العدد 34 - أردني
 

محمد شما

تخضع الفتاة "المتخلفة عقلياً" لمراقبة أهلها ليل نهار، ولا تنفك عائلات تعاني إحدى بناتها من "التخلف العقلي"، من التفكير دوما من «احتمال الاعتداء الجنسي عليها»، فهي إذا ما روقبت 24 ساعة، فمن الممكن أن تخرج من البيت. وهنا ستكون معرضة للاستغلال من قبل أناس «ضعاف النفوس»، ما قد يؤدي إلى حمل غير مرغوب، كما يرى البعض.

رغم كبر سنها وثقل حركتها تحاول عائشة «أم مصطفى» 76 عاماً، مساعدة حفيدتها فداء المتخلفة عقلياً، على قضاء حاجاتها اليومية متذرعة بالصبر للتغلب على عاطفتها أمام «مجتمع لا يرحم» كما تقول.

ترى عائشة أن من حق فداء أن تكون مثل كل البنات، ولكنها تعيش هاجس «أن يقترب منها أحد ويعتدي عليها»، وهو شعور يخالج خالد 45 عاماً الذي يخشى على ابنته، «المتخلفة عقلياً»، من أن تتعرض في يوم من الأيام للاغتصاب. وهو ما جعله يفكر هو وزوجته باتخاذ قرار مصيري؛ بأن يأخذها هو وزوجته إلى طبيب جراح لإجراء عملية لاستئصال رحمها، فيرتاح من هم يزاوله في الليل والنهار.

يقول الأب: «حاولت أن أحبسها في البيت»، أما زوجته، فإنها فكرت بأن عملية إزالة رحم ابنتها، عدا عن أنه يريحها من الفكرة المستحوذة عليها بأن تتعرض ابنتها للاغتصاب، فإن ذلك أيضاً سوف يريحها مما تخلفه الدورة الشهرية لها «تعبت معها كثيراً. هذه العملية منصفة لي ولها»، فإزالة الرحم عملية سهلة، وبعدها الراحة للفتاة المعوقة عقليا، ولأهلها.

لم تكن تلك أفكار أم مصطفى وحدها، بل كان ذلك رأي عدد من جيرانها في منطقة الجبيهة الذين نصحوها بأن تستأصل رحم حفيدتها: «أزيليه من جسدها. ارتاحي وأريحيها». وذهبت إلى بعض رجال الدين تستفتيهم الأمر، فقالوا لها إن «من حق فداء أن تبقى هكذا كما هي، حتى لو أنها عانت من الدورة الشهرية وبعض الآثار المصاحبة لها.»

ولكن جار أم مصطفى، وهو طبيب، حاول مراراً إقناعها بأن الفتاة «لن تتأثر كثيراً من إزالة رحمها، فهي لن تشعر به أصلاً». في حين أخذت زوجة خالد ابنتها إلى المستشفى وأجرت لها عملية إزالة الرحم. وهذا كان عين ما فعله أهل يسر، وهي فتاة أخرى تعاني من تخلف عقلي كبير.

أم يسر أقدمت على الخطوة بعد إصرار «من محيطها» كما تقول، حيث أخذتها إلى طبيب واستشاري أعصاب وطبيب نفسي، أقروا جميعاً «بعدم أهليتها». وهكذا تمت العملية.

ترى الطبيبة النسائية، بوران طه، أن إزالة رحم الفتاة يكون «بإثبات تخلفها العقلي». وبمجرد بلوغ الفتاة يطلب الأهل استئصال رحمها، وتكون حالة الفتاة المتخلفة عقلياً واضحة جداً، وعليه يقرر طبيبها استئصال رحمها. وتستذكر: «حينما كنت أعمل في مستشفى البشير كان يأتينا الأهل وبموافقة الطبيب نقوم بالعملية».

وفق قانون المساءلة الطبية، فإن الإنسان القاصر أو «المعوق عقلياً» وغير القادر على السيطرة على نفسه والقيام بمهامه من تلقاء نفسه، فإن ولي أمره (أمه، أبوه، أو أحد من أفراد عائلته أو وصي عليه) هو صاحب الولاية عليه، لأنه لا يملك الخيار بنفسه. وفي مقابل ذلك ينص قانون صادر عن الأمم المتحدة حول حقوق المعوقين على «أن الجميع عليه صيانة كرامة وحقوق المعوق وعدم الإهدار بها».

وترى بوران أن عمليات استئصال أرحام الفتيات المعوقات تتم بدوافع «إنسانية»، فمثل هذه الفتاة لا تصلح لأن تكون أماً، وهي لن تتزوج «بطريقة سليمة» وهناك أيضاً خوف الأسر من مشاكل قد تحصل معها؛ اغتصابها مثلاً، وإنجابها طفلاً معوقاً عقلياً «فكيف لها أن تعتني به». تتساءل بوران.

وتتفق بوران مع المنطق البدائي من حيث إمكانية حدوث عملية اغتصاب ما قد يترتب على ذلك من تبعات إنجاب طفل.

للطبيب النفسي، جمال الخطيب، رأي مخالف تماماً: «مهما كانت درجة التخلف عند الفتاة، فإن إجراء مثل هذه العملية مخالف للقانون. ولا يوجد نص صريح في القانون يسمح لأي أسرة بأن تزيل رحم ابنتها».

رئيس القسم النسائي في مستشفى البشير، عصام الشريدة، يقول إن المستشفى يستقبل سنوياً بين 3 و4 عائلات تطلب إزالة أرحام بناتها. ويروي أحوال العائلات التي يستقبلها: «تأتي عائلات وتقول لنا إن بناتها المتخلفات عقليا لا يضبطن أنفسهن خلال الدورة الشهرية، وتقمن مثلاً بحركات مخجلة أمام الناس، كأن تخلع ملابسها أمامهم وتريهم الدم، وهي لا تدرك بالتأكيد ما تقوم به. وحينما نستأصل الرحم تذهب الدورة الشهرية وكذلك القدرة على الحمل».

