعاشر بعد إجراء انتخابات فرعية جديدة في الضفة الشرقية لملء المقاعد الشاغرة في بعض دوائــــرها بسبب وفاة شاغريها في المجلس، كما تم انتخاب أعضاء لملء المقاعد الشاغرة للضفة الغربية من قبل النواب أنفسهم. تمــــت دعوة المجلــس للانعقاد بتاريخ 16/1/1984 واستمــر حتى تاريخ 30/7/1988.

الانتخابات التكميلية المشار إليها، وصفت بأنها الأكثر شفافية ومصداقية حتى تاريخه، على حد وصف سياسيين، على الرغم من أنها تمت في ظل قانون الدفاع الشهير الصادر العام 1967 الذي تم إلغاؤه العام 1989.

**

عيد الفايز

في عهد عيد الفايز أجريت واحدة من أكثر الانتخابات إثارة للجدل في العهد الديمقراطي الأردني، هي تلك التي أجريت في العام 2007 (بلدية ونيابية)، فقد صدرت تقارير من منظمات أهلية وحكومية تصفها بـ «غير النزيهة».

أبرز الانتقادات جاءت من المركز الوطني لحقوق الإنسان، ففي تقريره عن الانتخابات البلدية التي جرت في 31 تموز العام 2007 ، رصد المركز وجود عدد من المخالفات التي تشكل انتهاكات جسيمة للمعايير الدولية والتشريعات الوطنية المتعلقة بنزاهة الانتخابات. وقد صدر التقرير في 11/9/2007.

وفي 6/1/2008 أصدر المركز تقريرا حول الانتخابات النيابية التي جرت في أواخر العام 2007، وسجل فيه خلاصة تقييمه للعملية الانتخابية وما شاب إجراءاتها منذ البداية من أوجه قصور، بما في ذلك عمليات تسجيل الناخبين والجداول الانتخابية والاعتراض عليها، والمعايير التي اتبعت في نقل البطاقات الانتخابية من دائرة إلى أخرى، واستخدام المال للتأثير على خيارات الناخبين.

في عهد الفايز أيضاً، وجه المركز انتقادات حادة لجهاز الأمن العام على تعامله مع ملف السجون.

من الدور الاستراتيجي إلى الثانوي : وزارة الداخلية: ضحية إلغـاء الأحكام العرفية
 
31-Jul-2008
 
العدد 37