العدد 36 - بورتريه
 

محمود الريماوي

سمته الأرستقراطي لا تخطئه العين : الأناقة الظاهرة،،اعتدال القامة، الشاربان المحفوفان والممتدان،النظرات الثابتة والنافذة، إبقاء مسافة عن الآخرين، الصوت الأجش الصادر عن منطقة عميقة في النفس، والحذر الدائم مما حوله. غير أن رجائي الدجاني يحترم الثقة المتبادلة، وعندها يبدو مع الطرف الآخر سلساً، وعلى قدر من الدفء الشخصي.

لعل الدجاني لم يتغير كثيراً منذ نحو عقدين من الزمن،وبعد أن تقدم به العمر بعض الشيء(مواليد القدس 1939)، وبعد انقطاعه عن العمل الرسمي. الفرق أنه بات متفرغاً لمهنة المحاماة، وهو من أعلامها في الأردن ( عضو في محكمة التحكيم الدولية في باريس)، ولم يعد يخوض في الشأن العام إلا ما ندر.

هذا الغياب يجد تفسيره في أن الدجاني لم يعمل من قبل في السياسة( وحال دون أن يعمل غيره بها ! ) ولم يملك طموحاً سياسياً ، وأمضى فترة طويلة هي سحابة شبابه في موقع متقدم في الدائرة الأمنية،ثم وزيرا للأشغال فالداخلية في حكومة زيد الرفاعي الأخيرة ثم عضواً في مجلس الأعيان.في شبابه لم ينخرط في تيارات حزبية رغم أن تلك الحقبة منتصف الخمسينيات كانت تموج بالتحولات السياسية. استقلاليته الذاتية كما يقول وأنفته الشخصية كما يلحظ المرء عليه، شكلت سداً أمام التحاقه بأي حزب(كان لدي أصحاب من مختلف التيارات لم ينجح أحدهم في اجتذابي الى تياره، يقول). لم يقع مثلا تحت سحر عبدالناصر في الخمسينيات. الآن يصفه بأقذع النعوت. في مكتبه الهادىء شديد التنظيم في الشميساني، يفيد الدجاني أن المفكر الوجيد تقريباً الذي استحوذ على إعجابه هو: أنطون سعاده، الزعيم التاريخي للحزب القومي السوري الاجتماعي، وذلك لجهة عدائه المبكر للمشروع الصهيوني، ونزعته العلمانية.لا يتوقف الدجاني عند ميول فاشستية وعند تنظيم حديدي وميول انقلابية لذلك الحزب. هذا رغم أن وزير الداخلية السابق، يرى في نفسه قومياً عربياً يمتلىء بالإيمان بوحدة الامة ومصيرها، خلافاً لسعاده الذي قامت دعوته على تكامل دول الهلال الخصيب (بلاد الشام والعراق).على أن هناك قوميين عرباً يرون في وحدة ذلك الهلال مقدمة لوحدة عربية.

يذكر الدجاني أسباباً أخرى لانقطاعه عن الخوض في السياسة،هو انهماكه في عضوية المنظمة الدولية لمكافحة الفساد. المنظمة برلمانية وقد انضم إليها الدجاني باعتباره أحد المؤسسين في أثناء إشغاله موقع عين في العام 2002. تتابع المنظمة التي باتت جزءاً من هيئات الأمم المتحدة، قضايا الفساد في مختلف أرجاء العالم ومراجعة أداء الحكومات وقد عقدت مؤتمرها التأسيسي في أوتاوا قبل ست سنوات.العرب شكلوا فيها مجموعة مستقلة حتى لا تنضم إسرائيل الى مجموعة شرق أوسطية.الفرع العربي تأسس في بيروت وسجل في لبنان العام 2004.اما الفرع الأردني فيضم مجلس إدارته 12 عضواً ويترأسه النائب ممدوح العبادي ويتولى الدجاني موقع المقرر. قيام المنظمة على جانب من الأهمية فوفقاً لتقاريرها، فإن البنك الدولي والهيئات الدولية الاخرى تقرر او لا تمتنع عن تقديم قروض ومساعدات.اتفاقية إنشاء المنظمة الدولية تلزم الدول الأعضاء تعديل تشريعاتها بحيث تتلاءم مع الاتفاقية ومع تسهيل فرص مكافحة الفساد.

