العدد 37 - أردني
 

نهاد الجريري

يعرف موقع وزارة الخارجية الأردنية mfa.gov.jo الرسالة mission بأنها: "العمل على تحقيق أهداف السياسة الخارجية للمملكة الأردنية الهاشمية وتعزيز دور الأردن المحوري، القائم على الوسطية والاعتدال، في المحافل الدولية والإقليمية، والتأكيد على التميز في العمل الدبلوماسي بهدف حماية المصالح الوطنية الأردنية العليا.»

قد يختزل هذا التعريف طبيعة عمل وزارة الخارجية المتمثل في وضع استراتيجيات وآليات لتطبيق السياسة الخارجية للبلد، والتي يخطها رأس الدولة بكل حال من الأحوال.

إلا أن واقع وزارة الخارجية الأردنية يختلف عن هذا الإطار النظري. إذ يلحظ البعض أن الديوان كثيرا ما يضطلع ليس فقط برسم السياسة، وإنما بتنفيذها. من قبيل ذلك، الدور الذي اضطلع به عدنان أبو عودة في موضوع العلاقات الأردنية العراقية بعد حرب الخليج الثانية واحتلال الكويت، وقد كان آنذاك المستشار السياسي للملك (1988-1991). أبو عودة كانت له على الدوام مهام مماثلة إذ عمل وزيرا للبلاط الملكي (1984-1988) ورئيسا للديوان (1991-1992).

ويمكن تعليل هذا بأن الظروف السياسية في هذه الحالات تكون على قدر كبير من الحساسية والدقة، ما يستدعي أن يقوم رأس الدولة بالإشراف عليها مباشرة.

الدبلوماسي الأردني المخضرم حسن أبو نعمة، وفي مقال مطول عن «معالم من الدبلوماسية الأردنية»، نشرته مجلة الأردن للشؤون الدولية الصادرة عن المعهد الدبلوماسي الأردني في عددها الأول يقول: «ولم تكن الظاهرة الفريدة التي ميزت الدبلوماسية الأردنية في أن الملك هو الموجه الرئيسي للسياسة الخارجية، من قبيل موقع الملك على رأس هرم مؤسسة الحكم، وليس لتمكنه من السلطة؛ بل لأن تقليدا رسا في هذا الاتجاه منذ تأسست الإمارة ثم المملكة؛ ولأن طبيعة الملوك الذين اعتلوا عرش المملكة أهلتهم للقرارات الكبرى والسياسية منها بشكل خاص، فلم يكن الملك هو الذي ينافس السلطة التنفيذية على الممارسة، بالرغم من حقه الدستوري في ذلك؛ بل لأن معظم الحكومات كانت تعتمد على الملك في الأمور التي تستوجب واستوجبت فيما مضى قرارات كبرى.»

ويلحظ وزير الخارجية الأسبق جواد العناني كيف أن ملف الخارجية كثيرا ما كان يناط بشخص رئيس الوزراء. ومن ذلك أن جمع عبد السلام المجالي بين منصبي رئيس الوزراء ووزير الخارجية في الفترة من 30/5/1993 إلى 7/10/1995، وذلك في فترة إجراء مفاوضات السلام مع إسرائيل، وذلك «حتى يبقى ملف المفاوضات في الرئاسة، وليكون رئيس الوزراء على اطلاع أولا بأول والمسؤول مباشرة أمام الملك،» يشرح العناني. ويزيد أن من قبيل هذا الإجراء ما كان في السبعينيات تحديدا عندما ضم كثير من رؤساء الحكومات، آنذاك، حقيبة الخارجية إلى مهامهم، وذلك «لأهمية التنسيق المباشر مع الملك نظرا للظروف السياسية» السائدة مثل حرب 1973. فجمع بين المهمتين كل من زيد الرفاعي (26/5/1973-13/7/1976) ومضر بدران (13/7/1976-19/12/1979) والشريف عبد الحميد شرف (19/12/1979-3/7/1980).

