العدد 34 - أردني | ||||||||||||||
السّجل - خاص في تشرين الأول/أكتوبر 2003، صدر قرار بإلغاء وزارة الإعلام. وكان صدور القرار استجابة لرغبات وطلبات كثير من المهتمين بالشأن الإعلامي، الذين لاحظوا أنه لا وجود لوزارة الإعلام في كثير من الدول المتقدمة، وبخاصة الليبرالية، وأن وزارة الإعلام عنوان مركزية إعلامية هي اليوم خارج العصر. وقد أمل هؤلاء في أن يكون صدور القرار توطئة لابتعاد المؤسسات الإعلامية الرسمية عن المركزية، ما يتيح لها حرية الحركة لتكون إعلام دولة ووطن وليس إعلام حكومة. من أبرز المتحمسين لهذه الفكرة كان وزير الإعلام آنذاك طالب الرفاعي. ويروي الرفاعي عن هذه التجربة أنه نقل للملك عبد الله الثاني أفكاره حول السير بشكل تدريجي نحو استقلالية المؤسسات الإعلامية بحيث تكون لها إداراتها وسياستها المستقلة من منطلق أن "ثمة تناقضات وتضارباً في المصالح داخل وزارة الإعلام، فهي الجهة المنظمة والمشغلة للهيئات الإعلامية، وفي الوقت نفسه، هي الحامية للحريات الصحفية وهي الجهاز الضابط لعملهم والمراقب على أدائهم". ومن هنا، بدأ الرفاعي أولى الخطوات التمهيدية في هذا التوجه، حتى قبل إلغاء وزارة الإعلام، فتشكل مجلس لإدارة الإذاعة والتلفزيون برئاسة الرفاعي، بالرغم من أنه كان يرى ضرورة أن يكون رئيس المجلس من خارج الحكومة. لكنه، وبطلب من رئيس الوزراء آنذاك، علي أبو الراغب، عيّن في رئاسة المجلس بشكل مرحلي يمهد للانتقال والاستقلالية و"يضبط الإيقاع حتى تتبلور الصورة". ويرى الرفاعي أن مجلس الإدارة الأول كان تجربة إيجابية جداً، إذ ضم شخصيات تمثل مختلف الآراء. لكن هذا التنوع لم ينعكس مباشرة على الشاشة، بحسب الرفاعي، الذي يضيف أن "الانتقال من مرحلة الإعلام الموجه إلى إعلام يتقرب بقدر أكبر من الحرية، لم يكن سهلاً، وما يزال كذلك." وفي هذا المجال، يشير الرفاعي إلى وجود كثير من الإشكاليات والتدخلات من جانب الحكومة بما يعيق العمل في المؤسسة. وربما كانت أبرز تلك "الإشكاليات" تدخل أبو الراغب شخصياً لمنع بث مقابلة مع وزير الداخلية الأسبق نذير رشيد، مثلاً. الكاتب الصحفي، محمد الصبيحي الذي أجرى اللقاء يروي أن "المدير العام للإذاعة والتلفزيون آنذاك، نارت بوران، أبلغه أن الرئيس يرفض عرض مقابلة أجراها مع رشيد لأنها تتضمن آراء عن أحداث أيلول." لكن الصبيحي يعتقد أن السبب كان "خلافاً شخصياً بين أبو الراغب ورشيد"، وكلاهما من السلط. كل هذا تم تجاوزاً لصلاحيات مجلس الإدارة الذي أخذ تعهداً من الحكومة وقتذاك "بأن تلك ستكون آخر مرة يتم فيها تدخل الحكومة،" بحسب ما رواه أعضاء في المجلس. لكن ما حدث على الأرض كان خلاف ذلك. فبالرغم من الآمال التي رافقت تشكيل مجالس إدارة لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون، ووكالة الأنباء الأردنية (بترا) لتكون قادرة على "الحل والربط"، ورفع سقف الحريات، وفتح باب المشاركة لجميع الأطياف السياسية والاقتصادية، بما يحقق النقلة النوعية نحو إعلام الدولة، فإن هذه المؤسسات الإعلامية الرسمية ظلت إعلاماً حكومياً بسبب استمرار تدخل الحكومة في كل التفاصيل؛ من السياسة التحريرية إلى تحديد