العدد 35 - أردني
 

خليل الخطيب

ينتظر الطلبة قدوم العطلة الصيفية على أحر من الجمر، للراحة من عناء الصحو المبكر والواجبات اليومية، والامتحانات المتتالية، متلهفين على المتع العديدة التي توفرها لهم العطلة من سهر طويل، ورحلات، ومتع صغيرة أخرى.

لكن الأهالي الذين يتوقون للتخلص من أعباء متابعة أبنائهم دراسيا، لا يبدون الحماس ذاته لقدوم العطلة التي ستفرض عليهم عبء حل مشكلة الفراغ الذي سيعاني منه أبناؤهم لمدة شهرين هي فترة العطلة الصيفية.

مع ظهور المدارس الخاصة وبعض مؤسسات المجتمع المدني زادت الأنشطة الصيفية للطلبة وتنوعت، فقدمت بدائل للأسر القلقة على أثر الفراغ المحتمل على أبنائها الطلبة. أسر أخرى حسمت أمرها بالقول إن الأنشطة الصيفية مجرد ترفيه لا يقصد منه مصلحة الطلبة وإنما الوصول إلى جيوب عائلاتهم. لكن آخرين يرون فيها أمرا ضروريا للأبناء.

يستذكر كاتب هذه السطور أن "الأنشطة الصيفية بدأت منذ ما يزيد على ثلاثة عقود، بمبادرة من وزارة التربية والتعليم، حيث كانت تقدم دروسا لتقوية الطلبة الضعاف وأخرى للتعمق للمتفوقين برسوم رمزية".

المعلم المتقاعد أحمد السلايمة يلفت إلى أنه بموازاة الدروس الصيفية التي تقدمها الوزارة فإن "بعض الأندية ومراكز الشباب كانت تنظم أنشطة صيفية، mfخاصة الكشفية، أما الآن فإننا نلاحظ تنوعا كبيرا في الأنشطة الصيفية مدفوعة الثمن تنظمها المدارس والأندية، حتى رياض الأطفال".

ويتساءل المعلم المتقاعد متشككا "هل يقصد من هذا الكم المتنوع من الأنشطة مصلحة الطلاب أم جيوب آبائهم؟"

ربة المنزل نهلة العالي تجيب عن هذا السؤال بأن "معظم الأهالي يعرفون أنهم يتعرضون لبعض الاستغلال المادي من قبل الأندية الصيفية إلا أنهم يقبلون على تسجيل أولادهم فيها لأنها الخيار الوحيد لحماية أولادهم من الفراغ".

وتضيف العالي "أيامنا، لم تكن هناك أنشطة صيفية، وبخاصة للإناث؛ فكانت العطلة الصيفية عبارة عن شهرين من الملل المتواصل، أما اليوم فالأنشطة متنوعة وتتناسب مع مستوى الدخل للكثير من الأسر".

مديرة العلاقات العامة في إحدى الشركات، لبنى أبو الرب، تخالف العالي في رؤيتها إذ ترى أن "المشكلة لا تنحصر في الاستغلال المالي وإنما في رداءة الأنشطة التي تقدمها الأندية الصيفية التي تعتبر أنها مخصصة للنخبة".

وتتابع أبو الرب "في كل صيف أسجل ابناي محمد في الصف الرابع وفهد في الصف الثاني في هذه الأندية وعندما التقي بهم بعد عودتي من العمل واسألهما عما عملا في النادي أجد أن معظم الأنشطة هي الذهاب إلى المطاعم والملاهي."

وتتابع أبو الرب "استطيع أن آخذ ابني إلى المطعم أو الملاهي في المساء أنا سجلته ليتعلم جديدا أو ليطور مهارة ولم أسجله ليأكل وجبات سريعة ويلعب على السيارات هذه أنشطة ترفيهية رديئة وتعزز في نفوس الأطفال قيما سلبية"

مديرة نادي الأذكياء الصيفي منى الظواهري، التي بدأت في تنظيم النادي الصيفي منذ عام 1993 "عندما أدركنا حاجة أطفالنا للاستمرار في حالة من النشاط والحيوية بعد انتهاء العام الدراسي وأعتقد أننا كنا محقين في توجهنا هذا نظرا لما وجدناه من تحسن على مهارات الطلاب الاجتماعية وأنشطتهم وهواياتهم".

