العدد 36 - أردني
 

خليل الخطيب

يعود السجال الدائر حول ضرورة وجود قانون مطبوعات عصري، إلى الدور الرقابي الذي مارسته دائرة المطبوعات والنشر منذ نشأتها آذار العام 1927، ولذلك تتركز هذه المطالبات على تحديد دور هذه الدائرة، بما يكفل حرية الرأي والتعبير كما نص عليها الدستور.

انحصر دور دائرة المطبوعات بالرقابة على المطبوعات حتى سنة 1946 حيث أنشئت أول وزارة للإعلام، بحسب موقع الدائرة الإلكتروني.

وفي العام 1953 صدر أول قانون لدائرة المطبوعات والنشر، نص في أكثر من مادة من مواده على توازي عمل الدائرة مع عمل وزارة الداخلية، رغم أن الدائرة تتبع وزارة الإعلام.

جرت عدة تعديلات على هذا القانون الإشكالي في السنوات 1973 ،1993 ،1998 ،2003 و2007، وتمحورت معظم هذه التعديلات حول دور الدائرة في الرقابة على الصحف، والكتب المحلية وعلى دخول المطبوعات من الخارج.

وقد جاء التعديل قبل الأخير على قانون المطبوعات والنشر العام 2003 ليثَبت في مادتيه 31 و35 سلطة لمدير المطبوعات والنشر تخوله منع دخول أي مطبوعة من الخارج، ومنع طباعة أي كتاب محلي، وسلطة إلغاء ترخيص طباعة أي كتاب وسحبه من الأسواق.

جاء في الفقرة ب من المادة 31 من القانون المعدل رقم 24 لسنة 2003 من نصَه: "يجوز للمدير أن يمنع دخول المطبوعة للمملكة إذا تضمنت ما يخالف أحكام هذا القانون".

وجاء في الفقرة أ من المادة 35 من القانون نفسه "على كل من يرغب في طبع كتاب في المملكة أن يقدم نسختين من مخطوط هذا الكتاب إلى الدائرة قبل البدء في طبعه، وللمدير إجازة طبعه وله منع طبعه إذا تضمن الكتاب ما يخالف القانون".

وجاء في الفقرة ب: "للمدير إلغاء إجازة أي كتاب أو مخطوطة إذا خالف صاحبها شرطاً من شروط الإجازة. وعلى المدير أن يصادر جميع النسخ".

وقد جاء القانون المعدل لقانون المطبوعات والنشر لسنة 2007 ليلغي هذه السلطات ويربط صلاحيات مدير المطبوعات، في مجالات منع دخول المطبوعات بقرار مستعجل من المحكمة، مع إبقاء الحق للموزع أو الناشر في استئناف قرار المحكمة، كما يلغي صلاحياته في إجازة الكتب أو منعها، أو مصادرتها ويترك له صلاحية مقاضاة الكاتب إذا وجد أن في الكتاب ما يخالف القانون.

القانون المعدل لقانون المطبوعات والنشر لسنة 2007 جاء ليمثل "انجازا حقيقيا في هذا الاتجاه، بعد نضال وكفاح طويل" بحسب نضال منصور، مدير مركز حماية حرية الصحفيين.

لكن الرئيس السابق لاتحاد الناشرين العرب وصاحب دار الشروق للطباعة والنشر فتحي البس يرى أن "المشكلة في التطبيق وليس في القانون". ويروي البس حكايته مع كتاب تضمن مذكراته الشخصية التي لا تخلو من طرافة بحسب رأيه، ليدلل على هذه الضبابية في التطبيق. فالقانون المعدل بحسب البس، ألغى الصلاحيات الرقابية المسبقة لدائرة المطبوعات والنشر، فأصبح من حق الكاتب التوجه إلى دائرة المكتبة الوطنية لتصنيف كتابه والحصول على رقم إيداع، ثم طباعته مع حفظ حق دائرة المطبوعات في اللجوء إلى المحكمة للحصول على قرار بوقف توزيع الكتاب إذا كان فيه ما يخالف القانون.

