العدد 35 - اقتصادي
 

السّجل - خاص

تتجاوز تداعيات ارتفاع أسعار النفط على الاقتصاد الوطني عبء دعم الأسعار الذي تم التخلي عنه نهائيا في شباط 2008 الى التأثير على مؤشرات رئيسية تكمن في الميزان التجاري وعجز الحساب الجاري لميزان المدفوعات اضافة الى معدلات التضخم التي تعتبر ظواهر سلبية تعكس حالة غير صحية على مستوى أساسيات اي اقتصاد.

وفي اقتصاد نام كالاقتصاد الأردني يستهلك نحو 100 – 110 آلاف برميل يومياً من النفط يعتبر التأثير في أداء الأسواق النفطية العالمية شبه معدوم أو محض أحلام، وتقتصر إجراءات الاقتصاديات النامية والمشابهة للاقتصاد الاردني على اجراءات الترشيد في مواجهة "غول" أسعار النفط المتعاظم.

هذا الرأي دعمه في وقت سابق وزير الطاقة الأميركي صمؤيل بودمان والذي زار عمان قبل اشهر، مؤكدا دعم بلاده لسياسات تنويع مصادر الطاقة في بلد يزخر بمكامن الصخر الزيتي واليورانيوم "الكعكة الصفراء" ولكنها تتطلب نحو عقد من الزمان للدخول في خليط الطاقة الأولية.. وحتى ذلك الحين يبقى الترشيد الاولوية القصوى والحل الامثل لتقليل فاتورة استهلاك الطاقة.

وزير الطاقة والثروة المعدنية المهندس خلدون قطيشات، قدّر قيمة فاتورة استهلاك "الطاقة" بأشكالها كافة في المملكة للعام الحالي بحوالي 3 مليارات دينار بافتراض بقاء أسعار السوق الحالية, أي يتوقع من الاقتصاد الاردني ان يدفع ثلث ناتجه الاجمالي فاتورة طاقة.

هذه الفاتورة النفطية المتنامية تضغط بشدة على الميزان التجاري للمملكة لدرجة أنه يتوقع أن تقترب من مستوى نصف قيمة المستوردات لهذا العام او تقارب قيمة الصادرات.

ولهذا سجل الحساب الجاري لميزان المدفوعات خلال الربع الاول من العام الحالي عجزا مقدارة 833 مليون دينار مقارنة مع عجز قيمته 272 مليون دينار للربع ذاته من العام 2007.

وللثلث الاول من العام بلغت اجمالي قيمة المستوردات 3.9 مليار دينار فيما بلغت المستوردات من النفط الخام 750 مليون دينار بارتفاع نسبته 89 بالمئة نتيجة الارتفاع في أسعار النفط البالغ نسبته 65 بالمئة كما بلغت قيمة المستوردات من 3 مشتقات نفطية هي "الديزل والغاز المنزلي المسال والبنزين" للفترة ذاتها 130 مليون دينار.

تتكون "الفاتورة النفطية" من بندين هما : "حصيلة الأسعار مسندة للكميات المشتراة من النفط الخام والمشتقات النفطية لمجموعة من الفترات او لفترة معينة" واذا كان من المستحيل التأثير في بند الأسعار ليبقى رهين مضاربات الأسواق الدولية فان فرصة الاقتصاد الاردني تكمن في تخفيض كميات الاستهلاك ما امكن.

على المدى البعيد وبحلول العام 2015 وما بعد ذلك يتوقع ان تقارب نسبة مساهمة المصادر الخارجية نسبة المصادر المحلية من الطاقة لكن الى ذلك ما هي حزمة الاجراءات المتخذة على صعيد تقليل فاتورة الطاقة؟.

يقول الوزير قطيشات ان الحكومة اعدت مجموعة من التشريعات كمسودات قوانين موجودة حاليا في ديوان التشريع والرأي ستعرض على مجلس الامة في الدورة العادية المقبلة من بينها مشروع قانون الطاقة المتجددة.

الوزير الذي افتتح مكتبا لخدمة الجمهور في قضايا الطاقة والكهرباء كشف عن توجه لتعميمه على المحافظات لاطلاع جمهور المواطنين على اخر تطورات أسواق الطاقة العالمية واهمية ترشيد الاستهلاك والأساليب المستخدمة لهذا الغرض مستندا إلى ان الدراسات تؤكد امكانية خفض فاتورة الطاقة بنسبة تصل الى 20بالمئة لمختلف القطاعات.

ويتأتى تخفيف عبء الطاقة وفاتورتها وفقا لوزير الطاقة بترشيد الاستهلاك ما أمكن والاعتماد على الطاقة المتجددة على المستويات كافة ومن بينها القطاع المنزلي.

واستجابة لهذا التوجة جاء قرار مجلس الوزراء منتصف نيسان/أبريل الماضي لإعلان قائمة أجهزة ومعدات ترشيد استهلاك الطاقة والطاقة المتجددة المعفاة من الرسوم الجمركية والخاضعة للضريبة العامة على المبيعات، بحيث تم اضافة معدات واجهزة جديدة للقائمة المعفاة من الرسوم الجمركية والخاضعة للضريبة العامة على المبيعات بنسبة الصفر.

