العدد 36 - ثقافي
 

مراجعة: باسل صلوخ*

يتضمن كتاب على درب حزب الله، تحليلا متقدما وذكيا لموضوع معقد ومثير للمشاعر في العادة. يضع حمزة إطارا مفهوميا ديناميكيا لشرح كيفية ولادة حزب الله، وتحوله إلى حزب سياسي متماسك، وخياراته السياسية. وهو يجادل بأن هذه الخيارات يمكن فهمها على الوجه الأفضل في سياق الظروف المتغيرة، وبنية الحزب التنظيمية ومتطلبات التشريع الأيديولوجي. وبالرغم من أن إصرار الحزب النظري على الهدف النهائي لإقامة نظام إسلامي، فإن حمزة يجادل بأن الأيديولوجيا مرنة، وأن القيادة الدينية تعيد صوغها لتناسب الظروف المتغيرة. ويتتبع حمزة نهوض حزب الله في ظروف أزمة متداخلة. وهو حدد أربعة متغيرات يمكن من خلالها تفسير التشدد المتزايد للمجتمع المحلي الشيعي اللبناني في الستينيات والسبعينيات: إرث تاريخي من المعاناة والحرمان السياسي والاقتصادي للشيعة، غزو إسرائيل المتكرر للبنان والتأثير الواضح للثورة الإسلامية في 1978/79. وقد شكلت هذه المتغيرات الظروف الاجتماعية الاقتصادية والسياسية والنفسية التي أدت إلى تأسيس حزب الله. ويتجاوز حمزة هنا أسسا معروفة جيدا. إن تحليله لأيديولوجيا حزب الله الإسلامية وبنيته التنظيمية والخيارات العملياتية هي ما يميز هذا التحليل عن أعمال أخرى.

تحتل الأيديولوجيا مكانة عليا لدى حزب الله، ويستخدم حمزة مزيجا من المقابلات الشخصية والمصادر الأولية لتفكيك مكونات هذه الإيديولوجيا. وهو يجادل بأن الحزب يعتنق مبدأ ولاية الفقيه، ويلتزم بالتعليمات الإيديولوجية للفقيه، آية الله خميني ثم علي خامنئي. وعلى أي حال، فإن حمزة لا يستفيض في شرح الآثار الضمنية لهذا الالتزام على هوية حزب الله وسياساته اللبنانية. هل الحزب أداة إيران في لبنان، كما يوحي البعض؟ أم أنه يملك قسطا من الاستقلالية عن ملالي طهران؟ ما هو أثر سوريا على خيارات الحزب السياسية بعد 1990، وهل وافقت عليها إيران؟ هذه الأسئلة مهمة في صورة خاصة، في ضوء النقاش الجاري في لبنان ما بعد سوريا حول الوضع العسكري غير الشرعي لحزب الله في المستقبل، ودوره في المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران عقب غزو العراق.

لا تعد علاقة حزب الله بأتباعه وظيفة من وظائف الخطاب الأيديولوجي فقط، بل إن الحزب طور بناء مؤسسيا مركزيا متماسكا ومعقدا اخترق به صفوف قطاعات المجتمع الشيعية في الجنوب وبعلبك والهرمل، والضاحية الجنوبية من بيروت أساسا. هذا البناء المركزي المتماسك قارب أن يكون دولة ظل حقيقية. وتقوم هيئات حزب الله الاجتماعية والتربوية والاقتصادية والقانونية والتدريبية والإعلامية بربط الكوادر بالحزب وتخفيف المصاعب الاقتصادية للمحتاجين. كما أنهم يشكلون أدوات للتنظيم والتثقيف التي توصل الحزب إلى عمق المجتمع الشيعي. ويتميز تحليل حمزة لأذرع الحزب الاقتصادية الاجتماعية وهيئاته القيادية، وهيئاته العسكرية والأمنية بالشمول، فهو يحدد الدور الحاسم الذي تلعبه القيادة الدينية في الحفاظ على الانضباط المركزي للحزب ورقابتهم للأذرع العسكرية والأمنية.

وتتباين الهيكلية المركزية للحزب مع خياراته العملياتية المرنة. ويفصل حمزة في شرح انتقال استراتيجية الحزب العملياتية من "الوضع العسكري" في الثمانينيات إلى "الوضع التدرجي البراغماتي" بدءا من العام 1989. وقد أشر الانتقال على انتصار التيار البراغماتي على العسكري في صراعين متداخلين: الأول تم في إيران بين مجموعة هاشمي رفسنجاني وبين المتشددين بقيادة على أكبر محتشمي وحسن خروبي. والثاني في لبنان وفي داخل قيادة حزب الله الدينية، بين معسكر عباس الموسوي وحسن نصر الله البراغماتي وبين المجموعات المتشددة لصبحي الطفيلي وحسين الموسوي. وقد تمحور الصراع حول الاستراتيجية التي يجب على الحزب أن يختارها في سعيه لإقامة نظام إسلامي: التدرجية أم التشدد المستمر. وقد برهن على هذا الانتقال العملياتي إلى الوضع التدرجي البراغماتي من خلال تحليل للولاء التكتيكي الانتخابي لحزب الله في الانتخابات التشريعية الأولى بعد الحرب في العام 1992 وفي انتخابات البلديات في العام 1998. كما أن هذا الانتقال أصبح معلنا في وقت كان فيه لبنان تحت سيطرة سوريا الكاملة تقريبا. وهنا يترك حمزة القاريء مرة أخرى وهو يرغب في معرفة مزيد من التفاصيل. فأي نوع من الأساليب تم التفاوض عليه مع سوريا بعد 1989؟ وماذا كان موقف إيران تجاه التحالف بين سوريا وحزب الله بعد العام 1989؟

ينجح كتاب حمزة في الإمساك بقدرة القيادة الدينية لحزب الله على المصالحة بين متطلبات الأيديولوجيا وبين تلك الخاصة بالسياسة اليومية في لبنان ما بعد الحرب، ولكنه لا يقتنع بأن الحزب قد قبل نظام لبنان الطائفي، مجادلا بأنه، في النهاية، يسعى إلى القضاء على هذا النظام. ولقد زادت التطورات التي حدثت في لبنان منذ نشر الكتاب من الضغوط على حزب الله لفصم علاقاته الإقليمية وإثبات ولاءاته اللبنانية. وقد أعلنت قيادة الحزب حساسيتها للنظام الاجتماعي الطائفي والسياسي المذهبي للبنان. ومن المؤكد أنهم اقتتلوا طويلا وبضراوة لمباركة الاتحاد بوصفه الملمح الرئيسي للنظام السياسي لحقبة ما بعد سوريا. ويخوض الحزب معركة حاسمة لحماية خياراته في لبنان ما بعد سوريا. ولا يتتبع كتاب على درب حزب الله رحلة الحزب حتى هذه اللحظة، بل ويلقي ضوءا على آفاقه المستقبلية.

*قسم التربية والعلوم الاجتماعية، الجامعة الأميركية اللبنانية، بيروت لبنان

* بالتعاون مع:

المجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط

International Journal of Middle East Studies

على درب حزب الله: المثقف الحديث والتاريخ السياسي للشرق الأوسط
 
24-Jul-2008
 
العدد 36