العدد 35 - أردني
 

سوسن زايدة

لم تجد سهام في القوانين ما يحميها من اغتصاب ابن عمها لها. رسميا سهام زوجة لابن عمها، فهو كان عقد قرانه عليها مع الخطبة، كما هو حال سكان بعض القرى ، لكن الزواج لم يتم، ما جعل الأمر محيرا، فهل يعتبر ما أقدم عليه ابن عم سهام اغتصابا؟ أم أنه ممارسة زوجية مشروعة ،ما دامت الأوراق تقول ذلك حتى لو لم يتم الزواج؟.

أرادت سهام التعرف على خطيبها بعد عقد القران. لكنها اكتشفت فيه الرجل غير المناسب لها فطلبت فسخ العقد، فما كان منه إلا أن اختطفها بمساعدة أشقائه واغتصبها وأفقدها عذريتها بقصد إذلالها.

الأهل المصدومون بهذا الفعل رفعوا دعوى اغتصاب أمام القضاء، الذي وجد نفسه عاجزا عن محاكمة الجاني، لأنه اعتبرها زوجته بدليل عقد الزواج. هنا وقف الأهل حائرين، ولم يكن أمامهم إلا أن يطلبوا من "المغتصب" الزواج بسهام "سترة لها"، إلا أنه رفض، فوقعت سهام "ضحية أخرى للتناقض بين العادات والأعراف والدين" كما تقول إسراء طوالبة الطبيبة في المركز الوطني للطب الشرعي، الذي استقبل سهام كواحدة من حالات عدة لنساء يلجأن للمركز بعد تعرضهن لأشكال مختلفة من العنف.

ليس هناك في القانون الأردني ما يسمى "اغتصاب الزوجة"، وهذا ما جعل القضاة يقفون عاجزين عن مساعدة الفتاة، وكذلك النظام العشائري في بلدتها.

القاضي الشرعي عمر الخريسات يؤكد أن الحادثة وإن كانت في هيكلها العام توحي بأن ما تم عملية اغتصاب، فإن ما حدث لا يعتبر في حكم القانون اغتصابا. ويوضح أن الاغتصاب "هو أن يقوم رجل باغتصاب امرأة غير زوجته. فبمجرد أن يتم عقد القران تصبح المرأة التي عقد قرانه عليها زوجته." وعليه فإن ما قام به خطيب سهام ليس خرقا للقانون، "لكنه بفعلته هذه خالف عرفا وعادة. وارتكب عنفا ضدها".

ويرى القاضي الشرعي أن هناك حاجة إلى تشريعات أو أنظمة تضبط مثل هذه الحالات، لأن القيم والأعراف اختلفت، "وكل عقوبة يجب أن يكون لها تكييف قانوني بالجزاء".

في الدول العربية والإسلامية من المستحيل اعتبار إكراه الزوج للزوجة على الجنس بأنه اغتصاب، بل يطلقون عليه "سوء المعاشرة الجنسية"، وهو أمر غير مجرم قانونا، كما تقول إنعام العشي، محامية وناشطة في المعهد الدولي لتضامن النساء، "ذلك لأن عقد الزواج ينص على أن إحدى غايات الزواج استمتاع الزوج بزوجته، لذلك يحق للزوجة في بعض البلدان مثل مصر أن تطلب بدل متعة".

وتؤكد هيفاء حيدر، محامية وناشطة في اتحاد المرأة الأردنية، أن المعضلة عند اللجوء للقضاء تكون في القانون. "يجب أن يكون هناك ضرر بالغ وتقارير طبية تظهر وجود أثار عنف، كالكدمات، حتى تتمكن السيدة أو محاميتها من إثبات ذلك. كما أنه لا يوجد نص قانوني يجرم هذه الحالات. وهذا يساعد على إطلاق يد الرجل ليفعل ما يشاء".

فصل قانون العقوبات مختلف حالات الاغتصاب، لكنه استثنى منها جميعا الزوجة التي يغتصبها زوجها. وتتشابه في ذلك قوانين الدول العربية باستثناء تونس التي تجرم "اغتصاب الزوجة" كما هو حال دول عديدة أخرى.