ومن خلال استعراض عمل وزراء الخارجية الأردنيين يبدو واضحا أن أداءهم مرتبط بشكل مباشر بشخصية كل وزير. فالوزير صاحب المبادرة يترك بصمة و«إرثا» في هذا المجال بخلاف وزير لا يكاد يذكره أحد إلا بالعودة لبيانات الخارجية. العناني يعتبر أن على وزير الخارجية أن يكون مطلعا على سياسة الدولة «ليكون قادرا على اتخاذ قرارات (متسقة مع هذه السياسة) حتى وإن كانت قرارات فورية، وليكون قادرا على تحمل تبعات هذه القرارات». ويلحظ أن بعض الوزراء «يفضلون الطريق الآمن ويبلغون رئيس الوزراء بكل صغيرة وكبيرة.»

وزير الخارجية الأسبق طاهر المصري يعتبر أن هذا الأمر قد ينطبق على أي مؤسسة بغض النظر عن مجال عملها: سواء أكانت بنكا أم شركة أم لجنة. ويقول «طبيعة الرئيس ترشحه لمؤسسته، فإذا كان الوزير ضعيفا خاملا لا يتابع مجريات الأمور، فسيتكاسل مدراء الدوائر الذين يعملون تحت إدارته.» ويروي من تجربته كوزير للخارجية في 3 حكومات (زيد الرفاعي، مضر بدران، أحمد عبيدات) كيف أن الملك الحسين كان يترأس «مطبخا سياسيا» يضم شخصيات من بينها وزير الخارجية، «وكان يلتقي بنا كل 3 أو 4 أسابيع لنتناقش في شؤون الأردن، بحيث يفهم كل واحد من الحضور ما هي سياسة الدولة ومحدداتها وما المطلوب عمله، والتوجه للفترة المقبلة.» ويضيف «لم أكن أمسك بالهاتف في كل مناسبة لأتكلم مع رئيس الوزراء أو الملك، فقد كنت أدرك ما هو المطلوب وأخبر السفارات بذلك، وإذا كان المطلوب موقفا كنت أقوله دون الاضطرار إلى الرجوع إلى أحد.» ويؤكد المصري أن «الملك هو المسيّر الأول، لكنه بهذه الطريقة كان يشرك الوزير في صنع القرار.»

تبعية أداء الوزارة إلى شخص الوزير لا تقتصر على هذا الأمر، إذ تتمثل في أداء الوزير داخل وزارته. فمن المفترض أن يتألف «المطبخ السياسي» داخل الوزارة المعنية برسم الاستراتيجيات لتنفيذ سياسات القصر من الوزير ورؤساء الدوائر السياسية التابعة له وعددها في المجمل 11. إلا أن ما يحدث كثيرا أن الوزير قد يعتمد على 2-5 من هؤلاء، أو قد يعتمد على آخرين من خارج الإدارات عادة ما يكونون دبلوماسيين. الأمر الذي يخلق «هشاشة» في العمل الإداري.

المصري يذهب إلى أبعد من ذلك عندما يشير إلى «نظام إداري مهترىء» يتمثل في ضعف التوثيق. يروي: «كنت ‘أتعب‘ مع مدير الدائرة السياسية عندما أحوّل له تقريرا من سفير. إذ يكتفي بحفظ التقرير لديه دون أن يحوّله إلى بعثات دبلوماسية أردنية قد تفيد منه مثل السفير الأردني في الجامعة العربية.» وفي جانب آخر يشير المصري إلى عدم كفاءة السفراء في أحيان كثيرة وعجزهم عن أداء مهماتهم. يقول: «في إحدى المرات بعث لي سفير بتقرير ‘سري جدا‘، رغم أن التقرير كان مقالة منشورة في إحدى الجرائد!» ومن هذا القبيل يروي المصري أيضا، كيف أخفقت السفارة الأردنية في لندن في العثور على وثيقة ملكية مبنى السفارة، وذلك لضعف التوثيق، ويقول ‘ما في ذاكرة بالسفارة’".

سياسي أردني فضل عدم الكشف عن هويته يلحظ أن سفاراتنا، كبقية مؤسساتنا الرسمية، تعاني من الواسطة والمحسوبية. ويقول "للأسف، كثيرا من الأحيان لا تراعي السفارات معايير مهنية في تعيين أركان هامة مثل الملحق الثقافي والعمالي والإعلامي، بل يأتي تعيينهم بناء على سياسة الاسترضاء."