مذيع نشرة الأخبار. سليمان عبيدات، عضو لجنة التوجيه الوطني في المجلس النيابي السابق، يعتبر أن الحكومات الأردنية "غير جادة" في أن تكون مؤسسة الإذاعة والتلفزيون مؤسسة إعلامية فاعلة، ويقول "أن يكون للتلفزيون سقف عال من الحرية والمهنية، فإن ذلك سيكشف عيوب الإدارات الحكومية، وهو ما لا تريده هذا الحكومات من باب ‘ليش أوجع راسي‘". وهكذا جاء الخلل في مجالس الإدارة التي تناوبت على مؤسسة الإذاعة والتلفزيون منذ البداية، منذ التعيين. فالملاحظ أنه ليس ثمة أسس معتمدة سواء في التعيين أو الإقالة. محمد كعوش، الكاتب الصحفي، وعضو مجلس إدارة سابق في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، يعتبر أن كثيراً من التعيينات في هذه المجالس هي "نوع من التكريم أكثر منها استناداً إلى المهنية." ويضيف "يجب تعيين شخصيات لها خبرة في المجال الإعلامي، فهذا الموقع ينطوي على كثير من العمل والجهد". في موازاة ذلك، ليست هنالك أسس لإقالة هذه المجالس. إبراهيم بدران، عضو سابق في المجلس يشير إلى عدم استقرار المجالس بما "لا يمكنها من تطوير الأداء، وبالتالي المساءلة عن هذا الأداء." ويقول "أعطوني وقتاً! لا يجوز لمجالس الإدارة أن تكون بنياناً هشاً وخفيفاً يتغير ويتبدل بدون ضوابط ومساءلة عن الإنجازات والتطوير والعمل." وفي جانب آخر من عدم تفعيل مجالس الإدارة، تبرز مسألة تعيين المدير العام الذي يأتي بموجب قرار من مجلس الوزراء دون التشاور مع المجلس. إبراهيم عز الدين، وزير الإعلام الأسبق يقول إن "المرجع المباشر في كل شيء للمدير هو رئاسة الوزراء؛ في التعيين، والراتب والترقية، والسفر .. الخ." سمير الحياري، نائب رئيس مجلس إدارة سابق، يرى أنه "غالباً" ما لا يكون هناك توافق بين المدير العام والمجلس. ويشرح أن عدم الانسجام يعود إلى "تداخل الصلاحيات، أو عدم نجاح المدير في تنفيذ متطلبات المجلس". هذا "التداخل" يتجلى في تحديد السياسة التحريرية للمؤسسة. إذ يعتبر المجلس أن من صلاحياته أن يضع سياسة تحريرية في البرامج والأخبار تسمح بتعدد الآراء بحيث لا تكون نشرة الأخبار مثلاً انعكاساً لطيف واحد هو الحكومة. في المقابل القانون ما يزال يعطي الحكومة الحق في السياسة التحريرية. ومن تجارب مجالس الإدارة الخلافات التي برزت في عهد مصطفى الحمارنة، عندما كان رئيساً لمجلس إدارة التلفزيون 2004 - 2006، إذ بقيت المؤسسة حوالي ثلاثة أشهر من دون مدير عام بعد أن "فتح المجلس الباب" لأيمن الصفدي ليغادر. في الأثناء، كان المجلس في مفاوضات مستمرة مع الحكومة للاتفاق على تعيين مدير عام يلتزم بالشفافية ورؤية المجلس في دمقرطة الشاشة. ثم عين محمد الصرايرة، وهو أستاذ في الإعلام في جامعة اليرموك، من دون علم المجلس ومعه تعليمات واضحة ومحددة بأن تكون الحكومة مرجعيته، وهنا حدثت أزمة عميقة وأخذ المدير العام يطبق سياسات وقرارات مخالفة لتعليمات مجلس الإدارة ومغايرة للأهداف التي جاء المجلس على أساسها. إثر هذه الأزمة، قام الحمارنة بتعطيل اجتماعات مجلس الإدارة خمسة أشهر في إشارة إلى عدم الرضا عن نهج الحكومة وتراجعها عمّا تم الاتفاق عليه. في الأثناء، قام كتاب أعمدة