العدد 36 - أردني
 

حسين أبورمّان

تحريك مشروع حزب التيار الوطني بعد ركود، سوف يضخ جرعة من النشاط في الحياة السياسية خلال ما تبقى من فصل الصيف، قبل أن تتبلور، بدرجة ما من الوضوح، المعالم الفعلية لهذا المشروع. فكما أعلن زعيم هذا التيار عبد الهادي المجالي في اللقاء التحضيري يوم السبت الماضي (19/7) بمدينة الحسين للشباب، هناك مؤتمران لهذا التيار على الطريق: الأول في مطلع الأسبوع الأخير من آب المقبل، يليه مؤتمر ثان بعد شهر.

هذا التيار لم يتوقف عن الإتيان بمفاجآت قياساً بالمألوف السياسي، وآخرها مواصلة إعطاء الأولوية للعملية التنظيمية بحشد المؤيدين، وتأجيل إعداد وثائق الحزب السياسية إلى وقت لاحق.

المجالي أعلن في اللقاء ، أنه لن يترشح لرئاسة التيار أو أي منصب فيه. لكن ذلك لن يغير من حقيقة أنه «الأب الروحي» لهذا المشروع. وأن كريزما الرجل بما تشتمل عليه من نفوذ وإمكانيات وخبرة، هي وحدها التي ترشحه للذهاب في هذه التجربة إلى المدى الذي يراه مناسباً، وهو محاط بجمهور عريض من نواب ونخب قيادية.

بدايات طرح فكرة التيار تعود إلى مطلع العام الماضي، عام انتخاب مجلس النواب الخامس عشر. ورغم أنه كان يوجد متسع من الوقت أمام التيار لتشكيل حزب وخوض الانتخابات تحت يافطته، إلا أنه لم يفعل لأن فكرة إشهار هذا الحزب اقترنت آنذاك في ذهن أصحابها بتأجيل الانتخابات.

لكن الانتخابات لم تؤجل، إذ جرت في موعدها المعتاد في شهر تشرين الثاني/نوفمبر، لذا تم العمل على خط بديل، هو التحشيد الانتخابي المسبق بما يخدم ولادة كتلة نيابية أغلبية، ما يفسر نجاح المجالي في إعلان كتلة التيار الوطني النيابية من 60 نائباً ونائبة بسرعة قياسية.

بهذا دفعت انتخابات 2007، المجالي إلى نتيجة مغايرة لتجربته السابقة بتشكيل الحزب الوطني الدستوري على مشارف انتخابات 1997. لكنه انتهى هذا المرة إلى خطوة غير مفهومة، بمغادرة الحزب الذي كان ما زال رئيساً له.

هذا يفسر الهجوم الذي شنّه الأمين العام الحالي للحزب الوطني الدستوري أحمد الشناق على تصريحات المجالي في بيان صدر يوم الأحد الماضي (20/7).

الشناق أوضح لـ «ے» أنه يختلف مع المجالي الذي يستخدم كتلته النيابية لبناء حزب سياسي، فالأصل، حسب الشناق، «أن الحزب يطرح برنامجاً سياسياً لاستقطاب الناس على أساسه، لهذا فإن وصول حزبيين لمجلس النواب، يعني أن برنامج حزبهم قد حصل على شرعية شعبية. أما تجميع نواب فازوا بثقل عشائرهم، فهذا لا يمت بصلة للعمل الحزبي».

الشناق يرى في لغة المجالي عن إنشاء حزب يمثل التيار الوطني في الأردن، نوعاً من الاحتكار لفكرة الوطنية الأردنية، والذي «يقوم على مبدأ التبعية والإقطاعية السياسية على حساب فكر الحزب وبرنامجه».

الأمين الأول لحزب الشعب الديمقراطي الأردني (حشد)، أحمد يوسف، يبدي من جهته استغرابه من أن التيار الوطني لم يطرح حتى الآن لا وثيقة برنامجية ولا توجهاً سياسياً. ويقول «تابعنا سابقاً اللقاءات التي كان رموز التيار يعقدونها، إذ كنا نحضرها، ونسأل عن توجههم السياسي، لكن الجواب كان دائماً أنهم سيطرحون برنامجهم عندما يكتمل المشروع».

ينفي يوسف « أن تتشكل الأحزاب بهذه الطريقة. كان بإمكان هذا التيار لو واصل نشاطه الذي بدأه قبل الانتخابات النيابية، أن يكون جاهزاً لتشكيل هيئته التأسيسية ودعوتها للانعقاد».

يتساءل يوسف عن مغزى أن تكون الإجراءات الأكثر أهمية لبناء هذا الحزب، قد بدأت بخطوة فوقية، من خلال تشكيل كتلة نيابية أغلبية لا يمكن لغير المصالح الذاتية أن يكون أساس تجمعها. مذكراً أن «التجربة السابقة العام 1997 لبناء حزب على شاكلة الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم في مصر انتهت إلى لا شيء. وهذه التجربة الجديدة مرشحة أن تنتهي إلى النتيجة نفسها ،إذا لم يكن هناك توافق واسع من دوائر الحكم على الذهاب في هذا الاتجاه».

يشير الأمين العام لحزب الرسالة حازم قشوع، إلى أنه كان يعتقد أن الحراك الذي قاده المجالي «سيبقى في إطار المؤسسة البرلمانية، هادفاً إلى بناء قواسم مشتركة لأغلبية نيابية لإنجاح مهامها في التشريع والرقابة».

