العدد 34 - أردني | ||||||||||||||
السجل - خاص استكمالا لمشهد الحداثة في مجال الإعلام، تم في بداية القرن الحالي استحداث منصب الناطق الرسمي في كل وزارة ومؤسسة ودائرة مهمة في الدولة. المهمة المفترضة للناطق الرسمي لكل وزارة، هي العمل على توفير جميع المعلومات الضرورية للمواطن، وتوضيح أي غموض قد يكتنف عمل الدوائر والأقسام التابعة للوزارة وتبديد الغموض الذي يكتنف عمل أغلب الوزارات والدوائر المهمة. لكن ما سبق وحدث في مجالس إدارات المؤسسات الإعلامية، حدث هنا أيضا؛ لقد تغير الشكل ولحق الجمود بالمحتوى. فالناطق الرسمي لا يبدو ينطق كثيراً، كما أنه لا يظهر في المواقف التي تتعرض وزارته فيها للنقد أو المساءلة، وتصريحاته وأنشطته عادة ما تكون في المناسبات العامة والاجتماعات، ما يعني فقدان هذا المنصب لجوهره الذي يقوم على فتح قنوات بين الوزارة والمواطنين. ينفذ الناطق الرسمي مهام عمله من خلال عقد لقاءات دورية مع وسائل الإعلام، تأخذ شكل المؤتمر الصحفي لإطلاع الصحفيين على إنجازات الوزارة أساسا، أو التقرير الصحفي الذي يصدر عن الوزارة موضحا جزئية ما تتعلق بعملها، أو أنها تتخذ شكل التجمعات الإعلامية التي تضم عددا من الكتاب والصحفيين الذين يرتب لهم لقاء مع بعض المسؤولين، أو شكل زيارات إلى الوحدات الإدارية (القرى) والمحافظات المختلفة. وعادة ما يعمد الناطق إلى إصدار نشرات لتوضيح عمل الوزارة ومشاركة قوى فاعلة فيها، مثل نشرة وزارة التنمية السياسية ونشرة وزارة السياحة. وفي بعض الوزارات، فإن عمل الناطق الرسمي يؤدى عبر موظفين آخرين؛ ففي وزارة الثقافة مثلاً، يقوم المستشار الإعلامي محمد الملكاوي بأداء مهام الناطق الرسمي، وفي وزارات أخرى يغيب دور الناطق الرسمي، ويغيب عمله كما في وزارتي الأوقاف والعدل. وفي أحيان أخرى يعمل الناطق الرسمي تحت مسمى مختلف تماما، إذ يشار إليه أحيانا على أنه "مدير مكتب الوزير"، أو "الناطق الإعلامي للوزارة"، الذي لا يعرف أحد ما الفرق بينه وبين "الناطق الرسمي للوزارة"، وفي ذلك إشارة إلى ما يكتنف عمل الناطق الرسمي من غموض يعكسه تعدد المسميات، ناهيك عن جوانب الغموض الأخرى مثل تحديد المسؤوليات. بعض المؤسسات تضم إلى جانب الناطقين الرسميين، "مستشارين إعلاميين". ويرجع مسؤول إعلامي سابق هذا التضارب إلى أن كثيرا من المستشارين عينوا في إطار عملية "تنفيع" وليس بسبب الحاجة إليهم، فحق عليهم القول إنهم "مستشارون لا يستشارون". لكن هذا ليس حال "الناطق الرسمي"، بحسب المسؤول الإعلامي نفسه، فالأخير يعينه الوزير أو مدير المؤسسة ليؤدي جملة المهام المذكورة سابقا، لذا، فإن عليه أن يتوفر على عدد من المؤهلات والقدرات والاطلاع الكامل على عمل المؤسسة، ما يجعله قادرا على توفير المعلومة للمواطن بما أمكن من الشفافية والمهنية، إعداد التقارير اليومية والأسبوعية والدورية عن نشاطات المؤسسة، وتحضير البرنامج الإعلامي للمسؤول الأول في الوزارة أو المؤسسة. ويرتبط عمل الناطق الرسمي بعمل الصحافة، إذ إن أغلب من يشغلون هذا المنصب يكونون ممن عملوا في الصحافة من قبل، وذلك بافتراض أن الناطق الرسمي سوف يقوم بتوظيف ما اكتسبه من خبرة في عمله الإعلامي في وظيفته الجديدة وهو ما لم يبد أنه حدث على أي حال، وذلك على الرغم من العلاقات الواسعة التي قد يتمتع بها الناطق الرسمي، وعلى الرغم مما يبدو عليه من خبرة في "تسويق" الخبر لوسائل الإعلام المختلفة. وربما كان هنالك جانب خفي من عمل الناطق الرسمي، هو أنه قد يستخدم خبرته الصحفية في "التعتيم" على الخبر بدلا من نشره وإبرازه، كما يقول الإعلامي المشار إليه. "النشر" وكذلك "التعتيم" يتطلبان مهارات إعلامية كبيرة يجب توافرها في الناطق الرسمي، الذي تضاف إلى خبراته السابقة خبرات في مجال الإعلام، مهارات جديدة في عمله الجديد الذي يختلف عن عمله السابق في أنه إعلام في خدمة الحكومة، بدلا من أن يكون إعلاما انتقاديا، أو حتى معارضا للحكومة، كما يفترض في