العدد 35 - اقتصادي
 

جمانة غنيمات

تكمن أهمية برنامج «الإصلاح الضريبي» المقدم من الحكومة ويشتمل على قانون للضريبة، أنه جاء بعد سحب مشروع قانون معدل لقانون ضريبة الدخل من مجلس النواب مطلع العام الحالي بعد أن أقره النواب بتعديلات كانت من وجهة نظر الحكومة غير مناسبة ولا تنسجم مع هدف إعداد مشروع القانون.

ويعاني النظام الضريبي في الأردن من تشوهات متعددة، فمن حيث المبدأ لا تراعي القوانين القائمة روح الدستور من ناحية تصاعدية الضريبة.

كما أن العبء الضريبي الذي تتحمله مداخيل الأردنيين مرتفع إذا ما أخذ بالاعتبار معدلات المداخيل التي يقل 85 بالمئة منها عن 300 دينار شهريا ، إذ يقدر خبراء ان 30 بالمئة من الدخل يذهب إلى تسديد الضرائب.

ويتمثل قصور التشريعات في عجزه عن تحقيق العدالة وتخفيف العبء الضريبي عن أصحاب المداخيل الثابتة وضعف الالتزام وكثرة حالات التهرب الضريبي.

ومن أهم مميزات المنظومة الضريبية التي يجري تطبيقها الآن، أن الموظف صاحب الدخل الشهري المتهالك أصلا من ارتفاع الأسعار يخضع لضريبة دخل مقطوعة، فيما أصحاب المهن الذين يكسبون عشرات الآلاف شهريا يتهربون من دفعها.

ويعتبر تعدد واختلاف أنواع الضرائب احد العيوب التي يعاني منها النظام الضريبي، إذ ثمة في المملكة أكثر من 100 ضريبة ورسم، ما ولد شعورا لدى الأردنيين بان نسبة كبيرة من نفقاتهم تذهب إلى الخزينة على شكل ضرائب ولا يحصلون في المقابل على خدمات أساسية بمستويات لائقة ومقبولة.

ويساهم تعدد الضرائب في جعل النظام الضريبي معقداً لكثرة القوانين والتشريعات التي تحكم هذه المسألة. ومن الأمثلة على ذلك وجود العديد من الضرائب التي تسبق تاريخ فرض ضريبة الدخل وضريبة المبيعات مثل الضريبة الإضافية.

الحكومة ومن خلال البرنامج الذي أعلنته بداية هذا الأسبوع، أعادت تأكيدها على بعض البنود التي ورددت في مشروع القانون الذي جرى سحبه، ومنها تقديم إعفاءات مرتفعة للأفراد وأسرهم تصل إلى حد إعفاء كل من يقل دخله الشهري عن ألف دينار من ضريبة الدخل، ما يعني أن 80 بالمئة من الأردنيين لن يدفعوا ضريبة دخل.

ويمس إلغاء ضريبة الخدمات الاجتماعية البالغ نسبتها 10بالمئة من ضريبة دخل الأفراد هذه الشريحة أو أصحاب الرواتب الثابتة التي كانت تقتطع من رواتبهم مباشرة وهو أمر ايجابي.

ويبدو أن المشرعين قلصوا الإعفاءات الشخصية للتكاليف الصحية بما لا يزيد على 10بالمئة من دخل المكلف القائم. الانتقاد الذي يمكن أن يوجه لهذا البند أن الحكومة لا توفر خدمات صحية بمستويات لائقة، ما يضطر الكثيرين إلى اللجوء للقطاع الخاص، وهو مكلف مقارنة بالقطاع العام.

ويظهر أن المشرع اغفل هذه المرة مسألة الضريبة التصاعدية على الأشخاص رغم الإعفاءات السخية، إذ خفض عدد الشرائح إلى شريحتين بعد أن كانت أربعا، وفرض نسبة 10بالمئة على أول عشرة آلاف دينار من الدخل الخاضع للضريبة، ونسبة 20بالمئة على الدخل الذي يزيد على 10،000 دينار وهي نسبة ثابتة. أما الشركات، فراعى المشرع أن تكون تصاعدية بعد أن كانت متعددة، وتتراوح بين 15 و 35 بالمئة، لتصبح شريحتين: الأولى تخضع أول 50 ألف دينار من دخل الشركة لنسبة ضريبة 10بالمئة والشريحة الثانية تخضع ما زاد عن ذلك لضريبة بنسبة 20بالمئة.

لكن الحكومة أصرت بالمقابل على زيادة ضريبة الدخل على قطاع الصناعة الذي يعاني أصلا من ضعف في تنافسيته نتيجة ارتفاع الكلف عليه، لكنه في المقابل ثبت الضريبة على قطاع البنوك بعكس ما جاء في القانون الذي تم سحبه، وهو أمر ايجابي، إذ أبقى معدلها عند مستوى 35بالمئة.

