العدد 34 - ثقافي
 

هناك رواج لنوع من الكتّاب الخالين من الموهبة والوافدين إلى المشهد الإبداعي والثقافي من البوابة العريضة للعلاقات الشخصية. في الوقت الذي يغيب فيه فعل القراءة النقدية التي يقتصر حضورها على مقولات جاهزة لم يجر إبداعها بل ثمة حفظ لمقولات هي غالباً نتاج الدرس النقدي الغربي لا إضافة الناقد.

هذا الأمر نسبي ويختلف من مثقف إلى آخر، فالشاعر زياد العناني، محرر الصفحة الثقافية في جريدة "الغد" يرى أن "الإبداع لم يعد هاجساً لدى القاصين والشعراء الجدد من الذين حضروا في المشهد الثقافي خلال عقد مضى" وبحسبه أيضاً: "أنت لا تستطيع أن تتذكر اسماً واحداً من الشعراء الذين ظهروا خلال تلك الفترة فكيف تتحقق من ملامح تيّار أو اتجاه في الأدب قد شكّله هؤلاء".

ويؤكد العناني، صاحب "خزانة الأسف" و"تسمية الدموع" : "للأسف ليس هناك جيل جديد من المبدعين على الرغم من تعدد المنابر الثقافية واتساع منظومة النشر الإلكتروني، الأمر الذي أفقد كل جديد تلك النكهة الخاصة به عندما كانت تُنْشر قصة جديدة أو قصيدة وتكون مبشرة بصاحبها، وكان ذلك يثير بهجتنا. اليوم الأشياء الجديدة فقدت طعمها من جرّاء هذا التعدد المذهل في وسائط النشر التي لم تضف شيئا للأسف".

دار أزمنة للنشر لها تجربتها في إطلاق مواهب جديدة عبرسلسلة "تباشير" التي بدأت الظهور مطلع التسعينيات من القرن الماضي، وذلك لعدد من كتاب القصة القصيرة والشعراء، مدير الدار الروائي الياس فركوح ليس متفائلا على الأرجح، بل يبدو الرجل غاضباً على كل شيء: " هي مرحلة تحوّلَت فيها الكتابة المنشورة، كمتفرقات في الصحف أو كتجميع في كتب، لتكون شكلاً مستحدَثاً لغواية الظهور والاستعراض السهل المُتاح والمُباح لكل ذي عقدة تنزعُ إلى "البَرْوَزَة". وهي أيضا مرحلة النجوميّة الخفيفة التي يمكن معاينتها في شتّى المجالات العامة. فإذا كان الحال الاجتماعي المتخلّّف والمتراجع ثقافيّاً في أعماقه، المزدهر والبَرّاق في ظاهره، يجيز لأنصاف وأرباع المواهب (غير المشتغلين أصلاً على تنميتها وإنضاجها بالعمل الدؤوب) أن يتحوّلوا في زمن قياسي إلى أعلام وعناوين في عالم الغِناء والفنون والآداب، إذَن: لِمَ لا يكون الأدب الخفيف المستخِفّ بأصوله والهازىء بقُرّائه (إنْ وُجدوا) رديفاً لازماً لفيالق هذه الخِفّة المحتمَلَة جداً المرغوبة جداً المزركشة جداً"، وبوقاً زاعقا ووقحاًً في جوقة هذا الزمن العازفة لحنَ الرجوع بنشوةٍ مضحكة، وشهوةٍ هجينة؟".

يحيل الروائي فركوح الأمر إلى سياقاته التي أنتجته: "لطالما رددنا أنَّ الأدب، في أحد وجوهه، يعملُ على تجليّة طبيعة مجتمعه المنتج له، بمعنى أنه يكشف حركته ومضمونه. غير أنَّ وجهاً آخر لهذه المقولة لم تكن الإشارة إليه كافيّة، وجهاً يقول: إِنَّ مجتمعاً باتت شروطه مفككة ورخوة ، على اختلافها وتعددها، فإنه لن يكون إلاّ مُرَّحِباً بأدبٍ يتسمّ بميسمه ـ إذ هو وريثُ جيناته المضروبة. أليس كذلك؟".

