العدد 36 - اعلامي
 

وسط تأكيدات مكرورة على استقلاليتها وتطوير أدائها احتفلت وكالة الأنباء الأردنية (بترا) الأسبوع الماضي بذكرى تأسيسها التاسع والثلاثين.

تأسست بترا العام 1969 كجزء من تقليد تتبعه الدول الشمولية التي كانت تحرص على وجود وكالة أنباء تبث من خلالها وجهات نظرها وتسير الإعلام وفق توجّه مركزي، ولهذا امتلكت الحكومة وما زالت «بترا» ومولتها من خزينة الدولة بنسبة 100بالمئة، واعتبرتها المصدر الرسمي لأخبار المسؤولين ونشاطاتهم وتصريحاتهم.

في ظل الانفتاح الفضائي والولوج إلى عالم الكميوتر والإنترنت من أوسع أبوابه ووجود وكالات أنباء عالمية مستقلة وشبه مستقلة في كل بقعة من بقاع العالم باتت بترا متخصصة في الإخبار البروتوكولية ونادراً ما تنقل عنها وكالات أنباء عالمية خبراً مهماً، بل إن مسؤولين يسارعون لمنح الأخبار المهمة لوكالات أو وسائل إعلام أجنبية واستثناء الوكالة الرسمية.

استحدثت الحكومة قبل نحو 5 سنوات المركز الأردني للإعلام بعد إلغاء وزارة الإعلام وذلك كجزء من تطوير أدوات الإعلام المحلية، ووقت ذاك أقر مجلس الوزراء كجزء من التطوير نظام وكالة الأنباء الأردنية رقم (94) لسنة 2004، والذي بموجبه أصبحت الوكالة مرتبطة برئيس الوزراء.

مجلس وكالة الأنباء استحدث نظام نص على «الإسهام في تعزيز المهنية الإعلامية والصحفية في المملكة ومتابعة تطويرها ومواكبة التطورات والمتغيرات المهنية والتقنية في مجال الاتصال والمعلومات».

المادة الخامسة من النظام ذاته قالت إن الوكالة «تتمتع في قيامها بمهامها بالاستقلالية في تقرير سياستها التحريرية وتضع لهذه الغاية وضمن القواعد المهنية، أسس ومعايير جمع الأخبار وتحريرها وتحليلها والتعليق عليها وبثها»، كذلك «تلتزم الوكالة في تقديمها لخدماتها الإخبارية والصحفية بالدقة والتوازن والمهنية واحترام التعددية وعرض مختلف الآراء والأفكار والتيارات والالتزام بحرية الرأي والتعبير، وعليها اتخاذ الإجراءات التي تكفل الالتزام بأخلاقيات المهنة والتقيد بميثاق الشرف الصحفي».

تسنم رأس الهرم في وكالة الأنباء منذ العام 2006 الزميل، رمضان الرواشدة، اليساري السابق، والروائي، والصحفي، والمستشار الإعلامي لرئيس الوزراء فيصل الفايز.

كان الرواشدة ناشطاً طلابياً في حزب الشعب الديمقراطي (حشد) وتبنى آنذاك أفكاراً تدعو إلى رفع سقف الحرية في الأردن، ورفع الأحكام العرفية التي كان يتبناها حزبه وتوسيع هامش الحريات مع الإيمان بالرأي والرأي الآخر كقاعدة أساسية للحوار.

منذ ذاك أمل إعلاميون أن يختلف تعاطي الوكالة مع الأخبار المحلية، وأن يحتل الرأي والرأي الآخر موقعاً مميزاً ضمن أخبارها، وأن تنتقل من وكالة تابعة للحكومة لوكالة أنباء وطنية.

وبعد مضي عامين من تسلم الرواشدة عمله في الوكالة، فإن نهجها في التعامل مع الأخبار لم يتغير وفق الصحفي، مصطفى الريالات، من يومية «الدستور» الذي يرى أنها ما زالت غير قادرة على الخروج من رحم الحكومة وان تصبح وكالة للدولة.

يعتقد الريالات أن معوقات عدة تقف في وجه تطور عملها من أبرزها الاستقلالية المالية التي تفتقر لها حتى الآن إضافة لضعف الإمكانيات المادية، مشيراً إلى أن الطموحات التي رافقت الجسم الصحفي بعد ان تسلم إدارة الوكالة صحفيون خرجوا من رحم العمل الإعلامي كانت كبيرة وواسعة، ويستدرك بالقول «هذه الطموحات لم تترجم لحقائق على أرض الواقع أو لأمور ملموسة».

