العدد 36 - أردني
 

محمود الزواوي

ما زالت السينما الأردنية في بداياتها رغم محاولات متواضعة سابقة تعود لنصف قرن مضى . السنوات الأخيرة شهدت جملة من تطورات مشجعة طال انتظارها، والتي بدأت تسهم في إرساء الأسس الضرورية، لنشوء سينما أردنية واعدة في المستقبل.

من أهم هذه التطورات انطلاق الهيئة الملكية للأفلام في العام 2003 ككيان رسمي، يتولى تقديم مساعدات إدارية تنظيمية للمبادرات السينمائية، وتنظيم الورشات التدريبية للراغبين في تعلم فروع الفن السينمائي، مثل كتابة السيناريو والمونتاج والرسوم المتحركة، ودعم تعميم عروض أفلام الشبان، وتقديم الخدمات اللوجستية للمنتجين السينمائيين الأجانب الراغبين بتصوير أفلامهم في الأردن.

من هذه التطورات أيضا عرض أفلام أردنية جديدة على الساحة العالمية في مهرجانات سينمائية عالمية مرموقة، وإثبات وجودها وفوزها بجوائز، كالفيلم الروائي "كابتن أبو رائد" للمخرج أمين مطالقة والفيلم التسجيلي "إعادة خلق" للمخرج محمود المساد. هذان الفيلمان يعكسان العديد من المواهب المحلية المبدعة، التي تبحث عن فرص الانطلاق.

لكن لا بد بعد هذه النظرة الموجزة المتفائلة أن نكون واضحين وواقعيين، وأن ندرك أن الطريق لإقامة صناعة سينمائية في الأردن سيكون طويلا وصعبا، ويحتاج إلى أكثر من توفر المواهب المبدعة. فالسينما صناعة وفن وفكر، وهي تجمع بين الإبداع والفن والترفيه والصناعة.

إذا استعرضنا الصناعات السينمائية العريقة في العالم، كصناعة السينما الأميركية، وصناعات السينما الأوروبية العديدة سابقا، كالإيطالية والفرنسية والألمانية والبريطانية والسويدية والإسبانية والروسية، وكذلك اليابانية، نجد أنها جميعا مرت بمراحل تطور متشابهة، مع بعض الاختلافات، جمعت بين الإبداع والفن والترفيه والتجارة. كما أنها تشترك جميعا، خاصة في بداياتها، في اعتمادها على المبدعين الفرديين الذين أثبتوا أنفسهم في أعمال سينمائية فردية بسيطة في سن مبكرة، ثم تطورت أعمالهم السينمائية مع مضي الزمن ففرضوا أنفسهم على الساحة السينمائية في بلدانهم، قبل أن تتبناهم المصالح السينمائية التجارية، كالأستوديوهات السينمائية في حالة هوليوود وبريطانيا، أو غيرها من الجهات كالمنتجين السينمائيين أو الدولة.

مر أعظم مخرجي السينما في العالم في هذه المراحل، ومن أشهر الأمثلة على ذلك المخرجون الأميركيون ديفيد وارك جريفيث الملقب بأب السينما الأميركية، وجون فورد وستانلي كوبريك وأورسون ويلز ومارتن سكورسيزي وستيفين سبيلبيرج .والإيطاليون فيتوريو ديسيكا وروبرتو روسيليني وفيديركو فيلليني والبريطانيان ديفيد لين وكارول ريد. والفرنسيان جان رينوار وفرانسوا تروفو، والألمانيان إرنست لوبتش وفريتز لانغ ، والسويدي إنغمار بيرغمان ،والإسباني لويس بونويل، والروسي سيرجي أيزنشتاين، والياباني أكيرا كوروساوا. عزز بعض هؤلاء المخرجين تطورهم السينمائي في دراساتهم الأكاديمية، لكن ذلك لم يكن شرطا من شروط التطور الإبداعي بالنسبة لمعظمهم، خاصة القدامي منهم.