أستاذ الفقه الإسلامي في كلية الشريعة بالجامعة الأردنية، محمد القضاة يرى أن "الأصل أن تقوم العلاقة بين الزوجين على السكن النفسي والمادي وعلى المودة والرحمة والمحبة والمعروف."

يعتبر القضاة لجوء الزوج إلى إجبار زوجته على المعاشرة الجنسية اغتصابا. وأن بعض الأزواج "قد يلجأ إلى إشباع رغبته الجنسية بطريق حرمه الله تعالى، وبطريق بشع ووحشي، وهذا يعد اغتصابا، ويصل إلى حد التحريم في الإسلام، والله أعلم."

العنف الجنسي، توضح طوالبة، لا يكون فقط بالإجبار على الجنس والعنف في ممارسته، وإنما أيضا بالإهمال والهجران والمنع من الجنس أو من الاستمتاع به. "فقد يكون الزوج متزوجا من أخرى أو له علاقات جنسية أخرى ويلبي حاجته الجنسية مع غير الزوجة. أما هي فلا يمكن لها أن تلبي حاجتها من غير الزوج."

وتصف طوالبة حالات لنساء يتعرضن للضرب والذل من الزوج طوال النهار، أو أنهن يقمن بأعمال متعبة خارج البيت وداخله، وفي الليل يجبرها على الجنس بذريعة أن الملائكة ستلعنها إن لم تستجب له."

الأخصائية هيفاء حيدر، ترى أن احد أسباب العنف الجنسي يعود إلى غياب ثقافة جنسية صحيحة وغياب الحوار حول هذه القضية. السيدة هنا لا تتقبل العنف، كما ترى، وهي تقبله مرغمة ولا تستطيع الرفض، وتضيف أن كثيرا من النساء يأتين بعد فترة من الحرمان والمعاناة والعذاب قائلات إنهن لم يعدن يتحملن. "الرغبة الجنسية هي رغبة وحاجة لدى الطرفين، ومن غير المقبول أن تكون العلاقة الجنسية لإرضاء رغبة أحد الطرفين على حساب الطرف الثاني"، تقول العشي. وهي تؤكد أنه "لو جرى استفتاء النساء حول اللذة الجنسية، فإن كثيرات منهن سيستغربن السؤال ولن يستطعن الإجابة لأن لديهن مشاكل في هذا الجانب".

وهذا ما تؤكده زميلتها حيدر حول حالات نساء لجأن لاتحاد المرأة، متزوجات منذ سنوات وأنجبن ولم يعرفن اللذة الجنسية. هؤلاء النساء يعتبرن الجنس واجبا يقمن به ويصفن العملية بقولهن: "يعمل عملته بسرعة ويريحنا."

وعن حجم مشكلة غياب الثقافة الجنسية، تقول طوالبة إن أحد العاملين في الأمن قال لها مرة: "هذا ما ينقصنا، أن نقدم استدعا لنسوانا لكي ننام معهن!"

"يوجد في بلادنا مثلث محرم هو السياسة والجنس والدين، لا يجب الاقتراب منها،" تقول العشي، فالجنس من القضايا المسكوت عنها، لكن هذا لا يعني أن النساء لا يتعرضن للعنف أو لإكراه الزوج لهن في الجنس. وعدم وجود أرقام لا يعني أن المشكلة غير موجودة، فالنساء يخجلن من الحديث في هذه القضية، وإن تحدثن فلا يقلن كل شيء، كما تؤكد.

"النساء عموما يتحدثن عن مشكلاتهن تحت مظلات أخرى غير المظلة الحقيقية. لكن بعد الحديث مراراً وتكراراً يتبين أن المحرك الأساسي للمشكلة مع زوجها هو سوء معاشرة الزوج الجنسية لها،" تقول العشي، فعندما تتحدث أخصائية مع زوج يسيء المعاشرة الزوجية يجيب بأنه "يمارس حقه الشرعي وليس مضطرا لأخذ إذنها." وتشرح أن هذا مرتبط بسوء تفسير الشريعة وغياب الثقافة والوعي الجنسيين، والخجل عند الحديث حول هذا الموضوع.