ويقول قشوع إن اللغة السائدة في الحديث عن هذا الحراك ما زالت تتمسك بالحديث عن تيار وطني، وهناك مسافة بكل تأكيد بين أن تبقى الأمور عند هذا الحد وبين أن تتجه فعلاً للإعلان عن حزب سياسي. «فإذا ما انتهى المسار بالتجربة إلى حزب، فنحن نتمنى له النجاح لأن هذا يشد من عضد الأحزاب مجتمعة. الحزب الجديد في هذه الحالة سيعبر عن منظومة فكرية في الإطار المحافظ، وسيكون له منطلقاته مثلما لنا نحن كحزب ليبرالي ديمقراطي منطلقاتنا».

ويستدرك قشوع «أن تشكيل حزب سياسي بحاجة إلى هوية معلنة وإطار برنامجي واضح وهيكلية تنظيمية محددة المعالم». لكنه لا يستبعد أن يكون التبشير في اللقاء التحضيري الذي أعلن عنه بولادة حزب جديد يندرج في إطار «المناورة السياسية».

يلفت الانتباه أن العناصر التي يطرحها رموز التيار الوطني في إطار التعريف به وبأهدافه وثوابته لا تمثل أية خصوصية. فكل ما قيل حتى الآن عن ثوابت الانتماء للوطن والعقيدة والأمة ،لا يسعف أحداً في أن يتلمس ماذا يميز هذا التيار عن حزب مثل حزب الجبهة الأردنية الموحدة.

تجربة تشكيل حزب التيار الوطني ليست التجربة الأولى التي يخوضها المجالي في ميدان العمل الحزبي. فكانت تجربته الأولى هي تأسيس حزب العهد العام 1993، مثلما فعل آخرون من النخب القادمة من دوائر الحكم مثل سليمان عرار، وعاكف الفايز، وأنيس المعشر، وعبد الرؤوف الروابدة، ومجحم الخريشة وغيرهم، إذ ساد في أعقاب إقرار الميثاق الوطني العام 1991 اعتقاد أن الحزب السياسي هو بوابة الدخول للعمل العام.

وفي أجواء التحضير للانتخابات النيابية العام 1997، خاض المجالي غمار عملية دمج تسعة أحزاب وسطية في حزب جديد هو الحزب الوطني الدستوري. وتولدت آنذاك قناعة لدى جماعة الأخوان المسلمين أن قيام الحزب الجديد مقدمة للتدخل في الانتخابات ضدهم، الأمر الذي عزز من اتجاه المقاطعة لديهم للانتخابات. وعكس هذا الأمر نفسه على بيان المقاطعة الذي أكد أنه «في الوقت الذي تتبنى فيه الحكومة حزباً سياسياً وتقدم إمكانات الدولة لخدمته ودعمه، فإن النتائج المؤكدة لهذا السلوك هو تشكيل حكومة الحزب الواحد ،والإبقاء على تمثيل رمزي للأحزاب الأخرى للإيهام بوجود حياة حزبية ديمقراطية».

لكن تجربة الحزب في انتخابات 1997 كانت هزيلة، فمن بين 11 مرشحاً خاضوا الانتخابات، كلٌ تحت يافطة عشيرته أو عائلته وببرنامجه الخاص، فاز من بينهم اثنان فقط بنفوذهما الشخصي؛ عبد الهادي المجالي وعبد الرؤوف الروابدة.

محاولات المجالي اللاحقة فشلت في تحويل حزبه إلى حزب جماهيري. وفيما وجد المجالي لنفسه تعويضاً عن ذلك برئاسته لمجلس النواب، انفض الأقطاب الآخرون عن الحزب.

ذكر الشناق أن الحزب الوطني الدستوري، أعلن في بيانه الصادر يوم (20/7)، أن «لا علاقة له على الإطلاق من قريب أو بعيد تنظيمياً أو سياسياً مع ما يسمى التيار الوطني». وأشار البيان إلى أن فكرة التيار قائمة على مبدأ الإلغاء والإقصاء والاعتداء على مبدأ التعددية السياسية، كما انتقد ما أسماه «مشاركة السلطة السياسية وبعض الأجهزة المسؤولة في دعم هذا التيار».

يقول إعلامي خبير في الشأن السياسي المحلي طلب عدم ذكر اسمه، أن أي مجموعة ترغب في تشكيل حزب سياسي، يتعين عليها أن تطلب موافقة من وزير الداخلية لممارسة أنشطتها التحضيرية والترويج للأفكار الأولية لحزبها كما فعل حزب الجبهة الأردنية الموحدة وحزب الحياة، إعمالاً للمادة الخامسة من قانون الأحزاب. لكن هذه الموافقة تلزمها بأن تتقدم بطلب تأسيس الحزب في غضون ستة أشهر، وإن لم تفعل، فإنها ملزمة قانونياً أن تتوقف عن الترويج للحزب ستة أشهر قبل أن تعاود طلب موافقة جديدة.

الإعلامي يضيف بأن «المهندس عبد الهادي المجالي، كان يتحرك لترويج مشروع التيار الوطني منذ عام ونصف العام خارج نطاق هذا القيد المعيق للحركة، مستفيداً من نفوذه العام ومكانته كرئيس لمجلس النواب ولكتلة الأغلبية النيابية».

نشطاء مجتمع مدني رغم اختلافهم في الرؤية مع المجالي، أبدوا تمنيات بنجاح حزب التيار الوطني في تشكيل حالة حزبية متقدمة، لأن أية مكاسب يحققها قد تستفيد منها الأحزاب الأخرى، وقد يشجع ذلك على ولادة أحزاب من طراز جديد لدى القناعة أن العمل الحزبي بات أرضية فعلية للحياة السياسية في البلاد.

المجالي أب روحي “يضع العربة أمام الحصان”
 
24-Jul-2008
 
العدد 36