واشتملت القائمة على اجهزة رئيسة مثل: السخانات الشمسية واللمبات الموفرة للطاقة والمواد العازلة في البناء وانظمة التحكم في التدفئة والتبريد والتحكم في الانارة ومراوح توليد الطاقة الكهربائية والخلايا الشمسية والسيارات الهجينة وانظمة الطاقة الشمسية.

يتوقع مدير المركز الوطني لبحوث الطاقة المهندس مالك الكباريتي من هذه التخفيضات وحملات التوعية لدى جمهور المواطنين واتباع وسائل الترشيد والاقبال على استخدام انظمة الطاقة المتجددة تخفيضاً حقيقياً لكميات الاستهلاك اليومي من الطاقة على الصعد الاقتصادية كافة ابتداءً من المصنع وصولا الى المنزل والسيارة.

الحكومة التي تسير بسرعة صوب تطبيق بنود الاستراتيجية المحدثة لقطاع الطاقة، وبخاصة في مجال تحسين كفاءة الطاقة حصلت مؤخرا على منحة من مرفق البيئة العالمي التابع للبنك الدولي بقيمة 6 ملايين دولار بغية انشاء صندوق وطني لكفاءة الطاقة ودعم مشاريع الطاقة المتجددة.

ويتضمن برنامج الحكومة في هذا الميدان على تشجيع استخدام السخانات الشمسية لزيادة نسبة انتشارها من 14بالمئة حالياً إلى 20بالمئة خلال الخمس سنوات المقبلة وتركيب ما يعادل حوالي 50 ألف متر مربع من اللواقط الشمسية سنوياً وبكلفة سنوية مقدارها (3) ملايين دينار.

وسيعمل البرنامج الحكومي في البداية على تأهيل الصناعة المحلية لإنتاج السخانات الشمسية بالمواصفات العالمية المقبولة وسيتم بيع السخانات للمواطنين عن طريق الشركات الصانعة التي يتم تأهيلها للاستفادة من هذا البرنامج، وذلك من خلال دفع أقساط شهرية متساوية يتم تحصيلها مع فاتورة الكهرباء مثلاً وتقوم الوزارة حالياً بدراسة الخيارات الممكنة لتنفيذ هذا البرنامج ومن المقترح تمويله من خلال صندوق كفاءة الطاقة.

نقيب وكلاء السيارات ولوازمها سلامة الجندي يقدر ان تخفض بعض انواع السيارات الهجينة استخدام الوقود بنسبة 50بالمئة، إذ تستخدم هذه السيارات اكثر من نوع من الوقود كالبنزين والكهرباء ومزودة ببطارية كبيرة الحجم تعمل بقوة كافية لدفع السيارة، كفاءة عملها في المناطق السهلة افضل منها في الجبلية كما تقل هذه الكفاءة مع زيادة الحمولة، وتعمل الشركات المصنعة على تطوير أنواع منها بأحجام جيدة وذات كفاءة أعلى.

ويتطلب دخول هذا النوع من السيارات فترة من الزمن تبعا للأسواق الدولية التي تحظر بعضها بيع هذه السيارات، ورغم ذلك تعتبر تجربة دخول بعضها للسوق ناجحة.

ويشهد حالياً المنتج الآخر المتوافر في السوق وبكثرة "السخانات الشمسية" رواجا غير مسبوق بعد قرار إعفائها من الضرائب والرسوم الجمركية.

"في بلد يزيد عدد الايام المشمسة فيه على 300 يوم في السنة فان استخدام انظمة الطاقة الشمسية هو أمر مجدٍ للغاية، وبفترة استرداد تصل الى العام" حسب ما اكد مدير عام شركة الدليل للأنظمة الهندسية المهندس نضال الأخرس.

ويضيف قائلا "أنظمة الطاقة الشمسية وبخاصة السخانات في السوق المحلية تضاعفت مبيعاتها مؤخرا نتيجة ارتفاع كلف الطاقة عالميا ومحليا متزامنا مع تخفيض ضريبي وجمركي على أسعار السخانات الشمسية وأدوات الطاقة المتجددة الذي خفض سعرها بنحو 30بالمئة فيما تصل نسبة الوفر في فاتورة العائلة من الطاقة لنحو50بالمئة في بعض الحالات".

اذا كان التأثير في أسعار الطاقة العالمية ضربا من الخيال، فإن الفرصة مواتية للاقتصاد الاردني لتقليل كميات الاستهلاك والاعتماد على مصادر الطاقة الشمسية والرياح والعزل الحراري ..الخ, لكن مهما تكن نسبة التخفيض في كم الاستهلاك، فهل ستكون هذه السياسات ناجعة لإطفاء ظمأ الارتفاع المتوالي لأسعار النفط والذي يسير بسرعة صوب حاجز 200 دولار؟.

ترشيد الاستهلاك لمواجهة “غول” أسعار النفط المتعاظم
 
17-Jul-2008
 
العدد 35