يتابع البس " حملت كتابي المعنون (انثيال الذاكرة) وتوجهت إلى دائرة المكتبة الوطنية للحصول على رقم إيداع، حيث فوجئت بعد أيام بمساعد مدير المكتبة الوطنية يبلغني شفهيا بأن الدائرة لن تمنح كتابي رقم إيداع، وعندما طلبت ردا خطيا رفض إعطائي، كما رفض بيان أسباب قرار الدائرة، رغم أنها أصلا دائرة غير رقابية وليس من حقها حجب رقم الإيداع عن أي كتاب".

المؤلف لا يكتفي بروايته التي رفض مدير دائرة المكتبة الوطنية مأمون التلهوني التعليق عليها، بل يضيء جانبا آخر من الصورة "أذكر أن جلالة الملك الحسين صرح عام 99 بضرورة إلغاء الرقابة على المطبوعات الخارجية، ورغبته في أن تنقل صناديق المطبوعات وأقراص السي دي وأشرطة الفيديو، من المطار إلى رفوف المكتبات مباشرة." لكنه يقول بأسى "إن دائرة المطبوعات ما زالت تمارس الرقابة على الكتب القادمة من الخارج بصورة مسبقة، متجاهلة التعديل الذي طرأ على المادة 31 من قانون المطبوعات الذي يلزمها بالحصول على قرار محكمة عاجل لكي يحق لها منع مطبوعة من الدخول".

وردا على سؤال حول عدم اللجوء إلى القضاء في حالات مثل هذه يقول البس:

"الموزع الأردني يستورد عادة عددا محدودا من النسخ لصغر حجم السوق، وعندما يبلَغ بقرار الدائرة منع دخول الكتاب فإنه لا يلجأ إلى المحكمة للاعتراض لأن المسألة لا تستحق من الناحية المالية، والنتيجة حرمان القارئ الأردني من الإصدارات الجديدة، من أجل إرضاء رقيب لا يعرف ما يقرأ، ولا يستمتع بالقراءة أصلا، في يده قلم أحمر يخط به تحت أي عبارة تلامس الدين أو الجنس أو السياسة".

لكن ناشرا آخر فضل عدم ذكر اسمه نبه إلى أن "المشكلة لا تنحصر في الرقيب الجاهل فقط، وإنما في التخويف الذي يتعرض له الرقباء من جهات خارج الدائرة، فالرقيب يعمل وهو يدرك أن هناك رقيبا يراقبه".

ويضيء الناشر الذي أمضى أكثر من عشرين عاما في هذا المجال، زاوية جديدة من زوايا الموضوع: "الجانب الأهم من المشكلة يتمثل في أن الكتب الممنوعة بموجب القوانين السابقة بقيت على القائمة السوداء، رغم أن القانون الجديد يلغي قرارات المنع الصادرة بحقها حكما لأن القانون الجديد يلغي القوانين القديمة". ويتابع "أنا أعرف أن هناك قائمة تضم مئات، وربما آلاف العناوين، وضعت في الفترات السابقة على القائمة السوداء، وستبقى كذلك إلى يوم الدين ما لم يطبق القانون، وهذه القائمة لا يطلع عليها إلا المدير وبعض مساعديه".

مدير المطبوعات والنشر نبيل المومني ينفي وجود هذه القائمة ويؤكد أن "القانون المعدل لقانون المطبوعات والنشر واضح، وهو يلغي الرقابة المسبقة على الكتب، والدليل على ذلك أنه رغم وجود قضايا قد يصل عددها إلى 300 قضية تنظرها المحاكم في مجال المطبوعات والنشر، لا توجد قضية واحدة رفعتها الدائرة وإنما رفعها مواطنون متضررون".

ويلفت المومني إلى أن "بعض الصحف تحاول أن تظهر دائرة المطبوعات والنشر وكأنها جهاز رقابي يصادر أفكار الناس، وهذا تصرف غير مسؤول ويسيء للبلد، وعلى هؤلاء أن يدركوا أنهم أحرار في ظل المسؤولية القانونية عما ينشرون".

ويشدد "نحن نعمل وفق القانون والثوابت الوطنية الأردنية التي توافق عليها الأردنيون".

يجادل الناشر "أستطيع أن أذكر عشرات من الكتب التي منعت وما زالت ممنوعة، والأدهى من ذلك أنه إذا سلمنا بالدور الرقابي لدائرة المطبوعات والنشر، واعتبرنا أن بعض الرقباء جهلة، وإذا تقبلنا كل ذلك، فكيف نتقبل أن تضع جامعاتنا كتب مؤلفين أردنيين وعرباً في الغرف المنيعة وتمنع الطلاب من الاطلاع عليها إلا بإذن من العميد".