على خلاف ذلك يضع الشاعر الشاب إسلام سمحان، ، عبء المسؤولية على عاتق النقد والقراءة النقدية لجهة غياب الصوت الجديد في الشعر والقصة، فيدعو إلى ما أسماه "حركة عدم انحياز نقدية" تتناول الأعمال الإبداعية الأولى لأصحابها بكل حياد وشفافية بعيدا عن "جميل" و"رائع" المستهلكتين اللتين لا تقدمان شيئا لا للإبداع ولا للمبدع، بحسب الشاعر سمحان الذي يرى أن "غياب النقد الحقيقي والمهنية في ممارسته قد أفضيا إلى ظهور أسماء لا صلة لها بالأدب، في حين تعرض مبدعون حقيقيون للظلم فلم يجر نقد تجارب الكتّاب الشبان ولم يوجّههم أحد صوب هذا الصح أو الابتعاد عن هذا الخطأ".

صدر لسمحان مؤخرا ديوانه الأول "برشاقة الظل" عن دار فضاءات ويعمل محرراً في القسم الثقافي في صحيفة "العرب اليوم"

يعزو سمحان ذلك إلى "عدم وجود حركة نقدية حقيقية ما أدى إلى طمس النصوص الموهوبة وبروز غير منطقي لنصوص رديئة استناداً الى علاقات شخصية وصداقات بين طرفين لا يمثلان بحال طرفي المعادلة الإبداعية الحقيقيين".

أما الشاعرة سناء الجريري التي حاز ديوانها الثاني "شؤون كونية" الصادر مؤخرا عن دار فضاءات للنشر على إشادة وردت في البيان الختامي للجنة التحكيم مسابقة الكتاب الشباب للعام 2006 التي تنظمها مؤسسة عبد المحسن القطان، فأكدت أن كتابها قد قُرىء بنسبة 50بالمئة محليا فقط وبتمعن بما يعادل النصف من هذه النسبة، وأكدت "أن النقاد هنا متخصصون في الأسماء الكبيرة فحسب ولا يغامر النقاد بفعل قراءة حقيقية لمنجز الشباب عموما".

ناشر ديواني إسلام سمحان وسناء الجريري، الشاعر جهاد أبو حشيش لم ينف المشكلة وقد حددها ب"ندرة النص الأصيل" لدى جيل الشباب بحد تعبيره، فرأى "أن هناك شلليات أدبية تسعى إلى إشهار فرد أو أفراد ضمن ما يشبه الاتفاق ،على أن يكون كل فرد منهم مروِّجاً لغيره، لكنهم لا يذهبون إلى العمق بل يبقون على السطح كالزبد"، مؤكدا أن "النص المبدع والموهوب هو الذي يسود في آخر الأمر ،لأننا قد نخضع لسلطة الإعلام في لحظة ما لكن عندما نكون في مواجهة مباشرة مع النص كقراء ،فإننا لن نتوانى عن قذفه بعيدا على الرغم من أن المشكلة الرئيسية هي أن بعض الكتبة يستهوون التصفيق ونحن وهم نعلم تماما سذاجة وسطحية ما يكتبون".

في الفم ماء كما قالت العرب قديماً في وصف المقام عندما تكون الحال عسيرة على ما يؤكد الروائي فركوح، وهو يختتم هذه السطور: "في ظِل حالة بائسة كهذه، ولدى جيل أو أكثر لم يعاين وعيُهُ المتفتح سوى مَشاهد الخراب، وشواهد التحلل القيمي على أنها الأمر الطبيعي، واحتقار الكِتْاب واستصغار شأن الكُتّاب حتّى داخل حَرَم الأكاديميات؛ فإن أكثر ما يستفزني هو الرغبة الفاحشة في إجباري وإجبار غيري على التسليم بأن الحبّة قُبّةُ وعليٍّ أن نحرق البخور لها .. وأن نكسوها بالقماش الأخضر الجليل عند كل إصدار لكتابٍ جديد وإلاّ فالمحرقة لنا... و الأكفان من نصيبنا!".

ممنوع ظهور جيل جديد من المبدعين
 
10-Jul-2008
 
العدد 34