العدد 36 - اقليمي
 

تحسين يقين

القدس- لم يأت تهويد الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة للقدس من فراغ، بل يجيء في سياق عملية تهويد منظمة، بدأت بتحجيم نمو المدينة المقدسة، وما حولها من ضواح كانت عامرة قبل سقوط الضفة الغربية العام 1967.

لقد ازدهرت البلدة وصارت جزءاً من القدس، حتى أن المغفور له الملك الحسين قد بنى له قصراً في البلدة، لكن سقوط القدس لم يسمح بإنهائه، فاحتله الإسرائيليون مع باقي أراضي الضفة.

تلك بيت حنينا الجديدة التي تأسست كضاحية راقية من ضواحي القدس، ثم استمرت بالتمدد والتوسع الطبيعي، في حقبة الأربعينيات، والخمسينيات وازدهرت في الستينيات، وقليلاً من عقد السبعينيات، ثم ما لبث ان تباطأ نموها بسبب إجراءات الاحتلال.

كانت هذه بيت حنينا الجديدة، المدينة الصغيرة الناشئة في الضواحي، وقصتها مع إجراءات الاحتلال وهدم البيوت الذي وقع مبكراً، لقمع المقدسيين عن التمدد وتقزيم أحلامهم، في الوقت الذي نمت فيه مستوطنات كبرى مثل: راموت، وجفعات زئيف، وبسجات زئيف، والنبي يعقوب..إلى آخر القائمة التي لا تبدو ستتوقف. هذا ما استهل الحديث به علي عامر ،مدير وحدة الجدار والاستيطان في رئاسة الوزراء، حول تهويد محيط القدس، وبشكل خاص منطقة بيت حنينا، التي تركز الحديث عنها مؤخراً مع أعمال التجريف الاحتلالية لإقامة جدار الضم والتوسع.

هدم البيوت في حي الأشقرية، في بيت حنينا هذه الأيام، هو امتداد لرحلة الاحتلال في تحجيم ضواحي المدينة، في عملية متواصلة.

أوضح مثال على خطورة الجدار كأسلوب تهويد هو قرية بيت حنينا، التي تنقسم إلى قسمين. وفقاً لمحمد عبد الحافظ، منسق اللجنة الشعبية لمناهضة الجدار في البلدة، أن كلا من بيت حنينا البلد وبيت حنينا الجديدة، يكونان البلدة نفسها وتفصل مساحة 700 متر بيوت القسم الغربي عن بيوت القسم الشرقي ، فيملك أخ منزلاً في القسم الغربي (بيت حنينا البلد) ويقطن الأخ الآخر في القسم الشرقي. فصل الجدار بين الجزأين، بين العائلات نفسها، الأب عن الابن والأخ عن أخته، مع أنهم يسكنون في القرية نفسها، وصارت البلدة الواحدة بحاجة لمقبرتين بعدما تعذر دفن الأموات معا في مقبرة واحدة، لقد فرّق الجدار بين الأحياء وبين الأموات!.

أما الأرض المصادرة، فصارت بعيدة عن أصحابها وراء الأسلاك والجدران، وتنتصب الكاميرات على أبراج ترصد حركة البشر.

مؤخراً أقيمت خيمة اعتصام على أرض بيت حنينا القديمة لاستقبال وفود تمثل الفعاليات الوطنية للتضامن مع أصحاب الأراضي المهددة بالتجريف، واقتلاع الأشجار، وفقاً لجمال جمعة، مدير الحملة الشعبية لمناهضة جدار الضم والتوسع، والذي يقول إن هذا النشاط الاحتجاجي جاء رداً على إجراءات الاحتلال في القرية، وعلى هامش مناسبة قرار محكمة لاهاي الذي اعتبر جدار الضم والتوسع مخالفاً للقوانين وغير شرعي، والذي صادف في التاسع من تموز الجاري.

وقد ندد مستشار رئيس الوزراء لشؤون القدس، حاتم عبد القادر، بإجراءات الاحتلال التي تأتي في سياق مصادرة المزيد من الأراضي في البلدة بحجج واهية، حيث تمضي سلطات الاحتلال بوضع الجدار غير الشرعي على مسافة قريبة من البيوت، في حين خربت الجرافات أشجار الزيتون وحطمت أغصانها وهي تتحرك على مقربة من الجدار غير آبهة بممتلكات الأهالي، و بأشجار الزيتون العريقة في هذا المكان الذي يلاصق مدينة القدس المحتلة، لتهويد كل ما يمكن تهويده.

يتفق عبد القادر المهموم بقضية بيت الكرد في القدس المهدد بالمصادرة، والعديد من البيوت التي استلم أصحابها إنذارات بالهدم، على أن هناك ضرورة لتكاتف الجهود للوقوف أمام سياسة تهويد القدس وضواحيها، فتهويد ضواحي القدس يعقّد حل القدس الآن ومستقبلاً.

وذكرت مصادر اللجنة الوطنية لمقاومة جدار الضم والتوسع أن سلسلة الإجراءات الاحتلالية ضد القرية بدأت منذ عقود، حين بدأت بممارسة تقسيم القرية، وفصلها عن بيت حنينا الجديدة، القرية التوأم، من خلال الفصل ما بين حملة بطاقات الهوية، ما بين القدس والضفة، ثم قامت بمصادرة الأراضي لصالح المستوطنات التي تحيط بالقرية، ثم استمرت بذلك فاصلة القرية عن محيطها في القدس ثم رام الله، ثم خربت طريقها التي تربطها بالقدس وبقرى شمال غرب القدس، ومصادرة الأراضي لصالح الشارع العنصري الذي التهم الكثير من أراضي القرية، وأخيرا بقضم كل الأراضي المحيطة بالقرية وتخريب شجر الزيتون، ومحاولة اقتلاعه.

