العدد 34 - حريات
 

سوسن زايدة

عند الحديث عن التسامح في التغطية الإعلامية لقضايا الدين، يثور سؤال: من يتسامح مع مَنْ؟ الإعلام أم الجمهور؟ المؤسسات أم الأفراد؟ النظام أم الأعضاء؟

وربما كانت قضية رسوم الكارتون التي نشرت في عدد من الصحف الدانماركية التي اعتبرت مسيئة للرسول، أبرز القضايا في هذا المجال في السنوات الأخيرة. ورغم أن الرسوم تمت قبل أكثر من عامين في ذلك البلد الأوروبي الشمالي، فإن أثرها في البلدان العربية والإسلامية استمر حتى اليوم، ولعب فيها الإعلام الأردني دوراً لافتاً. وبخاصة بعد أن أصدر مدعي عام محكمة عمان مؤخراً، مذكرات حضور أمام القضاء الأردني، بحق 20 شخصاً، منهم رسامو الكاريكاتير الدانماركيون الذين رسموا الصور الكارتونية ورؤساء تحرير 17 صحيفة دانماركية نشرت الرسوم. وقد صدر الأمر القضائي إثر دعوى قدمتها حملة «رسول الله يوحدنا» وتضم نحو 30 مؤسسة أردنية، إعلامية ونقابية وحزبية وبعض النواب.

كما رفع القائمون على الحملة دعوى مماثلة ضد النائب الهولندي غيرت فيلدرز الذي أطلق فيلم «فتنة» على الإنترنت في آذار الماضي، ويتوقع هؤلاء صدور مذكرات حضور مماثلة خلال الأيام المقبلة.

رئيس الحملة، زكريا الشيخ، نفى أن تكون القضية مرفوعة ضد إعلاميين مارسوا حقهم في التعبير، «حق التعبير عن الرأي مقدس. لكن المفهوم الغربي لحرية التعبير والضوابط والشروط والأسس لتلك الحرية يختلف عن مفهومنا، وللأسف، فإنهم يريدون أن يفرضوا مفهومهم علينا وفي بلادنا ذات الثقافة والحضارة المختلفة تماما عن حضارتهم».

وبالنسبة للشيخ، فإن «تسب الأنبياء وتثير الفتن والكراهية بين الحضارات والأديان، وأن تنتقل إلى القدح والذم والتشهير، وبخاصة فيما يتعلق بأرباب الشرائع السماوية، هو خط أحمر لا يقع ضمن حرية التعبير. حرية التعبير المسؤولة تعني أن حريتك تنتهي حينما تتعدى على حرية الآخر».

ويضع الشيخ تعريفاً للإعلام يحرص على أن يكون متسقاً مع المفهوم الذي يتبناه: «الإعلام وسيلة للتثقيف وتوصيل المعلومة وسيلة لترسيخ التعايش بين الأمم والحضارات والأديان، وليس وسيلة لنشر الكراهية والفتن، والتدمير، وإيصال العالم إلى حافة الهاوية»، يقول الشيخ.

قد تجد الحملة الأردنية المضادة لحملة الدانماركيين العشرين مبرراً في خضم الأصوات القائلة بوجود «عداء للمسلمين» أو «رهاب الإسلام» في الغرب. وقد يستند هؤلاء إلى المواثيق والمعاهدات الدولية التي، إلى جانب تركيزها على حماية حرية التعبير والرأي، حرصت على حماية الأقليات، ومنها المسلمة، في الغرب من العنصرية.

لكن هل هناك أية مواثيق ومعاهدات دولية، عدا القوانين المحلية، تبرر حملات «التكفير والردة» التي استهدفت مفكرين وكُتّاباً وصحفيين أردنيين وعرباً عبروا عن آراء جعلت منهم أقليات في بلدانهم.

بعد أن شن عليه إسلاميون متطرفون هجوماً وهدروا دمه، واجه الشاعر الأردني موسى حوامدة قراراً بالحبس لثلاثة شهور بسبب مخالفة قانون المطبوعات والنشر، على مجموعته الشعرية «شجري أعلى» التي صادرتها دائرة المطبوعات والنشر العام 2000. وبعد أن حوكم حوامدة أمام المحاكم الشرعية خمس مرات، رفعت وزارة الإعلام ممثلة بدائرة المطبوعات والنشر قضية جديدة ضده، وبعد شهور صدرت براءته من تهمة «تحقير الأديان ومخالفة قانون المطبوعات»، لكن النائب العام استأنف الحكم ضده.

وعلى خلفية مقال نشرته، شن إسلاميون متطرفون حملة على النائب الأردنية الأسبق توجان فيصل، رفعوا عليها قضية واتهموها بالردة وأهدروا دمها وطالبوا بسحب أطفالها وأموالها منها.

بعد تحريض إحدى المواقع الإلكترونية الأردنية على رواية «مطر الله»، للعراقية المقيمة في الأردن هدية حسين، بحجة إساءتها للدين، قررت دائرة المطبوعات والنشر منع الرواية هذا العام بعد أن كانت قد وافقت على دخولها للأردن سابقاً.