وتعلق الظواهري على شكاوى بعض الأهالي من الاستغلال المادي الذي يتعرض له الأهالي من قبل هذه النوادي "هذه الشكاوى في محلها أحيانا، فبعض الأندية تبالغ في أسعارها، من دون أن تقدم خدماتها بالجودة التي أعلنت عن نيتها تقديمها للطلبة".

جمعية المحافظة على القرآن الكريم التابعة لوزارة الثقافة تقدم نوعا آخر من النشاط للطلبة في عطلتهم الصيفية. المدير الإداري للجمعية عمر الصبيحي قال للسّجل "نظمنا هذا العام 300 مركز لتحفيظ القرآن تخدم 18 ألف طالب في المعدل، وتقدم هذه المراكز خدمات تعليمية تتعلق بقراءة القرآن وحفظه وتجويده."

وعن الأنشطة الترفيهية يبين الصبيحي أن "هناك رحلات تنظم إلى مقامات الصحابة، وهناك نشاط الباحة غير المختلط، كما أن بعضها يحتوي على طاولات لكرة الطاولة".

وتتراوح كلفة هذه الأنشطة ما بين دينارين إلى خمسة دنانير وأحيانا مجانا، تبعا لحالة الطالب المادية ومنطقة سكنه"

هذا التنوع في أنشطة الطلاب يتم وفقا لظروف أسرهم المادية ومناطق سكنهم، بحسب مسؤول في وزارة التنمية الاجتماعية فضل عدم ذكر اسمه، "فمنهم من تضطره ظروف أسرته المالية إلى قضاء العطلة في عمل يساعده على جني بعض المال، ومنهم من تمكنه ظروفه من الالتحاق ببعض الأنشطة التي تختلف تكاليفها حسب رغبة الأهل وقدرتهم" كما يقول.

وينبه المسؤول إلى أن "الأنشطة الصيفية للطلبة تزداد في المدن والمناطق ذات الكثافة السكانية العالية، وتقل في المناطق ذات الكثافة السكانية القليلة، نظرا لابتعاد القطاع الخاص عن العمل في المناطق قليلة الكثافة السكانية لكون الاستثمار فيها يكون غير مجد".

أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأردنية موسى شتيوي، يؤيد ما ذهبت إليه الظواهري ويضيء جانبا آخر من المسألة، فيرى أن فكرة الأندية الصيفية "ليست فكرة ممتازة فقط لكونها تبقي الطالب في جو من التعلم والصقل والتفاعل الاجتماعي، وإنما لكونها أيضا تمثل استجابة للتغير الاجتماعي والمتمثل في تحول الأسرة الأردنية إلى أسرة نووية تتكون من الأبوين والأبناء".

ويتابع شتيوي "في البيئة الحضرية، حيث يسكن الناس في شقق بين مجموعة من الغرباء، وحيث كثافة تحرك المركبات، ونقص في الخدمات الترفيهية العامة كالحدائق والملاعب، فإن هذه الأندية توفر بيئة آمنة للأطفال، تحميهم من مخاطر الحوادث والاعتداء والاستغلال."

وتبقى قضية الصيف وكيف يقضيه الطلبة قائمة وتشكل تحديا للمؤسسات الحكومية، ومؤسسات المجتمع المدني، والقطاع الخاص، فرغم اتفاق الجميع على أهمية إشغال الطالبة في العطلة الصيفية في أنشطة تشحذ مهاراتهم، وتصقل شخصياتهم، فإن الواقع الذي ينبغي التعامل معه هو العدالة في توزيع هذه الأنشطة على أطفال المملكة كما ونوعا، مع الالتفات إلى ضرورة ضبط جودة ما تقدمه هذه الأنشطة.

الأندية الصيفية: ترفيه للأثرياء، تعليم لمتوسطي الحال وحفظ القرآن للفقراء
 
17-Jul-2008
 
العدد 35