أما البنود المتعلقة بضريبة المبيعات، فيرشح منها نية الحكومة توسيع المشمولين بهذه الضريبة بعد أن توحدت حد التسجيل على جميع القطاعات عند مبلغ 50 ألف دينار باستثناء الخدمات بمبلغ30 ألف دينار.

كما يتضح أن الحكومة أعطت لنفسها فرصة المناورة لزيادة معدلات ضريبة المبيعات مستقبلا، إذ أبقت على النسبة العامة والبالغة 16بالمئة والنسبة التفضيلية (4بالمئة) وأكدت حقها بزيادة النسبة التفضيلية على المدى البعيد أو إلغائها كليا وتحويلها إلى النسبة العامة. أما القطاع الزراعي فيتضح أن الحكومة ما تزال مستمرة في سياسة إهمال هذا القطاع الحيوي الذي يحتاج إلى جملة إجراءات لدعمة وتقويته في وقت ترتفع فيه أسعار السلع الغذائية في الأسواق العالمية، إذ نص التشريع الجديد على أن يعفى من الضريبة من الدخل المتأتي من الأنشطة الزراعية أول 50 ألف دينار دخلاً صافياً وفي حال عدم وجود حسابات يعفى من الضريبة أول 100الف دينار مبيعات.

الحكم على القانون بإيجابياته وسلبياته يتحدد من خلال زيادة قيمة الإيرادات المتأتية من ضريبة الدخل التي تعد المقياس الأساس في تقييم عدالة النظام الضريبي من عدمها.

كما أن تخفيف العبء الضريبي على الأفراد أصحاب المداخيل الثابتة والمتوسطة يعد احد طرق قياس مدى نجاعة هذا البرنامج.

**

برنامج الاصلاح الضريبي المقترح من الحكومة

يهدف برنامج الإصلاح الضريبي الشامل إلى توسيع القاعدة الضريبية، وتعزيز العدالة بضمان اعفاء 80 بالمئة من المواطنين، وهم الأقل دخلا من ضريبة الدخل واعادة هيكلة الضرائب على قطاع العقارات، وتحسين المناخ الاستثماري، وتحسين كفاءة الادارة الضريبية وتعزيز الالتزام الطوعي للحد من التهرب الضريبي.

جاء ذلك في استعراض لملامح برنامج الاصلاح الضريبي الذي تضمنته مسودة مشروع قانون الضريبة الموحد 2008 الذي تنشر "العرب اليوم" نصه الكامل على موقعها الإلكتروني.

الاختلالات التي يعاني منها النظام الضريبي

البرنامج جاء لانهاء حالة التعقيد وتعدد القوانين والتشريعات التي تدار من قبل مؤسسات مختلفة، ومن الأمثلة على ذلك وجود العديد من الضرائب المنفصلة التي تسبق تاريخ فرض ضريبة الدخل وضريبة المبيعات (مثل الضريبة الاضافية) ووجود عدد من الضرائب التي تم استحداثها كضرائب "ذات غرض خاص" (كرعاية الشباب) وتعدد الضرائب المتعلقة بالمعاملات مثل ضرائب نقل الملكية (ضريبة بيع العقار ورسوم التسجيل، الضريبة الاضافية ورسوم الجامعات) وهناك عدد من الرسوم لا يتم اعتبارها رسميا ضرائب لكنها لا تختلف عن الضرائب الا بالاسم (مثل رسوم الطوابع ورسوم الجامعات..) ورسوم تسجيل الأراضي.

كذلك جاء البرنامج لمعالجة قصور التشريعات في تحقيق العدالة وضعف الالتزام وكثرة حالات التهرب الضريبي وتركيز جميع الإصلاحات والنقاشات على جوانب انتقائية فقط من نظام الضريبة وليس على النظام الضريبي بشكل متكامل (لغاية الان لم يتم اجراء مراجعة شاملة لكافة قوانين الضريبة وإنما كان يتم فقط مراجعة جزئية لبعض القوانين والتشريعات الضريبية).

القانون المعدل لقانون ضريبة الدخل

وكانت الحكومة تقدمت قبل أكثر من عام بمشروع قانون معدل لقانون ضريبة الدخل، تضمن عددا من الاصلاحات المهمة التي هدفت بشكل أساسي الى توحيد نسب الضريبة على الشركات تدريجياً، ومراجعة شرائح ونسب الضرائب على الافراد والدخل وتشديد العقوبات على التهرب الضريبي، حيث أقر مجلس النواب مشروع القانون بعد اجراء العديد من التعديلات بشكل لا ينسجم مع الأهداف والتوجهات التي من أجلها تم اعداد مشروع القانون وقامت الحكومة بسحب هذا القانون خلال هذا العام للحيلولة دون اقراره بالتعديلات التي أجراها مجلس النواب وبهدف اجراء مراجعة شاملة على القوانين والتشريعات الضريبية كافة.

التوجيهات الملكية لإصلاح النظام الضريبي.

