العدد 36 - كتاب
 

منذ سنة 2003، وقبل ذلك، ودون توقف أو انعكاس، تزايدت وتيرة التشوهات والاختلالات في تجارة الأردن الخارجية التي يظهرها الميزان التجاري في مختلف مكوناته، اذ تحققت قفزات في ارتفاع أرقام المستوردات السنوية بقيم ونسب تتجاوز كثيراً أرقام ومعدلات الزيادة في أرقام الصادرات والمعاد تصديره، ولتكون النتيجة خطاً بيانياً متصاعداً في قيمة العجز التجاري أو الفرق بين المستوردات والصادرات والى مستوى قارب 50 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، ولتكون له آثار ونتائج بالغة الخطورة على أكثر من صعيد اقتصادي واجتماعي وسياسي.

فقيمة العجز في ميزان الأردن التجاري قفزت من 1887 مليون دينار في 2003 إلى 3046، 4393، 4497، 5553 مليون دينار في السنوات 2004، وحتى 2007، على التوالي، وكنتيجة حتمية للقفزات في أرقام المستوردات من 4072 مليون في 2003 الى 9594 مليون دينار في 2007 مقابل زيادة صادرات كلية من 2185 الى 4041 مليون في الفترة نفسها.

ولم يتوقف التشوه والاختلال خلال الثلث الأول من 2008 بل بالعكس ازداد سوءاً في كل جوانب الميزان التجاري بوصول إجمالي المستوردات إلى 3854 مليون دينار مقابل صادرات كلية بلغت 1594 مليون دينار، ليقفز العجز التجاري من 1626 مليون في الأشهر الأربعة الأولى من 2007 الى 2260 مليون دينار في الفترة نفسها من هذا العام.

الزيادة في قيمة فاتورة مستوردات النفط الخام ليست هي المسببة الوحيدة لزيادة وتفاقم المستوردات، كما يروج أو كما تدعي بعض الجهات الحكومية، إذ بلغت الزيادة في مستوردات النفط في الثلث الأول من 2008 نحو 353 مليون دينار من أصل زيادة كلية في المستوردات بلغت 913 مليون دينار، فيما تحققت زيادة كبيرة في مستوردات مكونات الاستيراد الأخرى وبخاصة غير الإنتاجية مثل الزيادة العالية في مستوردات أجهزة الاتصالات الخلوية وملحقاتها.

وكما في السابق تركزت الزيادة في الصادرات في صناعة الأدوية ومنتجاتها وفي منتجات الصناعة الاستخراجية بسبب ارتفاع أسعار منتجاتها وليس بسبب زيادة كمياتها فيما بدأ العد العكسي في هبوط قيمة صادرات الألبسة وبمبلغ 40 مليون دينار خلال الثلث الأول انعكاساً لتواصل التراجع في إنتاج المناطق الصناعية المؤهلة QIZ وهو ما كان متوقعاً نظراً للولادة غير الطبيعية لها كأحد تداعيات اتفاقية وادي عربة.

وفيما تراجع حجم التجارة الخارجية الكلية مع الولايات المتحدة الأميركية، فإن صادرات الأردن الى الدول الآسيوية غير العربية تزايدت وبخاصة مع الهند التي قفزت صادرات الأردن إليها بنسبة 98 بالمئة خلال الثلث الأول من هذا العام لتصل الى 148 مليون دينار، كما تواصل الاتجاه التصاعدي في صادرات الأردن الى دول منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى وبنسبة 13 بالمئة وفي قيمة مستورداتنا منها بنسبة 49 بالمئة.

القفزات المتسارعة في أرقام العجز التجاري الأردني وصلت الى مستوى خطر، إذ لم يعد بامكان صادرات الأردن غير المنظورة ومنها: إيرادات السياحة، حوالات المغتربين، إيراد الخدمات الأردنية الخارجية تغطية هذا العجز في ميزان المدفوعات الذي بدأ بدوره بتسجيل أرقام عجز متصاعدة، والأخطر أنه انعكس بصورة أشد في الحساب الجاري لينتقل من رصيد فائض في 2003 بقيمة 882 مليون دينار الى رصيد عجز بقيمة 1968 مليون دينار في 2007.

وليس بعيداً عن الواقع القول إن تشوهات واختلالات ميزان الأردن التجاري هو انعكاس لتشوهات واختلالات في هيكلية الاقتصاد الناجمة بدورها عن مجمل السياسات الاقتصادية، والمالية والنقدية الانفتاحية والمتساوية مع نهج تحرير الاقتصاد والتجارة والنشاط، وتحجيم دور القطاع العام، والخصخصة، والتخلي عن التخطيط الاقتصادي؛ وترك المسار نتيجة حساب المصالح الضيقة لقوى الاحتكار والهيمنة.

أحمد النمري: تفاقم الاختلالات في تجارة الأردن الخارجية
 
24-Jul-2008
 
العدد 36