الصحافة أن تكون. هذه "المهارات" تفترض وضع أسس لعمل الناطق الرسمي يلتزم بها لكي يؤدي دوره على أكمل وجه، كما يفترض عقد دورات تدريبية لهم، لرفع مستواهم المهني وتدريبهم على خفايا العمل الإعلامي، وهي كثيرة. وربما يستقدم خبراء في هذا النوع من الإعلام، لتقديمها، وهو ما حاولت بعض الحكومات القيام به، ولكن، مثلما حدث في كثير من الوزارات ومؤسسات الدولة الأخرى، وئدت هذه الخطوة في مهدها، وبقي الحال على ما هو عليه. إذ يقسم مسؤول إعلامي سابق، الناطقين باسم الوزارات والمؤسسات إلى فاعلين وغير فاعلين. وبحسب مقاييسه الخاصة، وهي مقاييس متساهلة، بحسبه، فإن عدد الناطقين الفاعلين لا يتعدى الثلث من بين 65 ناطقا لوزارة ومؤسسة رسمية. وهذا ما يعيدنا إلى فكرة "التنفيع" سابقة الذكر والتي من خلالها جاء معظم هؤلاء الناطقين الرسميين. وما زالت في الذاكرة حادثة اعتراض أحد النواب على "ناطق رسمي" رشحه للمنصب وزير داخلية سابق، رغم أن النائب المعني لم يكن مهتما كثيرا بالشفافية ونظافة اليد ومحاربة المحسوبية، ولكن اعتراضه الذي نجح في النهاية كان من باب النكاية بالمرشح. ومن المؤكد والحال هذه، أن يتعرض منصب الناطق الرسمي للانتقاد من جانب أطراف عديدة، فهو بحسب أستاذ بارز في الإعلام، رفض الكشف عن هويته، كثيرا ما يظهر ضعفه الواضح في المواقف التي تستدعي وجوده بقوة، وفي عدم تصديه لتوضيح أية ملابسات تحيط بوزارته أو بأي من أنشطتها، في الوقت الذي تحتاجه فيه، ليس وزارته فحسب، بل والمواطن أيضا، إلى إيضاح هذه الملابسات، لكي لا تتحول التساؤلات البسيطة، وهي تساؤلات مشروعة، إلى أزمة كبيرة، مثلما حدث أخيرا في قضية مهرجان الأردن. ويمكن اعتبار ما حدث في هذه القضية مثالا على غياب التنسيق ليس داخل وزارة الثقافة، وهي المعنية بأمر المهرجان، بل وبين الوزارة والحكومة أيضا، ففي 22 نيسان الماضي قرر مجلس الوزراء إلغاء مهرجان جرش للثقافة والفنون، والاستعاضة عنه بمهرجان وطني يقام سنويا تحت مسمى «مهرجان الأردن"، وشكل له لجنة تنسيقية عليا. وبعد نحو شهر عقدت وزيرة الثقافة نانسي باكير ووزيرة السياحة مها الخطيب ومدير هيئة تنشيط السياحة نايف الفايز مؤتمرا صحفيا في مقر وزارة الثقافة، أكدت فيه الوزيرتان أنه لم يتم إلغاء مهرجان جرش. وفي 16 حزيران الماضي نفى أمين عام وزارة الثقافة جريس سماوي في لقاء مع أسبوعية الحدث أن يكون هناك أي قرار رسمي - لغاية الآن - يشير إلى إلغاء مهرجان جرش، وأن مهرجان الأردن ليس بديلاً عنه. في خضم هذه التصريحات المتضاربة من جانب الحكومة، ومن جانب وزيرة الثقافة، ومعها وزيرة السياحة، وكذلك من جانب الأمين العام للوزارة، ضاع صوت مستشار وزارة الثقافة، ومعه صوت الناطق الرسمي لوزارة السياحة، أو مستشارها، ما يدل على فوضى لم يغن فيها وجود مستشارين إعلاميين أو ناطقين رسميين شيئا. ومن يملك ذاكرة جيدة فإنه يتذكر حتما ما حدث قبل عامين في قضية مياه بلدية منشية بني حسن، حين تحول الناطق الرسمي لوزارة المياه والري، إلى «صامت رسمي» كما دعاه البعض تندرا، لأنه غاب عن ساحة الإعلام في الوقت الذي احتاجه الإعلاميون، وكذلك المواطنون ليعرفوا أمرا تحول مع طول المدة إلى قضية حياة أو موت، فقد أسفرت قضية مياه بلدية منشية بني حسن عن تسمم نحو 1200 مواطن. التواصل المباشر مع المواطنين، والظهور المستمر عبر وسائل الإعلام لتوضيح أعمال الوزارة، وإبقاء المواطن على اطلاع على أي تطورات جديدة أو مستجدة تحدث في الوزارة التي ينطق باسمها. لكن معظم الناطقين الرسميين لا يظهرون إلا نادراً، ولا نلحظ لهم حضورا في صحفنا اليومية ولا أخبارنا التلفزيونية. فكرة الناطق الرسمي فكرة إصلاحية، الهدف منها هو تعميق الشفافية وإيصال المعلومة للمواطن، ما يساعد على مراقبة أداء الوزارات والمؤسسات العامة، وبالتالي يجب مساءلة المقصر وغير الكفء، ويكافأ صاحب الكفاءة الذي تحمل مسؤولية منصبه كاملا. الكرة في ملعب الحكومة. |
|
|||||||||||||