العدد 36 - حريات
 

سوسن زايدة

تعمل المرأة في حقل من الأشواك، يستوي في ذلك عملها في أي مجال. فإذا نجحت في إقناع رجل البيت بجدوى عملها في الخارج، مع الحفاظ على واجباتها المنزلية والأسرية كاملة، عليها أن تقنع رجل العمل بكفاءتها التي تضاهي بها زميلها.

وتبدو صورة المرأة العاملة في قطاع الشركات الخاصة زاهية تماما، فنسبة العاملات في هذا القطاع أعلى مما هي عليه في قطاعات أخرى، لكن واقع الحال ليس كذلك، فنظرة أكثر عمقا ستظهر مدى التمييز الذي تتعرض له النساء العاملات في هذا القطاع والمضايقات التي تتعرض لها.

التمييز ضد الموظفات لا يستند إلى قوة القانون، فالقانون أعطى حقوقا متساوية للجنسين، فقد ضمن المشرع، على سبيل المثال، أن يحصل أطفال العاملات على الرعاية وفقاً للمادة 72 من قانون العمل ونصها: «على صاحب العمل الذي يستخدم ما لا يقل عن عشرين عاملة متزوجة، تهيئة مكان مناسب يكون في عهدة مربية مؤهلة لرعاية أطفال العاملات الذين تقل أعمارهم عن أربع سنوات، على ألا يقل عددهم عن عشرة أطفال».

ومثلما هو الأمر في بلادنا فإن المشكلة تكمن، في كثير من الأحيان، في تطبيق القوانين، فكثيرا ما يتجاهل صاحب العمل القانون، مستندا إلى العرف السائد، فيصبح الواقع أقوى من نص القانون.

قانون العمل مثلا، لا يجيز فصل موظفة، أو إنذارها بالفصل في فترة الحمل، أو إجازة الأمومة، ومع ذلك فإن كثيراً من إدارات المصارف تعمد إلى «تطفيش» المرأة المتزوجة. أميرة، موظفة في بنك حكومي، قالت لـ«ے»: «هناك ضغوطات كبيرة على النساء المتزوجات، فساعة الرضاعة ألغيت، إذ إن الإدارة تتعمد أن تعطيها للأم في منتصف الدوام، وليس في بدايته أو نهايته، وهناك موظفات يسكنّ مناطق بعيدة عن عمان، لا يستطعن الذهاب والعودة في اليوم نفسه. إنهم (الإدارات) يريدون منعنا من العمل، بشكل غير مباشر، من خلال تضييق الوضع علينا».

أما موضوع الولادة فهو يؤثر على تقييم عملها، «إذ ينظر إليها على أنها لم تعمل 360 يوما.» تقول إيمان. وتوافقها في ذلك إحدى الموظفات، التي لم ترغب بذكر اسمها، «يتم تأخير ترقيات الموظفة بحجة أنها تأخذ إجازة ثلاثة أشهر (إجازة الأمومة)، وكأن الأمر هبة أو منحه منهم». وتعتقد سوزان، ان هنالك قصورا في مطالبة المرأة بحقوقها في هذا الجانب، تقول: «كان التمييز واضحاً في البنك، فقد كان يتم تخفيض التقييم والزيادة السنوية للموظفة المتزوجة، وقد تعرضت لهذا في الحالتين التي أنجبت فيهما طفلي. فقد كانت زيادتي السنوية قليلة على الرغم من تميز إنتاجي، إذ كان يتم محاسبة المرأة لأنها غابت فترة الأمومة. والموظفات اللواتي أنجبن أطفالا لم يكن على قدر من الجرأة للمطالبة بساعة الرضاعة وفقا للقانون».

ناديا الشاويش، المرأة الوحيدة بين 11 عضوا في الهيئة الإدارية لنقابة المصارف، مضى على عضويتها عام لم تر خلالها امرأة واحدة تشتكي إلى النقابة تمييزا ضدها في العمل. «لم أجد أية مؤسسة بنكية تلتزم ببند إنشاء حضانة مثلما يحدث في المؤسسات الكبرى في الأردن، صحيح أن هذا الحق موجود في القانون، لكنه لا يفرض على المؤسسات. لكن إذا كانت الأم العاملة نفسها لم تطلب بهذا الحق فكيف ستوفره المؤسسة. نصف من يعمل في البنوك هن نساء ومجموعة كبيرة منهن متزوجات، لكنهن لا يأتين حتى للنقابة»، تقول الشاويش.

لا يقف التمييز بين المرأة والرجل العاملين في مسائل الأمومة والحمل والرضاعة فقط. هناك أيضا ما قد يكون أسوأ، وهو حرمان الموظفة المتزوجة من حقوق التأمين الصحي لأطفالها ولزوجها حتى لو كانت عائلة. تقول نهيلة: «زوجة الموظف مؤمنة صحيا وتدفع نفقات علاجها الطبية كاملة ومصاريف الولادة، لكن الموظفة لا تمنح هذه الحقوق».

