العدد 36 - كتاب
 

لا يمتلك من يقصد بلداً في سفر قصير أو طويل، سوى المقارنة بين الحال في بلده وبين ما يراه ويلمسه في بلد الزيارة. تحدث المقارنة بصورة تلقائية مع أنها تثقل على النفس.وتصبح دواعيها أكبر في السفر القصير الأمد.

زار كاتب هذه السطور مؤخراً ضمن وفد إعلامي أردني عاصمة أوروبية، فكانت هذه الحصيلة الموجزة من الانطباعات. ـ المساحات الخضراء تزاحم المباني. وعدد الأشجار بالملاحظة العيانية لا يقل عن عدد البشر.

_ يبلغ عدد سكان ذلك البلد عشرة ملايين، بينهم مليون في العاصمة.

ـ لا وجود لرجال الشرطة في الشوارع وأمام البنايات في عاصمة تحتضن مقر الناتو.

ـ عدد سيارات التكسي قليل، وينتظر سائقوها الركاب.

ـ خارج قلب العاصمة التجاري الشوارع شبه خالية من الناس، فهؤلاء يتحركون تحت الأرض في تنقلهم السلس والسريع والمنظم عبر شبكة الاندرغراوند. على السطح هناك حافلات أنيقة نصف فارغة نصف ممتلئة بالركاب.

ـ لا صوت إطلاقاً لزمامير العربات.

ـ لا أصوات بشرية عالية في أي مكان. الصوت العالي معيب ويخدش راحة الآخرين.

ـ هناك بشر من أصول مختلفة بعضها أميركي لاتيني وبعضها إفريقي، وهؤلاء هم أبناء للبلد.

ـ يضم المجلس التنفيذي لبلدية العاصمة، أعضاء من مختلف الأصول. نائب الرئيس من أصل مغربي، وهناك أعضاء في المجلس من أصول تركية، وسورية، وإسبانية.

ـ الناس الذين يحترمون بعضهم احتراماً مطلقاً، يمحضون الاحترام نفسه للأشجار والحمام الذي تتمشى أسرابه على الأرصفة باعتداد بالغ.

ـ في العاصمة عشرات المساجد التي يؤمها مؤمنون.

ـ تحفل المدينة بأعداد هائلة من المطاعم يرتادها رواد على مدار الساعة من الجنسين. أما البقالات ومحال بيع الخضار فأعداددها قليلة، وتفسير ذلك أن المطبخ ليس مملكة المرأة هناك، فمملكتها عملها وحياتها كنِد وشريك للرجل. ـ عدد المشردين قليل جداً ووجودهم غير ملحوظ.وأقل منهم المتسولون وحتى هؤلاء يتحدثون بصوت خافت وسرعان ما ينصرفون بغير إلحاح.

البلد المقصود هو بلجيكا وعاصمته بروكسيل.لا تتوفر البلد على مواد أولية خام، باستثناء الغابات، وتتقن البلد في المقابل تدوير التجارة بالاستيراد وإعادة التصدير.الناس يبدون جميعهم في الشوارع كأبناء طبقة وسطى.لا تبدو عليهم مشاعر السعادة ولا الكآبة. و"يغيظ" الزائر الشرقي أن أحداً رجلاً كان أو امرأة لا يلتفت الى الآخر. كل يوجه أنظاره الى أمامه فقط : دع الخلق للخالق.

التدخين ممنوع في كل مكان مسقوف، مسموح به في كل مكان مفتوح بما في ذلك في المقاهي، والمطاعم على الأرصفة. يمكن للزائر التدخين في غرفته في الفندق، بعد اختيار غرفة يسمح بها بممارسة هذه الآفة.

النهار في الصيف يمتد لما بعد التاسعة والنصف مساء.

المقارنة بيننا وبينهم إذا كان هناك من داعٍ لها، تتحدث عن نفسها بنفسها دونما حاجة لتعليق. قد يكفي التنهد ..

محمود الريماوي: قد يكفي التنهد!
 
24-Jul-2008
 
العدد 36