العدد 35 - أردني
 

منصور المعلا

 بملامح متعبة، وقف رجل خمسيني من مدينة السلط، في أروقة سلطة المياه شاكيا من انقطاع المياه عن منزله. «لا أريد سوى شربة ماء.» قال الرجل، مشيرا إلى أنه هو وعائلته يحصلون على حاجتهم منها من مسجد عمر بن الخطاب في حي الميدان في المدينة.

حال هذا الرجل هو حال مئات من المواطنين يضجون بالشكوى عبر أجهزة الإعلام من إذاعات محلية ومنابر صحفية، حول انقطاع المياه عنهم لأسابيع بأكملها.

ارتفاع عدد الشكاوى عبر وسائل الشكوى المتاحة التي وصلت في بعض الأيام إلى المئات، والتي وردت من مناطق مختلفة في المملكة، يعتبره معنيون في الشأن المائي مؤشراً على تفاقم الأزمة المائية في البلاد، في ظل مواسم الجفاف المتعاقبة وانعدام المصادر المائية المتجددة تقريبا، وهو ما جعل صيف العام الجاري تحديدا يتميز بالشح الشديد، وبانخفاض كميات المياه الواصلة إلى خزانات المواطنين في سائر أنحاء البلاد.

في تقرير للمعهد  العالمي  للموارد  المائية ومنظمة  هيئة  الأمم  المتحدة  للبيئة حول الوضع المائي في الشرق الأوسط تصل حصة  الفرد  الواحد    الى حوالي410 أمتار مكعبة في السنة، وتعاني اسرائيل، بحسب التقرير، من أزمة  حادة  للمياه، إلا ان إدارة مصادر المياه والتنظيم الدقيق والاستعمال  الصحيح لها قد  تمكنها  من حل  أغلب مشاكلها  المائية.

ويشر التقرير الى أن حصة  الفرد الواحد في المملكة العربية السعودية تقدر  بحوالي497  متراً مكعباً   في السنة ، تعاني  من عجز كبير  من المياه.

أما سورية، فتصل  حصة الفرد  الواحد الى  حوالي435  متراً  مكعباً في  السنة، وتقدر  في تركيا  بحوالي433  متراً  مكعباً  في السنة ،هذا يعني  أن لها  فائضاً مائياً.

في الأردن تضع وزارة المياه برنامج توزيع المياه على أساس تقديراتها لمعدل حصة الفرد من المياه في مناطق المملكة المختلفة.

بحسب هذه التقديرات فإن معدل حصة الفرد يناهز 144 لترا يوميا، وذلك اعتمادا على أن حصة الفرد في عجلون تناهز 78 لترا، وفي جرش 67 لترا، وعمان 154 لترا، والزرقاء 134 لترا، وإربد 97 لترا، والمفرق 185 لترا، والبلقاء 155 لترا، والكرك 158 لترا، والطفيلة 136 لترا، ومعان 214 لترا، ومادبا 131 لترا، والعقبة 351 لترا.

ارتفاع حصص الفرد في العقبة ومعان نتيجة لوجود مصادر مياه غزيرة لقربها من حوض الديسي الذي يعد اكبر خزان مياه جوفية في الاقليم، بينما تتدنى تلك النسبة في محافظات عجلون وجرش بسبب شح المصادر المائية وتحويل معظم مصادر المياه لري العاصمة عمان.

 وزارة المياه والري، سارعت لوضع برنامج لإيصال المياه إلى المنازل في حصص محددة، بحسب المناطق المختلفة على التوالي. الكميات الموزعة بموجب البرنامج تتغير كل عام، وبخاصة في فصل الصيف، وقد تمكنت من إيصال المياه إلى معظم المشتركين الذين يربو عددهم على 900 مواطن، غير أن خبراء يشككون في احتمال تمكن الوزارة من الاستمرار في توزيع الكميات المخصصة للمشتركين كل بحسب حاجته.

ووفقا لهذه الأرقام فإن حصص الأفراد في المحافظات تقسم بحسب أولويات أهمها: الطبخ ثم الغسيل. مما يعني أن المواطن الاردني لا يعير النظافة البدنية حيزا كبيرا مقابل أولوية الطبخ، وتعتقد وزارة المياه أن المواطن الأردني أصبح على اطلاع كاف على الأزمة المائية، ما يسهم في التخفيف من حجم اللوم الملقى عليها.

الجديد هذا الصيف، هو أن الشكوى تصاعدت ، وأن بعض الشكاوى تشمل البرنامج نفسه من حيث عدم الالتزام بالدور المحدد في توزيع حصص المياه.

سلطة المياه على لسان أمينها العام منير عويس، تقر بوجود اختلالات في البرنامج من حيث عدم الالتزام بالدور. عزا عويس ذلك إلى انقطاع التيار الكهربائي عن بعض محطات الضخ، وانسداد بعض شبكات المياه، وانكسار أنابيب المياه بسبب اعتداءات مقصودة أو غير مقصودة. لكن عويس يرى أن «الوضع المائي تحت السيطرة».

وصف الصيف بالساخن على الجبهة المائية، وبحسب وصف لمسؤولين في سلطة المياه، إلا أنهم يجزمون بأن البلاد سوف تتجاوز الأزمة في النهاية، رغم الصعوبات، لكنهم ينظرون بعين القلق إلى المستقبل، القريب، وهم ينطلقون في شكوكهم هذه من احتمال عدم توافر الكميات المطلوبة من المياه خلال السنوات المقبلة، في ظل تنبؤات مراكز الرصد الجوي عن احتمال أن تشهد الأعوام الثلاثة المقبلة جفافا مشابها لشتاء العام الماضي.

هذه الشكوك لا تبددها حقيقة أن هناك عددا من المشاريع الاستراتيجية التي تنعقد عليها آمال الأردنيين في حل المشكلة التي أصبحت معروفة لدى الجميع؛ مسؤولين ومواطنين، مثل مشروع «قناة البحرين ومشروع الديسي»،

لكن هذين المشروعين لن يريا النور قريبا، فمشروع قناة البحرين ما زال في طور الإعداد لوضع الدراسات البيئية والاقتصادية، والتي لم يطرح عطاء إجرائها بعد. أما مشروع الديسي، فإن من المقرر أن يبدأ تنفيذه الشهر المقبل بعد أن تم التعاقد مع شركة تركية لهذا الأمر.

الرجل الخمسيني الآتي من السلط، كان في صورة أو أخرى يعبر عن أن أزمة المياه التي تعاني منها المدن الأردنية الكبرى، تتحول إلى أزمة مستعصية في المحافظات والمديريات على مستوى المملكة.

الرجل غادر مبنى الوزارة بعد تلقيه وعدا رسميا بتزويده بصهريج مياه لحين عودة المياه إلى الشبكات بعد أيام، ولكن هل حلت المشكلة؟.

شكاوى من كل صوب: صيف ساخن على جبهة المياه
 
17-Jul-2008
 
العدد 35