العدد 36 - أردني | ||||||||||||||
نهاد الجريري المكتبة الوطنية ليست أي مكتبة، إذ إنها مخصصة لجمع النتاج الوطني في بلد ما لتكون بذلك حافظة لذاكرة ذلك البلد. وتعد مكتبة الكونغرس الأميركي في واشنطن التي أنشئت العام 1800 نموذجاً مثالياً للمكتبة الوطنية لبلد ما، فهي تضم أكثر من 32 مليون من الكتب والمصنفات المطبوعة المكتوبة بأكثر من 470 لغة، بالإضافة إلى نحو 61 مليون مخطوطة بما فيها أكبر مجموعة من المخطوطات النادرة في أميركا الشمالية، مثل وثيقة الاستقلال الأميركية، عدا عن ملايين المقاطع الصوتية والأفلام والخرائط ومجلدات الصحف، حتى باتت الذراع البحثية للكونغرس الأميركي بميزانية تناهز 600 مليون دولار. هنا في الأردن، ما تزال المكتبة الوطنية في "طور التأسيس"، بالرغم من مرور ثلاثة عقود على تأسيس مديرية المكتبات والوثائق الوطنية العام 1977، إذ نص نظامها على أن من مهامها إنشاء مكتبة وطنية. إلا أن الولادة الحقيقية للمكتبة الوطنية كانت العام 1994، عندما صدر أول نظام لدائرة المكتبة الوطنية بحيث تكون دائرة مستقلة إدارياً ومالياً. طوال تلك الفترة كان أداء «المكتبة الوطنية» متعثراً لعدم إدراك المسؤول الأردني أهمية هذه المكتبة على ما يبدو. هاني العمد، أستاذ اللغة العربية في الجامعة الأردنية، والذي عمل مديراً لمديرية الثقافة والفنون، يتذكر كيف أن أول مدير لدائرة المكتبة الوطنية (وهو محمد شركس)، عمل على إتلاف وحرق كثير من الوثائق المهمة التي تؤرخ لمرحلة هامة من تاريخ الأردن. العمد يذكر تحديداً وثائق المحاكم الشرعية إبان الحكم العثماني التي توثق للمعاملات المدنية من زواج وطلاق بالإضافة إلى تسجيل الأراضي. إلى ذلك، فإن الحكومات الأردنية المتعاقبة، لم تصرف لدائرة المكتبة الوطنية ما يكفي من ميزانية لشراء كتب جديدة، وهكذا ظلت المكتبة تعتمد في موجوداتها على الكتب التي ورثتها مديرية المكتبات والوثائق من مديرية الثقافة والفنون أواخر السبعينيات، بالإضافة إلى ما كان يجود به المؤلفون من هنا وهناك. فبقيت المكتبة «عايشة على الندى» بحسب تعبير العمد، الذي يعتبر أن أول بادرة للتحول الإيجابي في عمل المكتبة لتضطلع بدورها الحقيقي حافظة للنتاج الوطني، كان بإصدار قانون حماية حق المؤلف العام 1992، والذي ألزم المؤلفين بتسجيل وإيداع نتاجهم لدى دائرة المكتبة الوطنية، بهدف حفظه وحماية حقهم في التأليف، بعد أن كانت وزارة التربية والتعليم هي المنوطة بهذه المهمة وذلك بموجب قانون حق التأليف العثماني لعام 1910. وفي جانب آخر يتعلق بتمويل عمليات المكتبة التي لا تتجاوز ميزانيتها لهذا العام مليون وربع المليون دينار، يذكر مسؤول في وزارة الثقافة فضل عدم ذكر اسمه كيف أن الحكومة الصينية قدمت في الثمانينيات قرضا بقيمة 20 مليون دينار لإنشاء مكتبة وطنية. إلا أن «البيروقراطية الحكومية» عطلت استغلال هذا القرض من قبل وزارة الثقافة ليستغل في إنشاء مدينة رياضية في الكرك. كل هذا ساهم في «تقزيم» دور المكتبة الوطنية، التي ما تزال متأخرة عن مكتبات أخرى في المملكة من حيث الموجودات والخدمات التي تقدمها. فهي، بموجوداتها الحالية التي لا تتجاوز 100 ألف كتاب و نصف مليون وثيقة، ما تزال أصغر بكثير من مكتبة الجامعة الأردنية التي تضم مليون كتاب. بالرغم من هذا يبلغ عدد موظفيها حوالي 80 موظفاً، أما موظفو مكتبة الجامعة الأردنية فلا يتجاوزون التسعين. لكن مأمون التلهوني، مدير عام دائرة المكتبة الوطنية، يعتبر أن هذا المشروع على موعد مع التطوير والتحديث مع الانتقال إلى مبنى جديد خلال الشهرين المقبلين قرب المركز الثقافي الملكي بدلا من المبنى الحالي في الدوار الثالث. وهو مشروع بدأ العام 2003 ولم يستكمل إلا هذا العام، مرة أخرى بسبب ضعف المخصصات المالية التي تتفاوت عاما عن عام. التلهوني يُقر ضمنا بأن عملية التطوير هذه تأخرت، لكنه يقول «أن نبدأ خير من ألا نبدأ أبدا». ويشرح أن هذه «النقلة» ليست جغرافية وحسب وإنما هي «نوعية على مستوى إنتاج الدائرة، ونوعية الموظفين وعددهم، لتأخذ مكانها على خارطة الدوائر المهمة في البلد. «الموقع الجديد سيتيح ظروف عمل أفضل، إذ يتألف من 9 طوابق بمساحة 13600 م2؛ منها 3 طوابق تحت الأرض تشمل كراجات تتسع لـ100 سيارة دفعة واحدة. أما الطوابق العليا فقادرة على استقبال 100 باحث في وقت واحد، وتشمل قاعات مطالعة جيدة التهوية والإضاءة، وقاعات معارض وتوقيع إصدارات، ومكتبة للطفل وغيرها من النشاطات المكتبية. باسم الزعبي، مساعد الأمين العام للشؤون الثقافية والفنية في وزارة الثقافة، يتفق مع التلهوني في هذا الأمر، ويضيف أن الخطوة التالية على الطريق لتفعيل المكتبة الوطنية سيكون بإصدار تشريعات تلزم مؤسسات الدولة بعدم إتلاف أرشيفها من وثائق ومراسلات دون الرجوع إلى المكتبة. ويقول: «هذه وثائق تمثل تاريخا وليس مُلكاً شخصياً». |
|
|||||||||||||