العدد 6 - أردني | ||||||||||||||
قلما يتمتع وزراء الخارجية بالشعبية ، وذلك بحكم اتصالهم ومخاطبتهم للخارج لا الداخل . الاستثناء ربما كان عمرو موسى في اثناء ترؤسه الدبلوماسية المصرية . عبدالإله الخطيب (54 عاماً ) ليس استثاء ، مع فارق أنه في الوقت نفسه بغير أعداء وخصوم في أوساط القوى السياسية والمسيسة ، وبعد أن تولى حقيبة الخارجية لأربع مرات ، اللهم سوى بعض من تم التوافق على تسميتهم بليبراليين جدد عندنا ، علما بأن الخطيب قد يكون أكثر ليبرالية من بعضهم . و لديه الى ذلك”معجبون “ كثر في أوساط النخب الأكاديمية والإعلامية . بعيدا عن الشعبية والخصومات، فان اسم الخطيب تردد غير مرة وفي مناسبات سابقة في بورصة الأسماء المرشحة لرئاسة الحكومة. ويتمتع ابومناف بقدرات مهنية لافتة تتبدى اساسا بقدرته على الإحاطة بجوانب موضوعه وتحليل عناصره ، والربط بين المعلومات والمعطيات وتفادي اللغة الإنشائية ، وتناول موضوع الحديث بغير إفاضة ودون نقصان . على ان هذه المزايا كما قد يلاحظ معترض ، تلائم استاذا اكاديميا أو مؤرخاً وكاتبا سياسياً لامعاً ، وأنها على أهميتها الحاسمة بالنسبة لوزير خارجية ربما لا تكون كافية بحد ذاتها . فمنصب الوزير سياسي في المقام الأول أكثر منه مهنياً ، فكيف بوزير خارجية ؟ . يصعب على من يشاء التقاط عثرات في اداء الوزير السابق والمقصود هنا عثرات سياسية . فهو لقربه من الدوائر العليا لصناعة القرارات ، قد نجح في صياغة خطاب متماسك : التعاون التام مع المنظمات الدولية ابتداء من المنظمة الأم : الامم المتحدة . التمسك بأحكام القانون الدولي . واحترام المعاهدات والاتفاقيات بين الأردن ودول العالم .احترام اطار العمل الجماعي العربي عبر الجامعة العربية وقرارات القمم . رفض التدخلات والمحاورالعربية كلما وجدت . ربط السياسة بالتعاون الاقتصادي والاستثماري كما في منتديات البحر الميت .الالتزام بأولوية القضية الفلسطينية واحترام شرعية السلطة كممثل للكيان الناشىء . وصولا الى تنزيه الاسلام عن الارهاب ومخاطبة الغرب على هذا الأساس والتشديد على حوار الحضارات والثقافات لا صراعها . وهو خطاب متماسك حقا وذو نزعة انسانية متمدنة ، غير ان التحفظ ليس على ما يتضمنه هذا الخطاب بل على ما ينقصه . فلم تنجح الدبلوماسية التي قادها الخطيب وكما يجب في تظهير الوحشية الاسرائيلية ضد المدنيين على انها من ارهاب دولة احتلال . وفي واقع الأمر ظل اتخاذ موقف نقدي حازم من الممارسات الاسرائيلية ، عنصرا غير ملحوظ في الأداء الدبلوماسي ليس في فترة الوزير عبدالإله الخطيب فحسب ، بل منذ توقيع المعاهدة الاردنية الإسرائيلية عام 1994 . ليست المسألة حقا مجرد إطلاق وترديد شعارات فالأمور مرهونة بمجمل الاداء السياسي ، وقد دعم الاردن شعب فلسطين الأسير وسلطته الشرعية على الدوام ، وتميز باتخاذ ما هو أكثر من مجرد موقف حيال جدار شارون وذلك بالترافع بجدارة وكفاءة عالية ضد الجدار في محكمة لاهاي ، ولكن ما الذي حدث بعدئذ ؟ .لم تتم متابعة هذا الإنجاز المشرف ، وكاد موضوع الجدار بما يمثله من خطورة وجودية على فلسطين والأردن ، يغيب عن الخطاب الدبلوماسي الأردني . وعملياً تم “تضييع “ هذا الإنجاز . بالقدر ذاته بدا الأردن عبر دبلوماسيته كأحد آخر الدول التي طالبت باستعادة رعاياها المحتجزين في غوانتانامو . وظلت أعدادهم الحقيقية غائبة عن الرأي العام ولم يتم التركيز على انتفاء القواعد القانونية والشروط الانسانية في ذلك المعتقل، الذي أريد به الحط من انسانية الانسان لا احتجاز . في الشأن العراقي تم اتخاذ مواقف جيدة ومشرفة باتجاه الدفع نحو المصالحة الوطنية والوفاق الداخلي ، ونبذ الارهاب ضد المدنيين وإدانة تدمير البنى التحتية والثروات الوطنية ، ورفض التدخلات الخارجية في شؤون هذا البد المنكوب ، وما رافق ذلك من استقبال سائر المكونات السياسية والاجتماعية والدينية العراقية في عمان وتشجيعهم على الحوار ما بينهم ، فضلا عن استقبال مئات آلاف العراقيين في الأراضي الاردنية ، غير أن نجاحاً كافياً لم يتحقق ببلورة خطاب دبلوماسي وسياسي أردني ، يشدد بوضوح على حق العراقيين في إنجاز استعادة سيادتهم واستقلالهم ، بما يعني جدولة انتهاء الاحتلال أو رؤية نهاية له ، جنباً الى جنب مع إنهاء وجود فرق المرتزقة ومنظمة القاعدة . إذ يعتبر عبدالإله الخطيب من القياديين الدبلوماسيين الشبان ذوي الموهبة ، فقد تمرس في العمل الدبلوماسي في المركز (وزارة الخارجية ) ودبلوماسيا في الخارج ، ومن نشاطاته المميزة عمله سكرتيرا فمنسقاً لفرق التفاوض الاردنية مع الإسرائيليين في مؤتمر مدريد قبل ستة عشر عاماً وكان حينها دون الاربعين من عمره . وقد ساعده تأهله الاكاديمي في الاقتصاد والإعلام ، على رفد ادائه الدبلوماسي برؤية اقتصادية:ربط الاستقرار السياسي بالازدهار الاقتصادي وتعاون الشمال والجنوب لسد الفجوات . وبقدرة مميزة على التعامل مع وسائل الإعلام المحلية والعربية والاجنبية ، باللغة نفسها دون تغيير وتبديل حسب المقام ، وخلافا لدبلوماسية مزدوجة تخصص خطابا للداخل وآخر مغايرا للخارج . وإذ أسهم الخطيب مع زميله د. مروان المعشر في إرساء مدرسة مهنية راقية وفعالة في الأداء الدبلوماسي الاردني ، فمن المؤسف أن تغيب الكفاءات في حمأة منافسات وصراعات بين مراكز قوى نافذة . ولسوف يظل المجال متاحا للإفادة من خبرات الخطيب الجمة ، بما في ذلك على رأس الوزارة . |
|
|||||||||||||