ثمة سبب ثالث لعزوف الدجاني عن الخوض في الشأن السياسي الداخلي، لا يكتمه وإن تحدث عنه باقتضاب وانتقاء لكلماته، فهو أنه إذا تحدث وهو قلما يتحدث في محافل عامة،فإن حديثه النقدي لا يقابل بارتياح "يستثقلون كلامي" كما يقول.

حدث شيء من ذلك لدى مشاركته في ندوة نظمتها النقابات المهنية حول تداعيات وتطبيقات قرار فك الارتباط.في رأيه أن القرار سياسي،لكنه ليس دستورياً أو قانونياً، ولا حتى سيادياً. علماً بأن رجائي الدجاني هو من وضع في العام 1988 تعليمات فك الارتباط لدى توليه حقيبة الداخلية. يحاجج بأن هناك تعسفاً في تطبيق التعليمات، بما يخرج التعليمات عن إطارها الأصلي الذي وضعت فيه..وهو موقف تم عرضه لاحقاً في الديوان الملكي بين يدي رأس الدولة، وقد تشكلت قبل شهور لجنة لمتابعة الأمر لكنها لم تعقد أي اجتماع لها.

لا يرى رجائي الدجاني حلولا آنية لتغول الاحتلال الإسرائيلي." لن يعيدوا الضفة لا لأبنائها ولا للأردن".السلطة الفلسطينية ضعيفة وقد تجردت من كل الأوراق." إذا كان هناك حل فهو في طلب حماية دولية ".بمايشمل القدس؟" أجل يجيب ابن بيت المقدس.فللقدس مكانة خاصة في القانون الدولي منذ قرار التقسيم. التهويد الواسع والاستيطان المطرد في المدينة المقدسة لا يحولان دون التمسك باسترجاعها من مدخل القانون الدولي وفرض حماية دولية على الضفة عموما والقدس الشرقية على وجه الخصوص.

ينظر ابوجعفر الى سجله باعتداد شديد " لم أخطىء ولا أعتذر عن شيء.لو استشرت الأحزاب العقائدية منذ الستينيات لدبت الفوضى،ولكانت حدود إسرئيل في الرمثا وعلى الحدود مع العراق.كنت مستقيماً على الدوام، ومؤدياً واجبي بأمانة ولم أكن عنيفاً شرساً ولم أظلم أحداً كما يشيع البعض عني ".

يستذكر بإيجاز أحداث معان بالقول" لبسونا إياها تلبيساً" ويقصد أن وزارة الداخلية التي كان يتولاها قد تحملت هذه المسؤولية، فيما كان البعض يرى آنذاك أن معان "منطقة خضراء" بمعنى أنها آمنة ولا تستحق جهداً أمنياً لمراقبة الوضع فيها . في النتيجة يقول" تم احتسابي على زيد الرفاعي وحكومته ومرحلته، ولست محسوباً على أحد مع الاحترام للرفاعي مع حفظ الألقاب. أحسب نفسي على الدوام على الدولة" كما يقول ويشدد بعدئذ وبالفم الملآن على أنه ترك كل منصب وموقع حكومي وراءه، وأنه زاهد فيها كل الزهد.

يعتز بزملاء ورؤساء عمل كثر، وعلى الخصوص: مضر بدران، وأحمد عبيدات، ويستهول بعض الحملات الإعلامية على الأخير" يريدون المزايدة على ولاء ابي تامر للدولة والوطن".

لأبي جعفر دائرة واسعة من الزملاء والمعارف، لكن دائرة صداقاته ضيقة ربما بسبب طبيعة عمله السابق، ولطبيعة شخصيته الحذرة والمتكتمة. يجد في الأثناء وقتا للقراءة في كتب التاريخ والسياسة، ومزاولة رياضة التنس واللياقة البدنية، وقلما يدخن أويتحدث الى الصحافة. في الحديث معه لم يشر الى ما هو للتسجيل وما هو لإحاطة السامع، كما هو دأب مسؤولين حاليين وسابقين. يترك الأمر للثقة المبدئية الناشئة مع ما يلزم من حذر :" لماذا ترغب في الكتابة عني، وما الذي تعتزم كتابته؟" يتساءل بمودة ودعابة عبر نظراته اللامعة والنافذة.الجواب عن التساؤل المزدوج :الدجاني رجل دولة حتى وهو يثير الجدل، ويستحق بداهة تذكير الأجيال به.

رجائي الدجاني: لا يعتذر لأحد..
 
24-Jul-2008
 
العدد 36