يمثل المخرجان الإيطاليان فيتوريو ديسيكا وروبرتو روسيليني وغيرهما من رواد السينما الإيطالية الواقعية الجديدة في أربعينيات القرن الماضي، نمطاً فريداً في الإبداع السينمائي الفردي ،الذي أصبح نموذجا يحتذى لغيرهم من المبدعين السينمائيين الفرديين في الدول الأخرى، فقد نفض هؤلاء المخرجون الرماد عن أنقاض الحرب، وباشروا بما لديهم من موارد شحيحة وأدوات سينمائية بسيطة في إخراج أفلام تميزت بالصدق ونفاذ البصيرة والتحكم الفني للمخرجين بعيدا عن سيطرة المنتجين. حمل هؤلاء المخرجون كاميراتهم البسيطة إلى شوارع روما بعد الحرب العالمية الثانية، وصوروا مشاهد أفلامهم الواقعية المتميزة على الطبيعة بعيدا عن أضواء وديكورات الأستوديوهات، بحكم الحاجة وندرة الموارد، وقدّموا سلسلة من الأفلام المتميزة، كفيلم "روما مدينة مفتوحة" (1945) للمخرج روبرتو روسيليني وفيلم "سارق الدراجة" (1947) للمخرج فيتوريو ديسيكا. الأخير أنتج بميزانية متواضعة واحتفظ بلقب أعظم فيلم في تاريخ السينما على مدى سنين عديدة حسب تقييم نقاد السينما في العالم، وذلك قبل أن يغير أولئك النقاد تقييمهم في وقت لاحق ويضعوا فيلم "المواطن كين" (1941) للمخرج الأميركي أورسون ويلز في المركز الأول.

وتقدّم أفلام "روما مدينة مفتوحة" و"سارق الدراجة" و"المواطن كين" أمثلة جيدة على سينما "المؤلف" التي يعتبر مخرجها "المؤلف" الفعلي أو القوة الدافعة الخلاقة الرئيسة للفيلم السينمائي.

وقد تكررت هذه الظاهرة في أفلام الموجة الجديدة في فرنسا في أواخر خمسينيات القرن الماضي، وفي الأفلام الاجتماعية الواقعية في بريطانيا في خمسينيات القرن الماضي، وفي الروائع السينمائية للمخرج إنجمار بيرجمان في السويد.

وهناك أمثلة كثيرة على إنجازات فردية مبدعة مماثلة، حققها سينمائيون مبدعون في دول العالم الثالث، ومنهم – على سبيل المثال لا الحصر – المخرج السنغالي عثمان صمبين الذي يوصف بأنه مؤسس السينما الإفريقية، منذ أن أخرج في ستينيات القرن الماضي أول فيلم سنغالي هو "زنجية من ..."، اعتمادا على موهبته ومدفوعا بهاجس إبداعي لا يمكن مقاومته. ولم يكن نجاح هذا الفيلم عالميا بحاجة لصناعة سينمائية غير مقدور عليها.

ويمثل المخرجان الإيرانيان مثل عباس كياروستامي مخرج فيلم "أين منزل صديقي؟" (1987) ومحسن مخملباف مخرج فيلم "سائق الدراجة" (1989) أمثلة أخرى على الإبداع السينمائي الفردي، الذي لا يحتاج إلى دعم من صناعة سينمائية.

تؤكد هذه الإشارات لأفلام من السينما العالمية، أنتجت بإمكانيات شحيحة وبتقنيات بسيطة على أهمية الإبداع الفردي في السينما.

وتعود بوادر هذا الإبداع في السينما الأردنية إلى أكثر من نصف قرن في فيلم "صراع في جرش" (1957) للمخرج واصف الشيخ، وفي أفلام لاحقة أخرى جاءت ثمرة جهود فردية مثل "وطني حبيبي" (1962) للمخرج عبدالله كعوش، و"الأفعى" (1971) للمخرج جلال طعمة، و"حكاية شرقية" (1991) للمخرج نجدة اسماعيل أنزور، وغيرها من أفلام طويلة وقصيرة.

هذه الأفلام رغم أهميتها كأفلام رائدة، ورغم مكانتها التاريخية في المسيرة السينمائية الأردنية، بحاجة إلى متابعة من الأجيال الجديدة للسينمائيين المبدعين الأردنيين الذين يحتاجون إلى دعم وتشجيع القطاعين العام والخاص، ولكن الأهم من ذلك هو أن عليهم إثبات أنفسهم وأن يحتلوا مكانتهم المميزة على الخريطة السينمائية بأعمال سينمائية فردية متميزة.

علاوة على أهمية السعي لانتاج مشترك مع أطراف خارجية سواء كانوا منتجين أفراداً أم هيئات أم مؤسسات حكومية ، والعمل على حضور ممثلين سينمائيين في اعمال سينمائية عربية أو اجنبية كما هو الحال مع مشاركة ممثلين أردنيين في مسلسلات تلفزيونية . والهدف هو مراكمة تجارب وخبرات ، والإفادة من الفرص ، وتحقيق حضور لطاقات فنية أردنية ، بما يمكن بعدئذ من تأسيس قاعدة انتاجية متكاملة الأركان للعمل السينمائي في الأردن.

السينما الأردنية.. طريق نافذ رغم صعوبته
 
24-Jul-2008
 
العدد 36