العدد 34 - استهلاكي | ||||||||||||||
اعتاد الأردنيون أن يغرقوا أنفسهم في بحر من القروض، مدفوعين في ذلك بمحدودية قدرتهم الشرائية وارتفاع أسعار المواد الأساسية والكمالية على حد سواء. وبحسب عاملين في القطاع البنكي، ازدادت مؤخراً طلبات الحصول على قروض لأسباب تصنفها البنوك على أنها "شخصية". ويتم الحصول عليها لأسباب "كمالية" مثل تغيير أثاث المنزل، أو شراء جهاز تلفزيون حديث أو السفر والرحلات. ناهد مصطفى، 31 عاماً، تحصل سنوياً على قرض بنكي يتراوح بين 500 و700 دينار تسددها بواقع 50 ديناراً شهرياً، وذلك لإجراء عملية تجميل "حقن دهون في الخدين" بشكل سنوي. ورغم أنها تقر بأن هذا العملية قد تبدو كمالية في رأي الكثيرين فإنها مهمة جداً بالنسبة لها. ولكن هيثم 26 عاماً "غارق في الديون حتى أذنيه"، على حد تعبيره. فالشاب الذي يعمل مصمم ديكور براتب شهري قدره 700 دينار يدفع أكثر من 600 دينار شهرياً لتسديد قروض يحصل عليها من البنوك. قروض هيثم تتوزع ما بين شراء سيارة حديثة "وكالة"، نظام سماعات سيارة "فخم"، قرض شخصي لشراء ملابس جديدة وأحذية، وجهاز كمبيوتر "لاب توب" يضاف إلى جهاز كمبيوتر مكتبي اشتراه منذ عام مضى. ورغم أن تعليمات البنك المركزي تمنع أن يتجاوز القسط الشهري لسداد القروض 40 بالمائة من الراتب، فإن هيثم تمكن من الالتفاف على ذلك بالحصول على ثلاث بطاقات ائتمانية من ثلاثة بنوك مختلفة. هيثم يعتمد على والده وأخويه للوفاء بباقي متطلباته من بنزين ومصروف شخصي، ويؤكد انه لن يستطيع التفكير بالزواج حتى يُتم سداد ديونه. يقول مبتسما: "أتوقع أن أغرق في الديون مرة أخرى عندما أفكر في الزواج، لأنني لا أملك أية مدخرات، وليس لدي بيت أسكن فيه عند الزواج". رامي الساعي، تزوج حديثاً "بالدين". الساعي الذي يعمل في الجيش، حصل على قروض شخصية متعددة بضمان راتبه وراتب زوجته التي تعمل معلمة في إحدى المدارس الحكومية. يقول: "لم يتردد البنك في إعطائنا مجموعة من القروض الشخصية. والآن يذهب أكثر من 50 بالمائة من راتبي وراتب زوجتي لسداد الأقساط الشهرية". وتفضل البنوك إعطاء قروض للعاملين في القوات المسلحة، والقطاع الحكومي، وذلك لأن نسبة المخاطرة في هذه القروض منخفضة جداً. وقالت مديرة التسهيلات في أحد البنوك أنها فوجئت مؤخرا بأعداد المتقدمين للحصول على قروض شخصية، وذلك لشراء حاجيات استهلاكية أو أجهزة كمالية. تقول: "أستغرب عندما يتقدم شخص للحصول على قرض قيمته 3 آلاف دينار وذلك لشراء تلفاز كبير!" مديرة تسهيلات في أحد البنوك فضلت عدم الكشف عن اسمها تعترف أن بنكها يشجع على إعطاء قروض صغيرة، فهي عادة ما تكون مخاطرها منخفضة. ولكنها تلفت إلى أن العديد من عملاء البنك يلجأون إلى الحصول على عدة قروض صغيرة، ما يقلل من قدرتهم على الحصول على قروض خصوصا إذا كان دخلهم ثابتاً. تقول: "يزورني كثير من العملاء الذين يغضبون إذا لم يحصلوا على قروض جديدة بعد تجاوزهم حد الـ40 بالمائة، وهو الحد الذي قرره البنك المركزي. ما يؤلمني أكثر هو أنهم يحصلون على قروض لشراء أشياء كمالية ولكنهم لا يستطيعون الحصول على قروض لأغراض مهمة وضرورية أحياناً مثل إجراء العمليات الجراحية، وذلك لوصولهم الحد الأعلى من القسط الشهري." وتؤكد مديرة التسهيلات أنها تخالف تعليمات بنكها أحياناً وتنصح العديد من المراجعين بعدم الحصول على قروض لأسباب كمالية، خصوصاً إذا كانوا تقاضوا قروضاً في السابق وكان قسطهم الشهري مرتفعاً. عامل في قسم التسهيلات في بنك آخر يؤكد أن "حمى الإقبال على القروض"، ازدادت مؤخراً بسبب رغبة العديد من عملاء بنكه بالحصول على قروض لغايات شراء أسهم في شركات تطرح أسهمها للاكتتاب العام. الربح المتأتي بعد طرح أسهم هذه الشركات في السوق المالية يغري كثيرين بالحصول على قروض. المحلل الاقتصادي، حسام عايش، يقدر أن ما يتجاوز 70 بالمئة من الأردنيين حاصلون على قروض بنكية بشكل أو بآخر. انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين "وازدياد مغريات الحياة الاستهلاكية خصوصاً التكنولوجية منها"، عوامل تزيد من شهية الأردنيين على الشراء والاقتراض. ويلفت عايش إلى أرقام دائرة الإحصاءات العامة التي تؤكد أن إنفاق الأسرة الأردنية يزيد في المعدل بنحو 20 بالمائة عن دخلها. ويؤكد المحلل الاقتصادي أن السبب في ذلك يعود إلى أن الأسر تتحصل على سلف وقروض على شكل بطاقات ائتمانية. ويستدرك عايش بقوله انه "لا يلوم المواطنين على هذا الإقبال الشديد على القروض، وذلك لأنهم معرضون يومياً إلى سيل هائل من الإغراءات عبر وسائل الإعلان المختلفة، للحصول على مزيد من القروض لشراء المزيد من السلع الكمالية. |
|
|||||||||||||