الكاتب الفلسطيني المقيم في لبنان، صقر أبو فخر، الذي منعت دائرة المطبوعات والنشر كتابه «الدين والدهماء والدم» بسبب احتوائه على ما اعتبر «إساءات للصحابة والعلماء والفقهاء»، و«مساساً بالمعتقدات الدينية الإسلامية والمذاهب»، واشتماله على «افتراءات على الصحابة وإدعاءات لا أساس لها من الصحة»، يرى أن «أي إجراء يقمع الحريات، وبالذات حرية التفكير، يعزز قوة الأصوليات في المجتمع. لأن هذه الجماعات لا يمكن أن تنتعش إلا في بيئة تنعدم فيها حرية التفكير».

ولا يستغرب أبوفخر أن تسكت السلطات عن كتب من نوع «زواج الجان من بني الإنسان» و«امرأة أنجبت للشيطان» و«القبر يتكلم» و«الجن وعلم الفيزياء» و«أعرف شخصيتك من قفاك». وأنكى من هذا كله أن كتب أيمن الظواهري تباع في كل مكان بينما كتب نصر حامد أبو زيد، ومحمد سعيد العشماوي، وحسن حنفي، ونوال السعداوي، والصادق النيهوم، وصادق جلال العظم ممنوعة في كثير من العواصم العربية».

وكما هو الحال في معظم الدول العربية، حظر الأردن العام 2005 رواية «شيفرة دافنشي» للروائي البريطاني دان براون بعد أيام من تداولها وبيعها في السوق. قرار منعها من قبل دائرة المطبوعات والنشر الأردنية جاء بتوصية من مجلس الكنائس العالمي بعد ارتفاع أصوات كثير من الرموز المسيحية الأردنية التي نادت بحظر «رواية الشر» هذه في مشهد يذكر بأجواء ما بعد إهدار دم الكاتب البريطاني من أصل هندي سلمان رشدي بسبب روايته: آيات شيطانية.

وتفرد الأب حنا الكلداني من مطرانية اللاتين بمعارضته لحظر الكتاب كونه يتعرض لشخص السيد المسيح. «من الخطأ التعامل مع الناس على أنهم قاصرون وغير قادرين على اتخاذ قرار بشأن كتاب سواء أكان جيداً أم سيئاً». أما فيلم «آلام المسيح» فاتهمته جماعات يهودية العام 2004 بمعاداة السامية حيث إنه يلقي باللائمة على اليهود في صلب المسيح، ومنع عرضه في إسرائيل. وطالبت بمنع عرضه في دور السينما. في حين عرض الفيلم على شاشات معظم الدول العربية.

في الكويت يحظر عرض أفلام تتعرض للأنبياء الذين يعترف بهم الإسلام، ومنهم المسيح، ولكن أحد الزعماء الشيعة الكبار؛ آية الله محمد باقر المهري، دعا إلى التعامل مع الفيلم كحالة خاصة لأنه «يعرض جرائم اليهود». ومصر التي رفضت في حينه عرض فيلم «ملك مصر» وافقت على عرض فيلم «آلام المسيح».

أصوات مدافعة عن حرية التعبير ترى أن القيود على هذا النوع من الحرية تحديداً، في تزايد منذ 11 أيلول، وأن الجماعات الدينية والسياسية التي تعمد إلى تكفير معارضيها وإسكاتهم بذريعة مناهضة «رهاب الإسلام» تتبع في نهجها هذا خطى من استخدموا شعارات مثل «الحرب على الإرهاب» لإسكات منتقديهم، وشعار «العداء للسامية» لقمع الأصوات المنتقدة لسياسات الاحتلال الإسرائيلي. إنها ازدواجية المعايير في أجلى صورها!.

**

حرية الأديان في القوانين الأردنية

تنص المادة 15 من الدستور الأردني على ما يلي:

1 - تكفل الدولة حرية الرأي، ولكل أردني أن يعرب بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير، شرط ألا يتجاوز حدود القانون.

2 - الصحافة والطباعة حرتان ضمن حدود القانون.

تنص المادة 278 الخاصة ب"إهانة الشعور الديني للآخرين" من قانون العقوبات، على أن يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر أو بغرامة لا تزيد على عشرين ديناراً كل من : 1. نشر شيئا مطبوعا او مخطوطا او صورة او رسما او رمزا من شأنه أن يؤدي إلى إهانة الشعور الديني لأشخاص آخرين او الى إهانة معتقدهم الديني ، او 2. تفوه في مكان عام وعلى مسمع من شخص آخر بكلمة او بصوت من شأنه أن يؤدي الى إهانة الشعور او المعتقد الديني لذلك الشخص الآخر.

وفي عام 2006 وقع الأردن على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، ونشر ذلك في الجريدة الرسمية ليصبح ملزما في المحاكم الأردنية، وتنص المادة 19 منه على أن: 1. لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة. 2. لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها. 3. تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذه المادة واجبات ومسؤوليات خاصة. وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية: (أ) لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، (ب) لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.

أما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فهو وثيقة أخلاقية غير ملزمة للدول، وتنص المادة 19 منه على أن «لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية».

الأديان وحرية التعبير: علاقة ملتبسة يؤجج نارها المتطرفون!
 
10-Jul-2008
 
العدد 34