العدد 36 - أردني | ||||||||||||||
تهادي الجريري ما أن تدق الساعة العاشرة ليلاً حتى يجمع أبو منذر، "مدمن" الأخبار، حاجياته؛ علبة السجاير وفنجان القهوة، ويذهب إلى جاره ليكمل الاستماع إلى نشرة الأخبار هناك، أو ينزوي في غرفته حتى يغالبه النعاس. السبب في هذه "الهجرة اليومية المؤقتة" هي رغبة بقية أفراد عائلته، صغاراً وكباراً، بمشاهدة المسلسل التركي "نور"، وهي رغبة لا يشاركهم إياها، فهو يعتبره مسلسلا لا قيمة له. المسلسل التركي الذي دبلج بلهجة شامية، بات يطغى على أحاديث الليل والنهار في كل مجلس تقريبا، بغض النظر عما إذا كان المتحدثون مؤيدين أو معارضين، وهو ما أثار رغبة لدى بعض الكتاب والصحفيين ورسامي الكاريكاتير ،لتناول المسلسل ضمن إسقاطات اجتماعية مبالغ فيها أحيانا وقاسية أحيانا أخرى. سهاد، مدرسة اللغة الإنجليزية، تقول إن حجم "الضجيج" الذي يرافق المسلسل غير مبرر. وتضيف "اعتاد مشاهدو التلفزيون على التحلق حول برنامج أو مسلسل يجدون فيه شيئا مختلفا." وتذكر سهاد كيف كانت العائلة، تتجمهر عند عرض المسلسل المكسيكي المدبلج "كساندرا" أو مسلسل السيارة العجيبة "Knight Rider" . هند التي تعمل في إحدى محطات الإذاعة المحلية تقول إنها "تضطر" لمشاهدة المسلسل لأن شقيقتها الصغرى صماء، وكثيرا ما تحتاج إليها لتترجم لها ما يقوله الشخوص. وتضيف أنها في نهاية الأمر لم تستطع "تحمل" المزيد فأخبرت شقيقتها بأنه "لا حاجة للترجمة، فنصف المسلسل ‘تطليعات وصفنات‘!" وتلفت هند إلى أن "كثيرا من المشاهدين يدركون عقلياً أن المسلسل تافه ‘". بالفعل، ففي أكبر المنتديات الراعية لمسلسل نور منتدى) ناس (mbc - (nas.mbc.net)، يورد بعض المشاركين "أخطاء" وردت في المسلسل. يؤكد أحدهم أن بعض المشاهد تثير ضحكه لشدة ضحالتها وعدم منطقيتها كما في حلقة اختطاف نور، فهي "لم تكلف نفسها إغلاق أبواب السيارة من الداخل لتهرب. لم تقم بأي محاولة! مع ذلك يستمر المشاهدون في متابعة المسلسل «نحن نتغابى عشان نعرف نتفرّج.» يقول أحد المشاركين في المنتدى. موسى عمّار، أحد الرواد في مجال دبلجة المسلسلات يعتبر أن المسلسل من حيث الجانب الفني والحبكة الدرامية، أقل مستوى من غيره. عمّار يرجع السبب في «شعبية» المسلسل إلى فراغ تشهده الساحة الفنية منذ عامين ، وإلى أنه جاء بلهجة سورية «ترسخت في الأذهان من خلال الدراما السورية»؛ يُضاف إلى ذلك أنه يُعرض على شاشة مشاهدة مثل mbc. عدنان مدانات، الناقد السينمائي، يذهب إلى أبعد من ذلك. وبلغة ناقدة تمثل وجهة نظر نخبوية، يصف مدانات مشاهدي المسلسل بأنهم «متوسطو الغباء أو الذكاء». مدانات يعتبر أن هذا الجمهور ليس نفسه الجمهور الذي تابع وبشغف مسلسل «التغريبة الفلسطينية» قبل ثلاثة أعوام تقريبا. وبحسبه فإن المشاهد العربي «لا يشاهد بوعيه وإنما بعاطفة رخيصة وسهلة.» يستذكر وصف المسرحي الألماني برتولت بريخت للدراما «الرخيصة» بأنها «مثل سيدة ثرية تحضر مسرحية فيها سيدة ثرية تضطهد خادمتها، فتتعاطف السيدة مع الخادمة، لكنها تعود إلى منزلها لتواصل هي اضطهادها لخادمتها على أرض الواقع.» الطبيب النفسي محمد الحباشنة يقدم وجهة نظر مغايرة تماما لوجهة نظر مدانات «هذا التعميم ‘حرام‘ فمشاهدة المسلسل ليست فحص ذكاء». ويشرح: «صحيح أن الإصرار على مشاهدة المسلسل وجعله جزءا من الحياة اليومية، يشكل ضعفاً في مصادر أخرى حياتيه وثقافية أكثر عمقاً، لكن مشاهدته ليست فحصا للذكاء.» ويعتبر الحباشنة أن من