تتحدث حيدر عن نساء يشتكين من إصابتهن ببرود جنسي وندرة وضعف العلاقة مع الزوج نتيجة وجود عجز لدى الزوج، لكنها تتحرج من قول ذلك.

في العام 2007 استقبلت إدارة حماية الأسرة 2944 حالة عنف أسري، أغلبها "نساء تعرضن للعنف من أزواجهن."

**

اغتصاب الزوج لزوجته..قانونيا

ينص قانون العقوبات، في مادته 292 رقم 9 في بند الاغتصاب على أن كل "من واقع أنثى (غير زوجته) بغير رضاها سواء بالإكراه أو بالتهديد أو بالحيلة أو بالخداع عوقب بالأشغال الشاقة المؤقتة مدة لا تقل عن عشر سنوات. وكل شخص أقدم على اغتصاب فتاة لم تتم الخامسة عشرة من عمرها يعاقب بالإعدام."

والمادة رقم 10 نصت على أن "من واقع أنثى (غير زوجته) لا تستطيع المقاومة بسبب ضعف أو عجز جسدي أو نفسي أو عقلي، يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة لا تقل عن عشر سنوات".

ونصت المادة (294) من قانون العقوبات "من واقع أنثى (غير زوجته) أكملت الخامسة عشرة ولم تكمل الثامنة عشرة من عمرها عوقب بالأشغال الشاقة المؤقتة مدة لا تقل عن خمس سنوات".

المادة (295) نصت على أن "من واقع أنثى أكملت الخامسة عشرة ولم تكمل الثامنة عشرة من عمرها وكان الجاني احد أصولها سواء كان شرعياً أو غير شرعي أو واقعها أحد محارمها أو من كان موكلا بتربيتها أو رعايتها أو له سلطة شرعية أو قانونية عليها، عوقب بالأشغال الشاقة المؤقتة مدة لا تقل عن عشر سنوات. ويقضي بالعقوبة نفسها إذا كان الفاعل رجل دين أو مدير مكتب استخدام أو عاملا ًفيه، فارتكب الفعل مسيئا استعمال السلطة أو التسهيلات التي يستمدها من هذه السلطة".

أما القانون التونسي فيجرم الاغتصاب الزوجي، شأنه شأن أي اغتصاب. وينطبق عليه الفصلان 227 و227 مكرر من مجلة العقوبات. هذان الفصلان لا يجعلان من صفة الزوج صفة تكسبه الحصانة من الملاحقة، أو توجد أي ظرف مخفف بالنسبة إلى المعتدي. وبالتالي، يطبق القانون على الجميع ويعتبر الاغتصاب قائماً طالما لا تتوفّر موافقة المرأة.

هذا النص القانوني ينسجم مع المادة الثانية من الإعلان العالمي بشأن القضاء على العنف ضد المرأة، والتي تنص على أن "العنف ضد المرأة يشمل على سبيل المثال لا على سبيل الحصر، ما يلي: أ. العنف البدني والجنسي والنفسي، الذي يحدث في إطار الأسرة بما في ذلك الضرب والتعدي الجنسي على أطفال الأسرة الإناث، والعنف المتصل بالمهر، واغتصاب الزوجة، وختان الإناث وغيره من الممارسات التقليدية المؤذية للمرأة، والعنف غير الزوجي والعنف المرتبط بالاستغلال."

كما عرّف التقرير الصادر عن منظمة الصحة العالمية حول العنف المنزلي لعام 2005، العنف الجنسي بوصفه أحد التصرّفات التالية: إكراه امرأة على إقامة علاقة جنسية؛ إقامة علاقة جنسية معها تحت التهديد؛ إكراهها على القيام بممارسة جنسية تعتبرها مهينة أو محبطة لقيمتها.

**

اغتصاب الزوجات: عنف “يحميه” القانون ولا يجرمه المجتمع
 
17-Jul-2008
 
العدد 35