وتضيف سوزان «ومن القضايا الأخرى التي تميز بين الرجل والمرأة في البنوك تمتع الرجل بحق تعليم أبنائه على حساب البنك، بينما لا يحق للمرأة ذلك». العادات والتقاليد ما تزال تلعب دورا كبيرا في إعطاء مبرر لأصحاب العمل في عدم إعطاء المرأة كامل حقوقها الوظيفية، كما تقول سهى، موظفة في دائرة حكومية: «هناك امتيازات للرجل من ناحيتي السفر والترقية، لأن للمرأة ظروفا تحول بينها والسفر، لكن هنالك فتيات لديهن طموح ويرغبن في السفر وعندهن رغبة لإثبات جدارتهن، ولكن الاختيار عادة ما يقع على الرجال».

المهندسة الصناعية، سهير الخطيب، تعمل في القطاع الحكومي، تتحدث من واقع تجربة شخصية «كنت مرشحة لأن أكون رئيسة قسم، وتم اختيار شاب بدلا مني، فهناك اعتقاد بأن على المرأة مسؤوليات في البيت والأطفال، وبأنها لن تعطي الوقت الكافي للعمل، بينما العكس هو الصحيح فالمرأة تعطي أكثر، ولأن عندها عائلة تعرف كيف تنظم أمورها أفضل، وإجمالا فإن قدرتها أكبر على ضبط الوقت لأنه يصبح جزءا من حياتها». ولا يقتصر التمييز بحق المرأة على مديرها أو زميلها في العمل، فالمحامية تصطدم بنظرة تمييزية عندما يتعلق الأمر في التعامل مع دوائر القضاء ومؤسسات الدولة الأخرى، أو مع المواطنين.

تقول المحامية نداء: "بالنسبة للقضاة ونظرتهم للمرأة، لا يوجد تمييز في المحاكم النظامية، وبخاصة في المحاكم الكبيرة. أما في المحاكم الشرعية فإن التمييز كبير جدا، لدرجة أن القاضي في المحكمة الشرعية يريدني أن أكون محجبة، وإلا فنظرته لي تكون مختلفة. وعندما قررت أن أتدرب محامية شرعية لم ينظر القاضي لي كمحامية، حتى مصطلح أستاذة لم يستعمله فيقول "يا أختي روحي استني بغرفة النسوان".

ما تقوله نداء يعني بالدرجة الأولى، أن عزوف المحاميات عن ممارسة الجانب الشرعي وتفضيل النظامي، ترك المرأة، خلال عملية التقاضي، عرضة للذكر؛ خصما، ومحاميا، وقاضيا، إضافة إلى أن قانون الأحوال الشخصية يميز ضد المرأة.

والحال أن التعامل بدون مساواة مع المحامية يمتد إلى دوائر أخرى، ما يعيق عمل المحامية، كما تقول نداء. «هناك تمييز ضد المحامية في قسم الشرطة وأمام المحكمة ودوائر البحث الجنائي، حيث يخاطبونها بكلمة "مرة" بدلا من "أستاذة" كما يقال للمحامي. هذا مصطلح مهين بالنسبة لي، هناك استخفاف بالمرأة".

وتسرد نداء قصة حدثت معها حين ذهبت لكفالة موكل، فقال لها الشرطي "نحنا ما بنكفل نسوان". وتضيف نداء إن هذا دفعها لإحضار شخص يكفل موكلها. "وعندما شكوته لرئيس المخفر صدمني الأخير قائلا "طبعا نحن لا نكفل نسوان" والسبب، بحسب الشرطي هو أنه "عندما أتصل بالمرأة وأقول لها احضري موكلك تقول لي عيب ما تتصل على البيت ممكن تعمل لي مشكلة مع جوزي". قلت للشرطي إني «أوازيك كأي إنسان» وكان رده "أنت لا توازيني والدين يعتبرني أحسن منك ولا تزيدي بالحكي". فقدمت شكوى للمركز الوطني لحقوق الإنسان".

في بعض المهن كالإعلام تفضل بعض المؤسسات تشغيل النساء أكثر من الرجال، وهو أمر يوضح إلى حد ما الزيادة في عدد الإعلاميات. ففي قطاعات الإعلام المرئية تصبح المرأة مطلوبة كمظهر جمالي يسر الناظرين ويسهم في جلب الجمهور، وكذلك الحال في قطاع الإعلام المسموع فصوت المرأة وحضورها كفيل بشد آذان المستمعين. وفي الصحافة المكتوبة هي أكثر قدرة على الاتصال بالمسؤولين الذين يفضلون اللقاء مع امرأة.

نساء في المهنة: تمييز بزي أنيق!
 
24-Jul-2008
 
العدد 36