وقد ذكر محمد عبد الحافظ، منسق اللجنة الشعبية لمناهضة الجدار في بيت حنينا، أن سلطات الاحتلال تمضي في تخريبها دون حساب لأية مواثيق دولية، وهي نفسها التي تضرب يومياً بقرار محكمة لاهاي ببطلان الجدار عرض الحائط، وعرض الجدار. وتساءل عبد الحافظ: كيف تقوم قوات الاحتلال بتجريف أشجار عمرها قرون دون أن تخجل من التاريخ؟!، مضيفاً إن العالم كله والرأي العام الدولي يدرك كذب مبررات الاحتلال الأمنية، فما هو الخطر الذي تشكله قرية بيت حنينا على أمن إسرائيل؟ وطالب عبد الحافظ جميع الجهات بدعم صمود أهالي القرية وكشف المخططات التخريبية على أرض بيت حنينا المحاصرة من معظم الجهات بالمستوطنات غير الشرعية.

من جهته ذكر سعيد يقين، عضو اللجنة الوطنية لمقاومة جدار الضم والتوسع، أن شجر الزيتون شكل هوية هذا المكان، تماماً كما شكلت الآثار القديمة هنا هويته، فما زال الفلسطينيون جيلاً وراء جيل يحمون أرضهم ويتابعون زراعة الأشجار.

وأضاف يقين أن الاحتلال سينجح في تحقيق أهدافه إن لم يجد من يقاوم مخططاته، والدليل على ذلك جهود القرويين في بلعين ونعلين والمعصرة وكل المواقع التي ناضل فيها القرويون ضد الجدار، لافتاً النظر إلى مجزرة أشجار الزيتون المعمرة منذ آلاف السنين، التي زرعها الإنسان الفلسطيني الذي عمّر هذه الأرض وأبدع في تعميرها على مدار التاريخ.

تهويد ما بعد العام 1967

لكن ما الذي حدث بعد العام 1967؟

يقول رئيس مجلس قروي بيت حنينا أحمد البرش، إن سلطات الاحتلال ضمت الضواحي ومنها بيت حنينا إلى ما يسمى ببلدية القدس، ومنحت أهالي بيت حنينا الجديدة بطاقات هوية القدس، فيما منحت أهالي بيت حنينا القديمة بطاقات هوية الضفة الغربية، ولم يكترث السكان كثيراً بهذا التقسيم، رغم ملاحظتهم للفرق بين الخدمات والامتيازات والتأمينات الاجتماعية ومخصصات الأطفال وكبار السن.

في الوقت نفسه، قيّدت البناء وكان ذلك بداية الصدع والشق، الذي تعمق مع مضي الوقت، فبينما لم يشكل تقسيم الهوية مشكلة للسكان بسبب اتصال طرفي القرية، فقد أصبح الحال يصعب خصوصاً في أواخر الثمانينيات، علما أنه قبل ذلك لم يكن يسمح بشكل رسمي للحناينة الضفاويين بالمبيت في القدس أو حتى في بيت حنينا الجديدة، أسوة بمنع سكان الضفة بالمبيت في القدس، فيما كانت سلطات الاحتلال تغض النظر عن المبيت لحاجات السوق الإسرائيلية للعمال للعمل في الورش والمستوطنات والمصانع والمزارع..

ويضيف البرش: كانت الانتفاضة الأولى التي حملت معها سلوكاً اسرائيلياً جديداً يضيق الخناق على القدس، ويقمع نموها وتمددها، ويحد من تواصلها مع باقي محافظات الضفة الغربية، واستغل الاحتلال الانتفاضة لتمرير سياسته التهويدية للقدس بشكل عام، وإرساء أسس الفصل بين القدس كقلب للضفة الغربية وباقي المدن. فأقامت سلطات الاحتلال الحواجز العسكرية على أبواب القدس، في الجهات الأربع، خصوصاً جهة رام الله، فبدأت تدريجياً في العزل، أولاً بالتفتيش، ثم منع السيارات الخاصة، ثم منع السيارات العمومية، ثم منع الشباب من المرور، ثم منع الكبار..إلا بتصريح، كان يسهل الحصول عليه في البداية، حتى يشجعوا الناس على الحصول عليه والاعتراف بهذه الإجراءات، وللأسف فقد وقعنا جميعاً ضحية جهلنا، وسوء تقديرنا حين تنافسنا وتنازعنا للحصول على هذا التصريح ، ثم صار صعباً، وصعباً جداً..

كانت طريق بيت حنينا القديمة المسماة بوادي الدم، منفذا لمركبات الضفة الغربية العمومية والخاصة، ومركبات القدس التي تحمل ضفاويين، للمرور، ثم أقفلتها سلطات الاحتلال بالردم، فصرنا نتهرب منها متسللين إلى بيت حنينا الجديدة، ومن هناك إلى القدس، ثم ما لبث الاحتلال أن أقفل المنفذ تماماً خصوصاً في مرحلة شق الشارع الاحتلالي شرق بيت حنينا وشمالها، وبناء جدار الضم والتوسع، ولم يبق غير عبارة شبه مغلقة، ما لبثت أن أغلقت، وليس هذا فقط، بل لوثت بمياه الصرف الصحي، فصارت مكرهة.

ضمت قصراً للراحل الحسين: تقسيم بلدة بيت حنينا وإحاطتها بالمستوطنات
 
24-Jul-2008
 
العدد 36