بدوره يعتقد الصحفي في يومية «العرب اليوم» وليد حسني، أن (بترا) ما زالت تبحث عن مكان ضمن وكالات الأنباء العربية والعالمية دون أن تتمكن من تحقيق ذلك حتى الآن.

ويشاطر حسني زميله الريالات بأن الوكالة ما زالت غير قادرة على ترجمة ما ورد في نظامها على أرض الواقع ولم تقم بخطوات من شأنها إظهار وجهات النظر الأخرى وبخاصة تلك المعارضة للحكومة، متفقاً مع الريالات بأن تسلم إدارة الوكالة صحفيين خرجوا من رحم التجربة الصحفية لم يزد للوكالة الشيء الكثير، الأمر الذي يؤكد أهمية وضرورة تمتعها باستقلالية تحريرية بصورة واقعية وفعلية، وأن لا تبقى تلك الشعارات حبراً على ورق.

وزير «الإعلام» ناصر جودة يتحدث في كل مناسبة عن وجود دراسات لتطوير عمل الوكالة، آخر تلك التصريحات أطلقه في أثناء الاحتفال بالعيد التاسع والثلاثين حين قال «من حق الصحفي والإعلامي الحصول على المعلومات، (...) هناك دراسة وحوار قائم لكيفية تطوير أداء مؤسسة الإذاعة والتلفزيون ووكالة الأنباء الأردنية بترا».

هذا الحديث المكرور يراه حسني والريالات تكراراً لمقولات لم يتم الأخذ بها منذ سنوات طويلة، الأمر الذي يدفع بأهمية وضع خطط جادة لتطوير عمل الوكالة والانتقال بها من أداة للحكومة لوكالة دولة تنقل الأخبار بشفافية ومهنية وان لا تبقى محصورة في الأخبار الرسمية والبروتوكولية.

يرى نائب نقيب الصحفيين، حكمت المومني، الذي يعمل في بترا أيضاً أن تطوراً ملحوظاً شهدته الوكالة في الفترة الماضية من حيث تقديم خدمات إخبارية واسعة وبث أخبار متعلقة بأطياف السياسة كافة في المملكة ضمن «مبدأ الحرية المسؤولة»، التـــي تحقــــق الموازنـــة بين الصالح العام للدولة الأردنية والمصلحة المهنية، موضحاً أن خبر الأحزاب المعارضة يأخذ مكاناً مناسباً له ضمن أخبار الوكالة.

لوكالة الأنباء مجلس إدارة يترأسه وزير الإعلام الأسبق، سمير مطاوع، وفي هذا يقول مديرها السابق، عمر عبندة، «لا صلاحيات لمجلس الوكالة في إدارة بترا من قريب أو بعيد أو التأثير في سير عملها، فهو هيئة تجميلية شكلية لا حول لها ولا قوة وللمدير العام تجميدها أو تحييدها».

يستند عبنده في رأيه على أن الصلاحيات الممنوحة لمجلس الوكالة سواء على الأصعدة الإدارية أو المالية أو التحريرية، لا تتفق إلا بالتنسيق مع لجنة التخطيط في الوكالة ورئيسها وهو المدير العام. ويستشهد بأنه لو غاب رئيس المجلس المدير العام يقوم بالعمل نيابة عنه، أما إذا غاب المدير العام فيقوم نائبه بالعمل نيابة عنه.

بدأت بترا عملها لدى تأسيسها بكادر وظيفي بلغ آنذاك 32 موظفاً منهم 18 صحفياً واستمرت إلى أن وصل عدد موظفيها الآن إلى 256 موظفاً منهم 150 صحفياً أعضاء في نقابة الصحفيين الأردنيين.

بعد 39 عاماً على وجود بترا لا بد من مراجعة أمينة وشاملة لمجمل لتجربة ووضع الأجوبة عن تساؤلات مطروحة أبرزها هل نحن بحاجة ماسة لوكالة أنباء تقليداً لدول شمولية استحدثت هذه الصيغة في السابق؟، كما أنه من الواجب التأشير لمدى جدية تعامل الوكالة على أنها للدولة لا للحكومة وعلى قاعدة إفساح المجال أمام الرأي والرأي الآخر ومنحه الحق في التعبير.

ورغم التغييرات الأخيرة فيها، إلا أن ذلك لم ينعكس بصورة ايجابية ملموسة وتطور ملحوظ على سياستها التحريرية وطريقة عرضها للخبر أو خروجها من عنق رحم البروتوكول لتقديم أخبار نوعية تنافس فيها وكالات عالمية كثيراً ما سبقت الوكالة في تقديم أخبار عن الأردن.

الرواشدة من “حشد” إلى الدوار الرابع فبترا : 39 عاماً و“بترا” في حضن الحكومة
 
24-Jul-2008
 
العدد 36