وقد يرجع البعض هذا الضعف إلى قصور في الميزانية المخصصة للبعثات الدبلوماسية الأردنية في الخارج. وهذا قصور يتمثل في أمرين، الأول: الرواتب المتدنية التي يتقاضاها السفراء وهي من أدنى الرواتب التي يتقاضاها الدبلوماسيون على مستوى العالم كله، بحسب مسؤولين في الخارجية. والثاني: «فقر» المباني التي تُتخذ مقرات للسفارات الأردنية.

يلحظ البعض أن ما يتقاضاه شاب في شركة خاصة قد يزيد أضعافا عمّا يتقاضاه دبلوماسي انتظر عقودا حتى يصير سفيرا. وهو أمر ربما انعكس في تغيّر نمط الامتحانات التي تجرى للمتقدمين للعمل في الخارجية. فقد لوحظ أن أعداد المتقدمين تناقصت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، بالرغم من إسقاط شرط الحصول اجتياز امتحان «التوفل».

في مقال «كنت سفيرا» نُشرته مجلة الأردن للشؤون الدولية يقر المصري؛ الذي خدم سفيرا في مدريد، ولندن، وباريس؛ بأن بعض الدبلوماسيين الذين عملوا معه كانوا يفتقرون للكفاءة. ويضيف أن كثيرا منهم كانوا منصرفين لمتابعة دراستهم أو تدبر أمورهم المادية نظرا لغلاء تكاليف العيش في العواصم الأوروبية.

ويستذكر المصري كيف كان يدفع نصف راتبه ثمن عشاء في مطعم باريسي إذا أراد القيام بواجبه الدبلوماسي واستضافة فعالية فرنسية أو أردنية. ويزيد أن سفارة الكويت في لندن مثلا كانت تحظى بموازنة تعادل موازنة وزارة الخارجية الأردنية بأكملها.

بالرغم من شح الإمكانات، استطاع سفراء أردنيون إثبات وجودهم في العواصم التي يُنتدبون فيها. العناني يتذكر بكثير من الاعتزاز بعض سفرائنا أثناء عمله بالخارجية، باعتبارهم «باحثين جيدين، قادرين على تدبر أمورهم بسلاسة، ويبعثون بتقارير وافية عن الوضع في مواقعهم، يتحركون بنشاط مع الوفود الأردنية الزائرة مستفيدين من معرفتهم بالبلدان التي هم فيها وبعلاقاتهم المتميزة معها.»

لكنه في الوقت نفسه يشير إلى أهمية الاعتناء بالتمثيل الأردني في منطقة الخليج تحديدا. ويلحظ أن ثمة مدرسة كانت سائدة في الخارجية الأردنية تنحو إلى تعيين سفراء يتكلمون «بلهجة معينة» على اعتبار أن الخليجيين يهتمون قبل كل شيء بلغة «القنص». ويضيف «لكن ثمة فرصة سانحة للاستفادة من فرص الاستثمار في الخليج لتعزيز مناعة الأردن الاقتصادية، وذلك من خلال تعيين سفراء يتحدثون بلغة العصر من كمبيوتر واتصالات وخصخصة ورأس المال.»

حسن أبو نعمة الذي أمضى 35 عاما في السلك الدبلوماسي يقول «لم تتوفر لي أية إمكانيات خاصة أو مختلفة، وكنت أشكو كغيري دوما من شح الإمكانات.» ويلفت إلى أن هذا الوضع ليس مقصورا على الخارجية الأردنية «بل هي قضية شائعة عالميا، وباستمرار هنالك حالة جذب بين الطلب والتلبية.» ويضيف «الحقيقة أنه إذا كانت الإمكانيات الوفيرة تُيسّر وتسهّل العمل، فإن شح الإمكانات لا يجب أن يكون عذرا سانحا لرداءة الأداء أو للتقصير في القيام بالواجب. فبالإمكانات المحدودة وفي أحوال كثيرة يمكن تقديم وعمل الكثير.»

من هنا، عمل وزيرا الخارجية الأسبقان مروان المعشر وعبد الإله الخطيب على زيادة رواتب السفراء. ومن المنتظر أن يصدر قريبا نظام جديد نحو مزيد من المخصصات للسفارات.

“الخارجية”: الملك يحدد ملامحها الأساسية والوزراء يجتهدون في التنفيذ
 
31-Jul-2008
 
العدد 37