العدد 37 - أردني | ||||||||||||||
حسين أبورمان كل الوزارات مهمة، لكن ما يميز وزارات السيادة هو وجود بعد إستراتيجي في وظيفتها وعملها يتعلق بأمن المواطن ومعاشه، هذه الوظيفة يمكن أن تكون مرئية لدى الرأي العام في وزارات أكثر من غيرها. المقصود بوزارات السيادة، وزارات المالية والداخلية والخارجية والدفاع. مفهوم وأدوار هذه الوزارات يتغير باستمرار بحسب التطور العام للدولة والتحديات التي تواجهها. تعد وزارة المالية أكثر الوزارات السيادية أهمية، ما يعكس حقيقة أن المال هو عصب الحياة. ولتحقيق المسؤوليات المناطة بها، تشرف وزارة المالية على الأجهزة المعنية بتأمين جباية إيرادات الدولة إلى الخزينة، مثل دوائر الجمارك، ضريبة الدخل والمبيعات، والأراضي والمساحة، وغيرها. كما أن الوزارة معنية بالإشراف على عملية الإنفاق، وقيام دائرة الموازنة العامة كل سنة بإعداد مشروع قانون الموازنة للسنة المالية اللاحقة. إلى جانب ذلك، تعنى الوزارة بتوجيه الاستثمار الحكومي وإدارة الدين العام الخارجي والداخلي، وتحقيق التكامل بين السياستين المالية والنقدية بالتنسيق مع البنك المركزي الأردني. وزارة المالية هي الأقدر على تلمس الحاجة لضبط الإنفاق العام وفق محددات السياسة المالية بحكم توافر صورة الوضع المالي الإجمالي أمامها. لكن الوزارة تتعرض لتدخلات كثيرة تربك عملها، وتعطل تنفيذ سياساتها النافذة. في حين أن ضبط الإنفاق العام يمثل أولوية قصوى، في الظروف الراهنة التي يجتازها الأردن والتي تضع المواطن تحت رحمة متوالية رفع الأسعار. إن التهاون في هذا الأمر يفضي بالحكومة إلى فرض المزيد من الضرائب. المالية العامة في المملكة تعاني من اختلالات مزمنة، لذا يتعين إعادة هيكلة الموازنة العامة بهدف خفض العجز الكبير فيها والوصول إلى نسبة الدين العام التي حددها القانون. ذلك يتطلب تنفيذ إصلاحات جذرية لتحسين أداء الموازنة العامة وزيادة كفاءة الأداء الحكومي اللذين يعتبران جوهر مبادرات الإصلاح المالي وهدفها بحسب توجهات الأجندة الوطنية. أما في جانب الإيرادات العامة، فإن النظام الضريبي بحاجة للمراجعة لضمان المساواة في المعاملة الضريبية، وتحسين إجراءات التحصيل ورفع تكلفة التهرب الضريبي. يجب تطوير الإدارات الضريبية من أجل تعزيز الثقة بينها وبين المكلفين وضمان حدوث ارتقاء نوعي وكمي في عمليات التحصيل. وفيما يتعلق بكفاءة الأداء الحكومي، فإنه يمثل عبئاً على الموازنة العامة وعلى المواطنين والمستثمرين على حد سواء. ويلاحظ ذلك من خلال تعمق البيروقراطية وارتفاع تكاليف تقديم الخدمات العامة. ولمعالجة هذه التحديات، لا بد من تطبيق برنامج إصلاح القطاع العام وذلك لتحسين إدارة الموارد فيه والارتقاء بتنظيم هذه الموارد. وأخيراً، يجب تطوير الإستراتيجية الشاملة للحكومة الإلكترونية لزيادة إنتاجية الحكومة والارتقاء بنوعية خدماتها. ومقابل الأهمية التي يدركها كل مواطن في عمل وزارة المالية، فإن مكانة وزارة الخارجية، لا تبدو واضحة، لا بل ينظر كثيرون لمجمل وظائف وزارة الخارجية وسفارات المملكة في الخارج من زاوية كونها تنطوي على تكاليف مالية غير ضرورية. إن الإشكالية الأهم التي يتعين معالجتها هي ضمان التكامل في الوظائف ما بين الدور المحوري الذي يقوم به رأس الدولة على صعيد رسم الإستراتيجيات ووضع الآليات المناسبة لتطبيقها، وبين وظائف وزارة الخارجية. الملك الراحل الحسين كرّس حضوراً دولياً ملحوظا للأردن، وكل ذلك من خلال المثابرة والأدوار الاستثنائية التي كان يقوم بها على صعيد السياسة الخارجية. هذا لا يعفي وزير الخارجية ووزارته من مهامهما، بل يضاعف مسؤوليتهما لمواكبة الأداء واستثماره، لا سيما أن الملك عبد الله الثاني يسير على خطى والده في هذا المجال. صحيح أن دور وزير الخارجية يتاثر بدرجة كبيرة بمزاياه الشخصية وخبراته وحيويته، لكن في كل الأحوال، ينبغي على الحكومات أن تضع الآليات المناسبة التي تتيح لوزارة الخارجية أن تكون ذات أداء