أهم عوامل الجذب للمسلسل شعور غالبية متابعيه بنوع من «الحنين للرومانسية». ويقول «لقد تكسرت الرومانسية مع تغيرات الحياة وتعقيداتها ،بحيث لم تعد هناك ثمة مساحة لجلب وردة للحبيبة أو الزوجة، أو الدخول في حوار عذب مع شخص تحبه.» ويزيد أن هذا المسلسل يمثل صورة تقليدية قديمة «غير عملية» تقوم على المثالية، حيث «الأبيض مقابل الأسود»، وهي صورة «جاءت لتعيد الناس إلى مرحلة من البساطة والسهولة، مرحلة العواطف التي لم تفسدها تطورات الحياة.» ربما فسّر هذا بعضاً من «تهافت» السيدات تحديداً على مشاهدة نور. تقول أم شذى إن «أكثر ما يشدها في المسلسل هو كيف يقوم مهند بمصالحة نور.» أم شذى لا تنكر أهمية وسامة «مهند (كيفانش تاتليتوغ)»، لكنها تعتبر أن أبو شذى أشد وسامة!. أم مراد هي الأخرى تقول إنها تشاهد المسلسل ليس حبا في «مهند» وإنما لتعاطفها مع نور لأنها «منكسرة، فمنذ البداية وهي تتحمل قسوة مهند تجاهها.» وتضيف «تؤثر فيّ هذه المشاهد لأني أشعر أنها تتحدث عن كثير من السيدات، اللواتي يحاولن قدر الإمكان إرضاء أزواجهن بكل ما أوتين.» «نور» ليس المسلسل التركي الأول الذي تتم دبلجته إلى العربية، فقد عُرض قبله مسلسل «إكليل الورد» على الفضائية الليبية، ثم «سنوات الضياع» الذي ما زال يُعرض على mbc. إلا أن «نور» كان المسلسل الوحيد بينها الذي حاز على هذه الشعبية لذا قررت إدارة تلفزيون mbc نقل عرضه من فترة العصر على mbc1 إلى فترة الذروة المسائية على mbc4. لا شك أن نقل المسلسل إلى فترة الذروة، يضاف إليها طول فترة العرض، إذ يمتد المسلسل إلى 165 حلقة، أسهم بقوة في مشاهدة أكبر عدد ممكن من الناس له. ارتفاع نسبة المشاهدة شكل مادة لكثير من وسائل الإعلام، التي تناقلت أخباراً عن رجال يطلقون زوجاتهم لأنهن يرغبن في رجل مثل «مهند». وهي أخبار اختلطت فيها الحقيقة بالمبالغة. مدانات يعتبر أن تناقل مثل هذه الأخبار أمر «زائف». ويقول «هذه ليست أخبار تتناقلها وكالات الأنباء، فهي لا معنى لها.» المسلسل كان أيضا مادة لرسامي الكاريكاتير مثل عماد حجاج الذي نشر في يومية الغد في 10/7/2008 رسما يصور امرأة عربية تتهافت على «مهند» الذي يقول عنها «بنت عرب سيس، لا تساوي التركيات.» الكاريكاتير أثار موجة غاضبة ليس فقط من جانب الناشطات في مجال حقوق المرأة بالمملكة، ولكن من بعض المشاركات في التعليق على الرسم في صحيفة الغد. إحدى المشاركات قالت: «احنا مش فارغات. وبعدين ما فيها إشي أنه تكون المرأة معجبة بمسلسل و بتحب تتابعه، مثل ما الرجل بتابع بشدة المباريات! وحتى الرجال متابعين لمسلسل نور و بحبو يتفرجو على الممثلات اللي فيه! عن جدّ حجاج ما توقعت منك هيك كلام.» المفارقة في مسلسل «نور» أنه يُعد من الأعمال الفنية «المتوسطة» فنيا في تركيا. محمد عادل مدير مركز العدل للدراسات في العاصمة التركية أنقرة يقول لـ«ے»: «أبطال المسلسل الذين يعتبرون نجوماً في العالم العربي، لا ينتمون للصف الأول من النجوم في تركيا، بل هم مغمورون؛ ربما من الصف الثاني». ويضيف عادل أن المسلسل غير معروف في تركيا، حتى أنه هو لم يشاهده قط بالرغم من عرضه في قنوات « تركيةعلمانية محترمة». إلا أن ردة الفعل في العالم العربي حملت بعض وسائل الإعلام التركية على التذكير بالمسلسل، الأمر الذي يعتبره عادل حافزاً أمام منتجين أتراك لاقتحام الساحة العربية بإنتاج دراما بهدف نقلها للعربية ،تكون أكثر مراعاة للمناخ الاجتماعي العربي. |
|
|||||||||||||