العدد 34 - كتاب | ||||||||||||||
تجذب تركيا مزيداً من الاهتمام بها في العالم العربي، ويكتشف العرب الرسميون وغير الرسميين أن تركيا بلد جار وبالغ الأهمية. بلد صناعي وعضو في حلف الأطلسي، ويقود البلاد حزب ذو جذور إسلامية. على المستوى السياسي، شهدت أنقرة منذ شهور مفاوضات سورية - إسرائيلية غير مباشرة، برعاية تركيا، وهي أول مفاوضات بين الجانبين منذ نحو خمسة عشر عاماً. على صعيد آخر هناك الإقبال المتزايد من الناس في غير بلد عربي على زيارة بلد أتاتورك، وعلى شراء سلعه المنتشرة في الأسواق، وصولاً الى متابعة مسلسلات تركية (مدبلجة بالعربية)، بما يدلل على المكانة التي تحظى بها بلاد الأناضول، رغم إرث من عدم الرضى على الحقبة العثمانية الطويلة التي امتدت لأربعة قرون. منذ أسابيع تشهد تركيا حراكاً داخلياً يتمحور حول الموقف من حزب التنمية والعدالة، صاحب الأغلبية البرلمانية، والذي يقود السلطة التنفيذية (رجب طيب أردوغان) ورئاسة الجمهورية (عبدالله غل). ربما كان وصف الحراك تعبيراً ملطفاً، فواقع الأمر أن المؤسسة العسكرية، والسلطة القضائية تنظران في مشروعية حزب التنمية، وهناك مخاوف جدية من قرار قضائي قد يصدر بحظر الحزب، وذلك بعد نقض قرار سابق كان يبيح استخدام الحجاب في الجامعات. ذلك يدلل على أن قوى نافذة ترفع راية العلمانية، لم تتكيف بعد وربما لم ترتض نتائج الانتخابات النيابية، والرئاسية التي وضعت ممثلي حزب ذي جذور إسلامية على رأس الحكم. يذكر ان هذا الحزب يقر بالدستور التركي الذي ينص على علمانية الجمهورية التركية.وقد شدد أردوغان، وعبدالله غل، غير مرة على التزامهم بالدستور. محاذير هذا الصراع تكمن في أمرين أساسيين: الأول هو الالتفاف على المقتضيات الديمقراطية، والقيام بما يشبه انقلاباً بعد أن ولى زمن الانقلابات العسكرية. بما يشكل خطوة كبيرة الى الوراء، ويبث رسالة سلبية الى الخارج مفادها أن الديمقراطية قابلة للتراجع عنها والانقلاب عليها. المحذور الثاني يتمثل في التعامل الخاطىء وغير الدستوري مع حزب إسلامي النزعة،هو حزب التنمية الذي يتمتع في الوقت نفسه بطابع عصري وإصلاحي، وليس أدل على ذلك من تمسك قادته بانضمام البلاد الى الاتحاد الأوروبي، فيما يرفض ذلك بعض القوميين المتشددين،الذين يدعون العصرية والعلمانية. تركيا سوف تخسر تجربة واعدة وخلاقة يمثلها هذا الحزب، كما ستلحق الخسارة بالعالم الإسلامي الذي يبحث عن نموذج يصلح لاستلهامه،بعيداً عن نموذج القاعدة والتكفيريين عموماً، وعن حزب ولاية الفقيه وما شاكله من تنظيمات. من هذه الزاوية فإن الصراع الدائر يهمنا في العالم العربي، وسط حالة الضياع وانسداد الآفاق التي نعيش.إذ إن أي استهداف لحزب التنمية والعدالة من طرف علمانية أصولية، سوف يبهج كل الأصوليين في العالم الإسلامي الذين ينظرون بعين الريبة والتوجس الى حزب أردوغان وعبداله غل في بلاد الأتراك. |
|
|||||||||||||