البرنامج الجيد جاء استجابة للتوجيهات الملكية للحكومات المتعاقبة بضرورة اعادة النظر في قوانين الضريبة بما يحقق العدالة ويشجع الاستثمار ويمنع التهرب الضريبي ويرفد الموازنة. وتضمنت الأجندة الوطنية توصيات مهمة في هذا المجال من أبرزها اعادة هيكلة ضريبة الدخل لتحقيق العدالة والمساواة بين المكلفين كافة والحد من الاعفاءات المتعلقة بضريبة المبيعات في بعض القطاعات واعادة النظر في الاعفاءات الضريبية الممنوحة على بعض السلع وتعزيز الالتزام الطوعي والحد من التهرب الضريبي.

ويهدف برنامج الاصلاح الى تبسيط النظام الضريبي من خلال تحسين الاطار القانوني وتوسيع القاعدة الضريبية من خلال تقييد الاعفاءات والاقتطاعات وتعزيز العدالة من خلال ضمان اعفاء 80 بالمئة من المواطنين وهم الاقل دخلاًًًًًًًًًً من ضريبة الدخل واعادة هيكلة الضرائب المفروضة على العقارات و تحسين كفاءة الادارة الضريبية وتعزيز الالتزام الطوعي للحد من التهرب الضريبي وتحسين مناخ الاستثمار وتشجيع النمو الاقتصادي.

وحول الاطار القانوني المقترح للنظام الضريبي، فإنه يشتمل على جمع القوانين الضريبية كافة، اضافة الى القوانين التي تحكم الرسوم التي لا تختلف عن الضرائب في قانون واحد يسمى قانون الضريبة. (قانون موحد وشامل يتضمن ضرائب الدخل والمبيعات العامة والخاصة والضرائب على العقارات...) وادخال مفهوم قاعدة العالمية في اخضاع الدخل (WORLD WIDE INCOME) بالنسبة للمقيم (حسب قانون الضريبة الجديد) سواء الافراد او الشركات وازالة جميع الاحكام الضريبية الموجودة في القوانين الاخرى المتشابهة مع قانون الضريبة (رسوم الطوابع وقانون الرسوم الاضافية للجامعات وقانون التعليم والتدريب المهني وقانون التعليم العالي...) والالتزام بإجراء التعديلات المستقبلية على الضرائب من خلال قانون الضريبة فقط.

والغاء الضرائب التي يتم تحصيلها بموجب قوانين خاصة لصالح عدد من المؤسسات الرسمية و وتعويضها عن حصيلة هذه الإيرادات من خلال رصد مخصصات في الموازنة العامة (مثل ضريبة الخدمات الاجتماعية، والضريبة الاضافية، ورسوم الطوابع، ورسوم الجامعات....) والتركيز على الوضوح والشفافية في أحكام قانون الضريبة بحيث يسهل فهمه وتطبيقه من قبل العاملين في الادارة الضريبية والمواطنين والمستثمرين على حد سواء.

يتضمن برنامج الإصلاح تعديل الضريبة المفروضة على الشركات بضريبة تصاعدية، إذ إن الشريحة الاولى تخضع اول 50 الف دينار من دخل الشركة لنسبة ضريبة 10 بالمئة والشريحة الثانية تخضع ما زاد على ذلك لضريبة بنسبة 20 بالمئة.

وتم استثناء البنوك من تطبيق النسبة المحددة للشريحة الثانية واخضاعها لنسبة 35 بالمئة حتى نهاية عام 2010 وتخفيضها تدريجيا اعتبارا من عام 2011 بواقع 3 نقاط مئوية سنوياً لتصل الى 20 بالمئة عام 2016. وسيعفى من الضريبة من الدخل المتأتي من الانشطة الزراعية اول 50 الف دينار دخلا صافيا وفي حالة عدم وجود حسابات يعفى من الضريبة اول 100 ألف دينار مبيعات.

الإصلاحات في مجال ضريبة الدخل على الافراد

وسيتم الغاء ضريبة الخدمات الاجتماعية البالغ نسبتها 10 بالمئة من ضريبة دخل الافراد. وتقديم الاعفاءات التالية:

5 آلاف دينار للمكلف الرئيسي و 5 آلاف دينار للزوج و 500 دينار لكل معال وبحد أقصى 2000 دينار. وحصر الاعفاءات الشخصية بنوعين: التكاليف الصحية بما لا يزيد على 10 بالمئة من دخل المكلف القائم، والمساهمات التقاعدية بحد اقصى 2000 دينار و (الغاء نسبة الـ 25 بالمئة والـ 50 بالمئة من الدخل من الراتب)

والمساواة بين الجنسين في استحقاق الاعفاءات وتخفيض عدد الشرائح الى شريحتين، وفرض نسبة 10 بالمئة على أول 10 آلاف دينار من الدخل الخاضع للضريبة، ونسبة 20 بالمئة على الدخل الذي يزيد على 10 آلاف دينار.

زيادة إيرادات ضريبة الدخل مؤشر على عدالة القانون المقترح
 
17-Jul-2008
 
العدد 35