العدد 35 - حريات
 

محمد شما

لم يكن وجود المرأة الأردنية داخل مجتمعها فاعلا بقدر فاعليتها داخل الحزب الذي تنتمي إليه أو تقوده. ولعل ذلك يعود إلى أن الحزب الذي اختارت الانضمام إليه والنضال في إطاره يمثل الموقع الذي ترى فيه ذاتها بعيدا عن قيود مجتمعها.

كانت الأحزاب، وبخاصة في فترة الأحكام العرفية فاعلة وناشطة، وكانت المرأة إحدى روافع فاعلية الحزب ونشاطه؛ بل إنها كانت في بعض الأحيان، مثالا للوجه الحضاري لأي حزب، ومع ذلك فإن هناك من يعتقد أن المرأة داخل الحزب لم تتجاوز حدود اللجان التي تعنى بقضاياها، وأن أنشطتها لم تتعد تنظيم ندوة هنا أو ورشة هناك. ما يعني أنها، حتى وهي داخل حزبها قد أصبحت أسيرة مجتمع يفرض سطوته حتى على الحزب الذي جاء للتغيير، ربما انسجاما مع مجتمع يرفض أن تكون المرأة قيادية فيه.

بحسب دراسة أجرتها هناء المحيسن من مركز الرأي للدراسات قبل عام 2006 ظهر أن هناك 8 أحزاب من أصل 25 حزبا تحققت فيها المشاركة النسائية في عضوية هيئاتها القيادية «إلا أن حجم المشاركة بقي متواضعا فقد كانت أعلى بنسبة 12.5بالمئة لدى الحزب التقدمي الأردني، والنسبة نفسها لدى حزب الشعب الديمقراطي الأردني «حشد»، تلاهما الحزب الوطني الدستوري بنسبة 11.1بالمئة ثم حزب الوسط الإسلامي وحزب العمل الأردني بنسبة 8.3بالمئة».

وفي تقرير أوضاع المرأة الأردنية الذي أصدره صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة (يونيفيم) بالتعاون مع اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة ودائرة الإحصاءات العامة لعام 2004، جاء أن الإناث شاركن في الهيئات التأسيسية لما مجموعه 28 حزبا من المجموع الكلي للأحزاب، آنذاك، وعددها 31 حزبا. نسبة هؤلاء المشاركات تباينت تباينا ملحوظا إذ راوحت بين 0.4بالمئة في حزب اليسار الديمقراطي و 50.5بالمئة في حزب الأحرار.

إميلي نفّاع من الحزب الشيوعي تلحظ أن وضع المرأة في الحزب تماما مثل وضعها في المجتمع وتقول «كلما تدرجنا إلى الأعلى في مواقع صنع القرار في الأحزاب كلما قلت نسبة النساء أو انعدمت كليا.» وتلمح نفّاع إلى أن الأحزاب نفسها تتحمل جزءا من مسؤولية ضعف التمثيل النسوي في الأحزاب وتقول «من الواضح أن أغلب الأحزاب السياسية المرخصة في الأردن لا تعالج قضية المرأة بشكل جدي وفعال ومستقل في برامجها وأن الإشارة إلى قضية المرأة لا تتعدى مرحلة الشعارات غير النابعة من معرفة حقيقية لواقع المرأة، إما لأسباب إيدولوجية أو لأسباب تعود لطبيعة الوضع السياسي في المراحل السابقة.»

منير الحمارنة، أمين عام الحزب الشيوعي يذهب المذهب نفسه ويقول «دور المرأة في الحياة الحزبية خاضع للظروف التي تعمل فيها الأحزاب بالإضافة إلى رؤية كل حزب لأهمية عمل المرأة. فهناك أحزاب ترى أن للمرأة دوراً غير تقليدي في الحياة الحزبية بسبب ظروف المجتمع فالمرأة هنا تشكل مدخلا حقيقيا للوصول لأوساط ليس من السهل الوصول إليها في مجتمعنا المغلق.» وعليه يعتبر الحمارنة أن عمل المرأة الحزبي بحاجة إلى ثقافة علمية ووعي داخل الأحزاب نفسها.

في الإطار نفسه، ترى عضو المكتب السياسي في حزب الشعب الديمقراطي الأردني «حشد» عبلة أبو علبة، أن دور المرأة داخل الحزب يعتمد على برنامج الحزب الاجتماعي، تقول: «إذا كانت هناك برامج وهياكل معدة من أجل تنفيذه، بالضرورة يكون وضع المرأة أكثر جدية من أن تكون ديكورا أو داخل لجنة اختصاص.»

وهي ترى أن وضع المرأة الأردنية داخل الأحزاب متباين، وليس على سوية واحدة، «فهي في الأحزاب اليسارية تحظى بمواقع متقدمة وقضيتها تحظى بتقدير كبير في برامج هذه الأحزاب، أما في الأحزاب الإسلامية كحزب العمل الإسلامي وفي جماعة الإخوان المسلمين فلا يوجد فيه كادر نسائي ولا يوجد برامج موجهة لها، رغم وجود نساء فاضلات في مواقع تشريعية أولى ولكنها ليست تنفيذية، ولا نراهن إلا في المناسبات أو في إطار التحشيد العام لهم ليس أكثر».

زكي بني رشيد، أمين عام حزب جبهة العمل الإسلامي، يعتبر أن وصول المرأة إلى مجلس الشورى في الحزب بنسبة تصل 10بالمئة يؤكد دورها «فنحن نريدها فاعلة»، كما يقول. ولكن من الملاحظ أنه رغم عدم وجود ما يمنع المرأة من الترشح لقيادة الحزب في أنظمة الحزب، أنه لم تُسجل لها أي محاولة تذكر في المواقع القيادية، وهو ما تشير إليه حياة المسيمي، وهي قيادية في الحزب ذاته، تقول: «تم تقديمنا لمواقع قيادية كبيرة أو في المكتب التنفيذي كأعضاء، لكننا رفضنا لاعتبارات عديدة، منها أن التوقيت كان غير مناسب.»

وتعتبر المسيمي وهي نائب سابق عن الجبهة في مجلس النواب، أن النساء «متواجدات في المواقع الشورية»، وهذا برأيها إنجاز يحسب للحزب. ولكن يظل المعوق القانوني هو ما يزيد الصعوبات على المرأة، كما تقول.

بني رشيد، يقول إن وصول المرأة إلى موقع أمانة الحزب ليس بعيدا، ولكن هناك «إملاءات المجتمع التي تحكم الجميع.»

خلدون الناصر، أمين عام حزب العهد، يرى أن تجربة المرأة في حزب العهد ناجحة، «فهناك مناصب عليا احتلتها في الحزب،» مشيرا إلى أنه لا يوجد في نظام الحزب الداخلي ما يمنع من وصول المرأة إلى المناصب العليا في الحزب، «ففي المكتب التنفيذي داخل الحزب هناك سيدتان، وفي المجلس المركزي 12 عضوا من السيدات.»

وتلاحظ أبو علبة أن أحزابا بعثية وتقدمية واشتراكية لا تملك كادرا نسائيا متقدما، رغم أن خطابها الاجتماعي متقدم وهو ما يشكل بالنسبة لها «لغزا» يحتاج إلى حل.

المرأة والأحزاب: إملاءات المجتمع
 
17-Jul-2008
 
العدد 35