العدد 35 - أردني | ||||||||||||||
محمد عدي الريماوي تنتهي أيام الشتاء، وتبدأ الأمهات بتوضيب الملابس الثقيلة ونقلها إلى أعلى الخزانة، وتحضر تلك الخفيفة من شورتات ودشاديش وفساتين. ويجد الأب كل يوم في قائمة الأغراض المطلوبة الكثير من العصائر والمشروبات الغازية، يخرج الشباب في كل ليلة ويبقون حتى ساعات الصباح الباكر، في حين تسهر البنات على شرفة المنزل وعند شبابيك البيت، فليس مسموحاً لهن الذهاب أبعد من ذلك.. هذه هي أول مظاهر فصل الصيف، الذي يحمل في أيامه الكثير من المظاهر الأخرى. مظهر آخر يتمثل في قدوم المغتربين ودخولهم تفاصيل حياتنا اليومية، فتختلط لوحات السيارات الأردنية، بلوحات عدد من دول الخليج، بنظام الترقيم الجديد للوحاتها؛ دولة الإمارات العربية المتحدة بلوحات إماراتها المختلفة، ولوحات السيارات السعودية التي نجد منها عددا هائلا، ولوحات السيارات الكويتية المميزة، ويندر أن تجد سيارات تحمل لوحات البحرين وقطر وعمان. والأزياء تختلط أيضا في الصيف؛ فالملابس التقليدية لأهل الخليج، تختلف فيما بينها، ولكنها تشترك بألوانها البيضاء بالنسبة للرجال والسوداء بالنسبة للنساء، تختلط بملابس الأردنيين التقليدية والحديثة، وقد تجد من الأردنيين من يرتدي "دشداشة" في حنين لماض قديم عاش فيه المواطن في إحدى دول الخليج فترة من الزمن، فاعتاد على سهولة ارتدائها وخلعها، فالزي الخليجي أصبح مشهدا عادياً نراه في المجمعات والأماكن السياحية. في الصيف تتغير عادات كثير من المواطنين؛ وقد يلاحظ من يمر بسيارته في شوارع عمان الغربية شبانا يحملون معهم أكواب النسكافيه التي اشتروها من الأكشاك المنتشرة في جميع مناطق عمان، فقد تحول بيع القهوة بأنواعها إلى تجارة مزدهرة، ولكنها تزيد انتشارا في الصيف. بعض الشبان يصطفون بسياراتهم قرب أماكن مرتفعة في عمان؛ في مناطق الرابية وخلدا وعبدون، والجبيهة وأبو نصير، ويطلق الشباب على هذه الأماكن اسم "فيو" View(التي تعني بالعربية منظر مطل)، فهذا الاسم يعبر عما يبحثون عنه من مكان مشرف يكشفون به على عمان، ويستمتعون برؤية أضواء المدينة ولربما متابعة الطائرات في السماء. وتتعدد فعاليات هؤلاء الشباب من شرب النسكافيه والقهوة، إلى شرب ما هو أقوى من ذلك، وعادة ما يستمعون للأغاني الهادئة، ويروي كل منهم قصة حبه الحزينة مع بنت جامعته أو بنت جيرانه. وعادة ما تكون بين المناطق السكنية، ما يتسبب في إثارة كثير من المشاكل مع السكان القاطنين هناك، فهؤلاء الشباب ممكن أن يجلبوا المشاكل إلى تلك الحارات الهادئة. "وين بدنا نروح؟ كل الأماكن بحكيلك للعائلات فقط. أنا أصلاً ما بحب آجي هون، بس شو بدنا نسوي؟" هذا ما يقوله عز الدين ليعلل تواجده في تلك المناطق، وهي ربما الوحيدة التي تستقبله، فأغلب الأماكن السياحية، وحتى المجمعات التجارية، تغلق أبوابها طوال فترة الصيف في وجوههم، بحجة أنها "للعائلات فقط". هذه "المتع" البسيطة والمجانية، تقتصر على الشباب دون الفتيات، فزيارة الفتيات لأماكن منعزلة كهذه، يأتي بشبهة لهن. ويلاحظ أن أماكن محددة في عمان تشهد أزمات خانقة؛ مولات شارع مكة، ودوار عبدون وشارع الوكالات. في حين أن الكثير من الأماكن الجميلة الأخرى تشهد فقراًُ في الزبائن والزوار، مثل مقاهي جبل عمان وشارع الرينبو، وشارع الثقافة في الشميساني. قلائل من يزورون هذه الأماكن مع أنها تضم بين جنباتها الكثير من رائحة عمان القديمة والحديثة. "أغلب كوفي شوبات جبل عمان فاضية، مع أنها بتجنن، نفسي أعرف ليش كل الناس دابة على الصويفية وعبدون؟" يتساءل طارق الذي يفضل الذهاب لجبل عمان، بدلاً من مواجهة الازدحام في المناطق الأخرى. رغم أن أغلب مناطق عمان عادة ما تنام مبكرة في الفصول الأخرى، وتبدأ الأضواء بالخفوت بعد منتصف الليل، فإن الصيف فصل مختلف؛ فلا تعدم أن ترى أولادا يلهون في الشارع في الواحدة فجرا، أو عائلات قررت أن "تغير جو" قبل صلاة الفجر بقليل. ومن الطبيعي بعد ذلك أن تبقى كثير من المحال التجارية مشرعة الأبواب حتى ما بعد الثانية فجرا، وخصوصاً مطاعم الوجبات السريعة، التي تشهد إقبالاً كبيرا في هذا الفصل من السنة. وفي المحافظات نشهد نشاطات مختلفة، فمحافظة إربد تشهد نشاطاً مميزاً في فترة الصيف، يحركه في العادة طلاب جامعات تلك المحافظة؛ طلبة من عرب 48 الذين يكثرون في جامعات إربد، وطلاب دول الخليج الذين يجدون أنفسهم في فصل الصيف بعيدا عن الارتفاع الشاهق لدرجات الحرارة في بلدانهم. أما في السلط فيقول أحمد العوزة "أنا ما بقدر أضل في غرفتي في الصيف، الجو مغري كثير للسهر". فرغم الإغلاق المبكر للأسواق هناك، فإن التجمعات العائلية تستمر حتى ساعات متأخرة. أما في محافظات مثل الزرقاء والكرك، فيندر وجود هذه الظواهر فيها ويبقى صيفها، إلى حد كبير، مثل فصول السنة الأخرى. ويختلف صيف الفتيات عن صيف الشباب، فالكثير من العائلات المحافظة تمنع بناتها من الخروج المتكرر من البيت، فتقتصر أغلب مشاويرهن على الزيارات العائلية وزيارة الصديقات. في إشارة واضحة إلى حرمان الفتاة من بعض الحريات الممنوحة للشباب في الصيف، مما يخلق الكثير من المشاكل بين البنات ووالديهن. وفي المقابل نجد أن هناك الكثير من الفتيات يخرجن بكل حرية، ونراهن في المجمعات التجارية والمقاهي بكثرة، ويعود هذا إلى العقلية المتحررة لأهاليهم. أما المهرجانات التي يشتهر بها الأردن في الصيف، مثل مهرجان شبيب والفحيص والقادم الجديد مهرجان الأردن، فنجد أن كثيراً من العائلات تستمتع بارتياد فعالياتها، وحضور الحفلات الجماهيرية التي تقيمها، ولكن البعض منها ينأى بنفسه عن هذه الأماكن بسبب الازدحام الشديد وفقدان النظام. هذه صورة عمان في الصيف، ذلك الفصل المختلف الذي يتغير فيه الكثير، حتى تكونت له ثقافة مختلفة يمكن أن نطلق عليها اسم: ثقافة الصيف. |
|
|||||||||||||