ديناميكي وفاعل. الاهتمام الذي ينبغي على الأردن أن يوليه لوزارة الخارجية وسفاراتها، يجد مبرره في خصوصية ما يمثل الانفتاح على العالم من فرص بالنسبة للمملكة. فالأردن دولة مرسلة ومستقبلة للعمالة في آن. والأردن دولة يتوقف جانب رئيسي من نجاح برامجها التنموية على الاستثمار العربي، وفي طليعته الاستثمار الخليجي، وعلى الاستثمار الأجنبي. والأردن يمتلك طاقات استثمارية يمكن أن يوظفها في الخارج، وهذه بحاجة إلى ركائز توفرها السفارات عادة. كما أن للأردن حوالي 30 الف طالب يدرسون في عشرات البلدان في الخارج، وهناك جاليات أردنية متفاوتة الحجم، لكنها واسعة الانتشار في العالم. كل هذا مؤشر على أهمية الدور الذي ينبغي أن تنهض به وزارة الخارجية. الخارجية لا يمكن أن تنهض بالوظائف المنشودة بمجرد توافر النوابا الحسنة. الأمر يتطلب رؤية متكاملة للاحتياجات تسمح بتحسين أوضاع السفارات والعاملين فيها وفي مقدمتهم السفراء. لكن ما لا يقل أهمية عن ذلك هو حسن اختيار السفراء وأطقم السفارات والموظفين العاملين في الخارجية وسفاراتها، وتحديث إمكاناتها وأنماط عملها لمواكبة التقدم، بعيداً عن سياسة الاسترضاء والمحسوبية. الظروف التاريخية لنشأة الدولة الأردنية، والأوضاع الإقليمية الملتهبة دائماً، أعطت لوزارة الداخلية مكانة متميزة باعتبارها الوزارة المسؤولة عن أمن واستقرار البلاد. علاوة على ذلك اتسعت في عالم اليوم مسؤوليات الوزارة، فالأحوال المدنية والجوازات، الحدود، الجنسية، شؤون السير، إقامة العرب والأجانب، ترخيص الأحزاب وأنواع متعددة من الجمعيات، إجازة الاجتماعات العامة والمسيرات، الإشراف على الانتخابات، وغيرها، يقع كله تحت مظلة الوزارة. لقد حدث تقدم ملموس في نمط الأداء الإداري الحكومي جسدته دائرة الأحوال المدنية والجوازات، وكذلك دائرة السير. هذا التقدم ينبغي أن يصبح نمطاً سائداً في كل دائرة ومرفق لم يسد فيه بعد. وزارة الداخلية هي أكثر وزارات السيادة تأثراً بـ «صدمة» الإنفراج الديمقراطي عام 1989. وفي ظل المناخ السياسي الجديد في المملكة، فإن الوزارة لم تقم بالمراجعة الضرورية لأدائها، وما زالت تبحث عن دورها الجديد. لقد اقتربت بعض الحكومات من طرح عنوان المرحلة «اللامركزية الإدارية»، لكنها لم تفعل شيئاً في هذا الاتجاه. وبما أن وزارة الداخلية هي أكثر الوزارات السيادية احتكاكاً بالمواطنين، فهذا يتطلب منها في الظروف السياسية الجديدة ان تكون نموذجاً متقدماً قي الاتصال وتجسير العلاقة بين المواطن والدولة، لا أن تحافظ على «كشرة» الأيام الخوالي. وفي الاتجاه نفسه، فإن الأدوار التي يقوم بها المحافظ بحاجة إلى مراجعة ضمن منظور اللامركزية الإدارية، وهذا يعني تعزيز إمكاناتهم وصلاحياتهم والاعتناء باختيارهم وصقل خبراتهم، وتأهيلهم ليكونوا قادة في ترجمة توجهات الدولة الإصلاحية وفرض هيبة الدولة بسلطة القانون. أما وزارة الدفاع، والتي يحمل حقيبتها منذ عام 1970 رئيس الوزراء نفسه، فهي وزارة «شبح»، موجودة وغير موجودة في الوقت نفسه. هناك تشريعات تحدد صلاحيات هذه الوزارة، لكن من الواضح أن الاهتمام بالجانب الشكلي هو السائد في علاقة الوزارة مع القوات المسلحةالتي تتحمل مسؤولة الدفاع عن الوطن. منذ انتهاء الحرب الباردة، أدخلت أعداد متزايدة من الدول تطويرات سمحت بإخضاع قواتها المسلحة إلى رقابة قيادات مدنية، ممثلة غالباً بوزارات الدفاع، إلى جانب رقابة السلطة التشريعية من خلال لجان متخصصة بقضايا الأمن، بما يتيح للبرلمان أن يراقب الموازنات والقرارات الاستراتيجية. وللأردن مصلحة في أن يهيىء أوضاعه لتفعيل وزارة الدفاع في المدى المنظور. تفعيل وزارة الدفاع يترجم في المرحلة القادمة توجهاً إصلاحياً في واحدة من وزارات السيادة. لكن الإصلاح يطرق أبواب كل وزارات السيادة الأخرى، فليس منطقياً أن تبقى هذه الوزارات تعمل بالطريقة نفسها في زمن الحروب الباردة والساخنة، أو في زمن الحرب والسلم وزمن اللاحرب واللاسلم. |
|
|||||||||||||