العدد 36 - حتى باب الدار
 

الفكرة عزيزة على منتجها بشكل يختلف عن أية «سلعة» أخرى، فصانع القميص مثلاً، بعد أن يبيعك إياه ويقبض ثمنه، لا يهمه إذا كنت ستغير أزراره، أو تعيد صبغه وتغير لونه كلياً أو تحوله إلى «ممسحة» أو تسل خيوطه من جديد أو تحيله إلى «مطحنة شرايط» لكي يأخذ طريقه الى استخدام آخر. إنه، أي صانع القميص، يتيح لك حرية التصرف بذلك القميص تحويلاً أو تأويلاً أو تعديلاً وتبديلاً، بعكس صاحب الفكرة، فما أن تفتح كتاباً حتى يبادرك صاحبه بالتحذير من أي نقل أو تصوير أو نشر وتحوير، ويوهمك بعبارات حاسمة إنه قادر على إلحاق الأذى بك إن أنت اقترفت شيئاً من ذلك.

الطريف في الأمر، أن صاحب الفكرة في الأصل لا يتمنى شيئاً اكثر من انتشار فكرته، بل إن شأن وقيمة الكاتب يقاس بحجم انتشار أفكاره، لكنه لا يهتم بانتشار تلك الأفكار إلا إذا كانت مرفقة مع اسمه، وكم خيضت معارك بين الكتّاب لأن أحدهم اشتكى أن الآخر سرق فكرته، في حين لو سألت هذا المشتكي لقال لك إنه يفني حياته في سبيل نشر الفكر!.

ظل عالم الاجتماعي العراقي الساخر علي الوردي يعترف ويحض منتجي الأفكار على الاعتراف أن سعي الإنسان لكي يكون «مرموقاً يشار إليه بالبنان» هو جزء من طبيعة البشر، وان ادعاء المثقف بأنه يسعى فقط من اجل الحق والمنطق ولا يريد شيئاً لذاته، هو أمر مخالف للطبيعة البشرية.

**

القارئ السعيد

يحترم القراء الكاتب الذي تمنع مقالاته من النشر، مع أنهم في هذه الحالة لا يتمكنون من قراءة مقالاته تلك!.

في الأمر مفارقة ترجع إلى سيكولوجيا الطرفين: القارئ والكاتب.

موقف القارئ يشوبه شيء من «الخبث الظريف» فهو قارئ ومواظب وشجاع لكاتب شجاع لا تنشر مقالاته، وهذا الكاتب جدير بالتقدير نظراً لشجاعته من جهة، ولتخفيفه على القراء من خلال إعفائهم من قراءة مقالاته الممنوعة من النشر من جهة أخرى.

يشعر الكاتب بالحرج عندما يسأله صديق عن سبب غياب مقالته، ولا تكون الإجابة أنها منعت من النشر، وأية إجابة غير هذه الإجابة تعتبر منقوصة. لكن لماذا يفضل القارئ وجود مقالة قوية وخطيرة لا يتمكن من قراءتها؟ على الأغلب أن هذا القارئ يحب أن يكون كاتبه المفضل خفيف الظل فلا يثقل عليه بمقالة يومية، لكنه يريد في الوقت نفسه أن يكون كاتبه ذاك من العيار الثقيل الذي لا تغيب مقالته لأسباب أدنى من المنع.

بالمحصلة لا بد من وجود «نسبة منع» شهرية متعارف عليها يتم بموجبها تصنيف الكتّاب إلى درجات بحسب مدى تحقيقهم لتلك النسبة، مع ضرورة وضع حد لأمثالي من الكتاب، (بالتاء وليس بالذال) الذين ينقطعون أحياناً عن الكتابة محاولين إيهام «المشاهدين» أنهم ممن تمنع مقالاتهم.

ملاحظة: يتوافر لدينا «حبوب منع المقالات» تفيد في تنظيم «النسبة الشهرية».

يشار اليه بالبنان
 
24-Jul-2008
 
العدد 36