ويتساءل مستنكرا "هل تصدق أن معظم كتب سليمان الموسى مؤرخ الدولة الأردنية موجودة في الغرفة المنيعة في مكتبة الجامعة الأردنية؟"

ويخلص الناشر إلى أنه "ليس من المستغرب في بلد تمنع جامعاته- مراكز التنوير فيه- طلبتها من قراءة كتب سليمان الموسى، أن تمنع أجهزة الرقابة فيه كتب موفق محادين، رشاد أبو شاور، علي محافظة، ضافي الجمعاني، بهجت أبو غربية، نذير رشيد، إبراهيم نصر الله، حزامة حبايب، وناهض حتر وغيرهم". الشاعر والروائي إبراهيم نصر الله منعت أعماله الكاملة من الدخول إلى الأردن، ابتداء، بحجة أنها "تزعزع الأمن الوطني"، لكن الدائرة مالبثت أن تراجعت تحت ضغط الحملة الإعلامية التضامنية ضد قرار المنع أردنيا، وعربيا، ودوليا، حسبما صرح نصر الله لـ«ے». "عندما أكتب فإنني لا أفكر في الرقيب أو شبه الرقيب الذي سيقرأ أعمالي، ولذلك فإنني أطبع أعمالي في الخارج وإذا قرر الرقيب عدم السماح بدخولها فهذا شأنه، إلا أنني لن أتنازل عن حقي في التعبير".

الروائية الأردنية حزامة حبايب، تتندر بقصتها مع دائرة المطبوعات والنشر التي ترى فيها دليلا صارخا على التطبيق المزاجي للقانون: "بعد شهر من المماطلة، وكان ذلك في كانون الأول 2006، حصلنا على تصريح بدخول روايتي- أصل الهوى- الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، وبعد نزولها إلى الأسواق بيومين تم منع الرواية بحجة أنها تحتوي على عبارات إباحية، وكلمة إباحية مطاطة وتعود إلى التقدير الشخصي".

وتمضي حبايب " بعد شهرين أو ثلاثة فوجئت بمجلة فصلية بريطانية تعنى بشؤون الرقابة على الكتب في العالم تنشر موضوعا عن روايتي وتبرز فيه وثيقة تحمل الخطوط التي وضعها الرقيب في دائرة المطبوعات والنشر على جملة في روايتي كانت سبب منعها بحجة الإساءة إلى رمز وطني". العبارة التي وضع تحتها الرقيب خطا أحمر، كانت تصف إحدى البنايات التابعة لأحد الأجهزة الأمنية الأردنية .

وتحذرجبايب "لا اعتراض منا ككتاب على ذلك، ولكن ماذا لو تحول هذا الحق إلى ذريعة لمطاردة الكتَاب من قبل بعض الأجهزة أو التنظيمات المتطرفة كما حصل في مصر؟"

مدير مركز حماية الصحفيين نضال منصور يرى وجاهة في تحذير حبايب ويضيف "لكي نستفيد من الفرص الهائلة في مجال حرية التعبير التي يفتحها القانون الجديد أمام الكتاب، فلا بد من وجود بيئة اجتماعية تؤمن بحرية التعبير، وتنفتح على الرأي الآخر وهو، للأسف، غير متحقق الآن، وبالتالي فإن هذا يضع علينا كإعلاميين ومثقفين وكتَاب مسؤولية توعية الناس، لكي نصل معا إلى تلك البيئة المنفتحة".

لم يمض على تطبيق القانون المعدل لقانون المطبوعات والنشر لسنة 2007 إلا سنة وأقل من شهرين حتى تكشفت بعض المناطق الضبابية، التي تحتاج إلى إيضاح وتفسير يكفل لهذا القانون الوقوف على قدميه، ويحميه من الوقوع في فخاخ المزاجية والاسترضاء،أو سوء الاستخدام في التطبيق، الأمر الذي يتطلب حوارا جادا تتبناه مؤسسات المجتمع المدني وتعمل على إنجاحه مؤسسات الدولة المعنية .

قانون المطبوعات والنشر: حرية تعبير يتجاهلها مسؤولون
 
24-Jul-2008
 
العدد 36