ونواب باتخاذ موقف معارض للمجلس في تلك الفترة، ودخل الحمارنة في "مواجهة" مع مجلس النواب إثر شكاوى تقدم بها موظفون في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون كان مجلس الإدارة قد جمّدهم بسبب تدني كفاءتهم. في تلك المقابلة – وهي موثقة على موقع يوتيوب youtube انتهى معظم النواب الحاضرين إلى الاعتراف بالتحول الإيجابي الذي ظهر في التلفزيون من برامج وأخبار في فترة ولاية المجلس. ويتذكر مراقبون كيف كانت نشرات الأخبار "مفتوحة" للمعارضة من مختلف الأطياف، فيأخذ المعارض الإسلامي والشيوعي المساحة نفسها التي تعطى للحكومة ومن والاها، وقد تجلى ذلك عندما عرض التلفزيون الأردني وجهة نظر الإخوان المسلمين على لسان المراقب العام، آنذاك، في خلافهم مع وزير الداخلية. ويتذكر آخرون كيف خصص تقرير لنعي المناضل الأردني، عبد الرحمن شقير، في نشرة أخبار الساعة الثامنة في سابقة ربما في تاريخ التلفزيون، وكيف خصصت زاوية لرسوم عماد حجاج الجريئة في وقت الذروة طيلة شهر رمضان المبارك، وكيف أنه أثناء أزمة التفجيرات، وعلى مدى أربعة أيام، لم يكن للتلفزيون الأردني أي منافس. استطلاعات الرأي وقتها أشارت إلى ارتفاع نسبة المشاهدة إلى 42بالمئة . أما اليوم، وفي آخر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "إبسوس"، فكانت النسبة 27.3بالمئة . ويعتبر الحياري أن سبب التحول في تلك الفترة كان حرص المجلس على استقلاليته بعيداً عن تدخلات الحكومة. ويقول عن حكومة معروف البخيت إنها كانت "تريد لنشرة الأخبار أن تكون نشرة خاصة بالحكومة ونشاطاتها وإنجازاتها، دون النظر إلى ما يجري من ملاحظات وإنجازات أخرى." كما يشير إلى نجاح المجلس في التصدي "للمحسوبيات والواسطات" من جانب مجلس النواب، إذ "كان بعض النواب يتوسطون كي تقرأ مذيعة معينة نشرة الأخبار وهي لا تصلح لقراءة نشرة للأطفال". مع ظهور هذه الخلافات وشعور الحكومات، وبخاصة حكومة معروف البخيت بأن التلفزيون إذا استقل تماماً لن يكون أداة حكومية، أبقت هذه الحكومات على السياسة التحريرية وتعيين المدير العام رهناً بها وحدها، لعدم رغبتهم الأكيدة في الإصلاح. فكانت مجالس الإدارة التي عينت في عهد البخيت لا تشكل مرجعية للإدارة التنفيذية، بحسب أعضاء في تلك المجالس. فالمطلوب هو تفعيل القوانين والالتزام بها. فقانون الإذاعة والتلفزيون يعطي مجلس الإدارة هامشاً أوسع نسبياً مما يقوم الأعضاء بتطبيقه على الأرض. فحتى تكون لهذه المجالس "أسنان"، على الحكومة أن تبدأ بتعيين أشخاص ديمقراطيين يؤمنون بتحقيق الأهداف المعلنة للمؤسسة وعلى استعداد للدفاع عن مواقفهم، بحسب ما يرى إعلامي طلب عدم ذكر اسمه. لكننا نرى اليوم أن حكومة نادر الذهبي قررت تعيين "وزير الإعلام" ناصر جودة رئيسًا لمجلس إدارة مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، وبهذا تكون الحكومة قد أقلعت عن سياسة "التمويه" التي اتبعتها حكومات سابقة، ما يعني أن حكومة الذهبي سوف تُحكم سيطرتها على الإعلام. وفي موقف غير اعتذاري، تراجعت عن تحويل مؤسسة الإذاعة والتلفزيون من "مؤسسة حكومة" إلى "مؤسسة دولة". وتستمر الأزمة. |
|
|||||||||||||