العدد 35 - أردني | ||||||||||||||
نهاد الجريري
يتطلع الأردنيون مثل غالبية شعوب العالم للصيف، كفصل للبهجة ومحطة للراحة والتقاط الأنفاس. التطلعات المتواضعة هذه، بدأت تخيب أكثر فأكثر على أرض الواقع، سواء بسبب تقصير أجهزة حكومية أو نتيجة سلوك اجتماعي. وكما أن حلول الشتاء يكشف عيوباً في بلادنا سواء في البنية التحتية، أو في خطط مواجهة تصريف المياه وموجات الثلج أو توفير الطاقة مثلا، كذلك الصيف.. يحمل معه الدفء والنور، لكنه كل عام يثير علامات استفهام عن مدى الجهوزية على المستويين الشعبي والحكومي، للتعامل مع تحديات اقتصادية وظواهر اجتماعية وبيئية، باتت تأخذ منحى سلبياً يرتبط بهذا الفصل. مشكلة المياه تبرز في أقسى صورها. فرغم زيادة استهلاك المياه في المنازل والفنادق بسبب تدفق العائدين والزوار وزيادة حجم الأعمال المنزلية وسقاية المزروعات، فإن كمية المياه الواصلة إلى خزانات المواطنين تكون في معظم الأحيان أقل من المعدل البالغ 150 م3 سنويا، وهي بدورها أقل من خط الفقر المائي المحدد عالميا بـ1000 م3 في السنة. مرد ذلك إلى قلة منسوب المياه التي تخزنها السدود بسبب جفاف الموسم المطري بشكل رئيس. وبكل الأحوال، يلاحظ في الصيف تفاوت في توزيع المياه حسب حصة الفرد التي تصل في عجلون مثلا 78 لترا أما في الكرك فتبلغ 158 لترا. هذا التفاوت يضطر كثيرين للجوء إلى صهاريج المياه أو تحصيل احتياجاتهم من مسجد الحي مثلا. كذلك الحال بما يتعلق بخدمة الكهرباء. الحمل الكهربائي المتوقع هذا العام سيصل 2290 ميغاواط في ارتفاع واضح عن 2160 ميغاواط العام الماضي. جزء من الارتفاع يعود لازدياد تشغيل المكيفات. متخصصون يلفتون إلى أن أحد الحلول لهذه المشكلة قد يكمن في تعديل أنماط البناء بما يضمن تهوية وإنارة جيدتين للمنازل. من سوء الطالع أن موسم الصيف الحالي يأتي في ذروة ارتفاعات الأسعار. ولما كانت نفقات الحياة تزداد بطبيعتها في هذا الموسم، فإن موجة الغلاء المتنامية، تكاد تحبط كل قدرة على التأقلم الذي برع فيه الأردنيون،وهو ما يفسر حالة التوتر وحتى الذهول التي يعيشها الناس في موسم يفترض أنه للراحة والانشراح. أزمة السير تتجلى في أقسى صورها في الصيف، علماً أن الوضع ليس مريحاً في بقية الفصول،وهو ما يظهر في شوارع العاصمة تحديداً من ازدحام شديد في حركة السير ليلا ونهارا.دون أن يكون الحال في السلط وإربد والزرقاء أحسن بكثير. مرد ذلك كثرة الرحلات والتنقلات، فالنهار في الصيف طويل وطالما ثمة «نور» فثمة مجال للخروج إما للتبضع أو التنزه. هكذا تزدحم جنبات الطرق، مثل شارع المطار، بالمتنزهين وقت الغروب تحديدا، كما تزدحم الطرق الداخلية في العاصمة حتى ساعات متأخرة من الليل. ارتفاع اسعار البنزين لم ينعكس بعد، بصورة ملحوظة، على ترشيد استخدام السيارات الخاصة. أما المواصلات العامة فحديث خرافة ! إذ يتقلص وجودها ويكاد ينعدم في غرب وشمال عمان، باستثناء التكسي الاصفر الذي يسرح ويمرح، و يسبب من المشكلات أكثر مما يوفر حلولاً. جزء من الزحام تتسبب به مواكب الأعراس «الفاردات»،التي لم تعد تقتصر على يوم الخميس أو الجمعة، كما جرت العادة قبل سنوات. لا يكاد المحتفلون يلقون بالاً لمستخدمي الطريق فيثيرون الفوضى في الشوارع وعلى الإشارات المرورية، بما تعجز عن مواجهته أحيانا أجهزة إدارة السير. ليس غريبا في شوارع عمّان أن تتوقف «الفاردة» على إشارة ضوئية ليخرج المحتفلون من السيارات ويرقصون وسط الشارع بانتظار الضوء الأخضر. محمد الحباشنة طبيب نفسي يذهب أبعد من الإشارة إلى مجرد التسبب بازعاج، وذلك في اعتباره هذه الظاهرة تعبيراً عن «عنجهية الجماعة» التي تعتبر أنه يمكن بالكثرة،السطو على القانون وعلى حرمة الشوارع وحقوق الغير. في العديد من دول العالم تقام عبر شوارع رئيسية كرنفالات جماعية تعكس فنون وأنماط حياة مجتمع بعينه، تجتذب اليها الزوار وأهل البلد من مختلف الشرائح ، وتثير أجواء احتفالية بهيجة . استعراضات الأعراس عندنا تخلو من اية لمسة فنية ، حيث يجري توظيف الفرح العائلي لإزعاج الآخرين والاستهانة بهم ، والمباهاة باستعراض أكبر عدد من السيارات الخاصة وانتهاك قواعد المرور. الصيف في العالم كله هو فصل الإجازات والعطل، والأردن ليس استثناء. في كل صيف يستقبل الأردن نحو مليون زائر من منطقة الخليج فقط ما بين مصطافين خليجيين ومغتربين. هؤلاء يضيفون إلى الزحام زحاماً ليس فقط في مناطق الترفيه، وإنما في بيوت العائلات أيضا ممن يستضيفون أبناءهم وأقرباءهم. الصيف أيضاً هو موسم الامتحانات وبخاصة امتحان التوجيهي. فكثير من العائلات بالكاد تلتقط أنفاسها بين انتهاء فترة الامتحان،لتعلن النتائج بعد أقل من شهر وتبدأ معها التحضيرات للجامعات والمعاهد. وبينما يعود إلى البلاد طلاب يدرسون في الخارج في الإجازة الصيفية، يستعد آخرون للتوجه لبدء دراستهم في الجامعات العربية والأجنبية. هذا الحراك متوقع ومقبول، وهو يعكس، في الأساس، حيوية الأفراد والمجتمع، وله عوائد اقتصادية مجزية على بعض المرافق والقطاعات الخدمية.غير أن أخطاء بقية فصول السنة «تنفجر» في الصيف تحت شمس لا تحجب شيئاً.وبالذات ما بات يبدو من حراك عشوائي ومظاهر فوضى وتلوث بيئي وسمعي. ذلك يجعل من الصيف وقتا مثقلا بالأعباء وزاخراً بالضجيج،أكثر منه وقتاً للترويح عن النفس و«شم الهوا»، فهو أشبه بالعيد، يفرح له الأولاد، لكنه يثقل كاهل الآباء والأمهات بكيفية تأمين متطلباته التي تضاعفت مع زيادة تعقيدات الحياة العصرية، وكيفية النجاة من الأعباء المتزايدة داخل المنزل أو لدى الخروج الى الشارع. |
|
|||||||||||||