ويضيف: «وحال حدوث حمل لهذه الفتاة، فنسبة وراثة الطفل ستكون عالية لأن الكروموزمات تكون مشوهة. مع التأكيد أن هناك تشوهاً مكتسباً وآخر خلقياً، والأخير ناتج عن خلل في الكروموزمات وبالتالي تتم وراثته».

جمال الخطيب، يرى أن إمكانية إنجاب «المتخلفة عقلياً» لطفل مشوه «ضئيلة جداً» وغير موجودة طالما أن تخلفها لم يكن وراثياً، إنما لحالة طارئة حصلت مع أمها خلال حملها كنقص الأوكسجين أو إصابة بالتهاب السحايا «عندها لا تكون جيناتها مشوهة، فالعامل الوراثي متباين بين وراثي سائد ووراثي متنحي، وبالتالي فلا مبرر لإزالة عضو (صالح) لإنسان مهما كانت درجة التخلف لديه».

أما منال التهتموني، وهي طبيبة ناشطة في مجال حقوق المرأة، فترى أنه وإذا كانت هناك إفرازات «غير طبيعية» أو اضطراب الدورة الشهرية عند الفتاة، تكون هناك فرصة «لإجراء العملية»، أما أن تأتي عائلة تريد استئصال الرحم «خوفا من أن يعتدي عليها أحد»، فهذا غير مقنع طبيا.

نائب نقيب الأطباء الأردنيين، الدكتور باسم الكسواني، يرى أن محاولة أهل الفتاة أساسها «تقليل معاناة الدورة الشهرية لها» معتقداً أن هذه القضية يجب أن تذهب إلى مجلس الإفتاء لدراستها دراسة كاملة حتى لا يحاول البعض التصرف على هواه «فاليوم رحم وغدا كلية وجزء آخر من الجسد».

من جانبه، يرى محمد حياصات، نائب رئيس الجمعية الأردنية لتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة أن ما تقوم به عائلات الفتيات: «يؤكد النظرة الدونية للمرأة، فما بالنا بفتاة معوقة»، وعبر عن معارضته عمليات إزالة الرحم التي «لا تعدو أن تكون سوى انتزاع صفة من صفات الأنوثة عند الفتاة بغض النظر عن أهليتها، وهذا لا يختلف كثيرا عن بيع الأعضاء البشرية».

فيما يرى الدكتور فوزي الحموري، رئيس جمعية المستشفيات الخاصة، أن هذه العملية تجرى «إنسانيا» للفتاة غير الطبيعية، «فهي لا تستطيع أن تدبر أمورها إذا ما حملت، ولا أن تكون قادرة على رعاية طفلها بالشكل الذي يجب، ناهيك عن إمكانية حدوث الوراثة للطفل.»

وترى منال التهتموني أن وعي المجتمع هو «اللاعب الأساسي». فكثير من العائلات لديها معوق أو معوقة تشعر بوصمة العار. ونحن نحاول في مؤسساتنا الاجتماعية أن نثقفهم بضرورة ألا يتأثروا من أبنائهم وبناتهم المعوقين. والحل «عبر دمجهم في المجتمع».

وتوضح أن «المتخلفين عقليا من أكثر الفئات تعرضا لحالات العنف الأسري، لذلك جاءت قوانين من دول العالم تمنع خصي الشباب المتخلفين وكذلك إزالة أرحام البنات».

وتؤكد التهتموني أن للفتاة حقوقا، بغض النظر عن عدم أهليتها، واستئصال رحمها، خوفا من الاعتداء عليها، غير مقنع طبيا، فالمشكلة لا تنتهي بإزالة رحم الفتاة، لأن إزالته لا تمنع الاعتداء، ولكنها تمنع الحمل، ما يعني ضمنا أن الاعتداء على الفتاة مقبول. أما ما هو غير مقبول فأن تحمل!

**

حرية امتلاك الرحم!

لم يكن خالد 45 عاما، متحمساً لأن يفصح عما تعانيه ابنته يسر، 21 عاماً، من «تخلف عقلي» يصفه «بالشديد». فهذا الحال كان دافعا له ولزوجته لأن يتوجها إلى مستشفى البشير قبل سنتين حيث أزالوا رحم ابنتهم.a

يسر، لا تملك خيار التصرف بجسدها، فملفها الطبي تم التوقيع عليه من قبل لجنة أطباء مكونة من استشاري أعصاب وطبيب نفسي وبموافقة من شيخ، يشير الى أنهم يوافقون على رغبة الأهل بإزالة رحم ابنتهم.

ولا يخفي خالد شعوره الدائم بالخوف على ابنته يسر من أن تتعرض في يوم من الأيام للاغتصاب. لكن أمها، التي كانت معها وقت خضوعها للعملية، تقول: «لن يقترب منها أحد ويعتدي عليها». كذلك «ارتحنا مما تخلفه الدورة الشهرية لها. تعبت معها كثيراً، فهذه العملية جاءت منصفة لي ولها ولجميع العائلة».

تقطن عائلة يسر في جبل الجوفة شرقي العاصمة عمان، حيث يعمل خالد نجاراً في منطقة ماركا ولديه من الأولاد أربعة، غير يسر، بينهم فتاتان في حالة صحية جيدة.

إنعام العشي، ناشطة حقوقية، تعتبر أن هذه العمليات تتم خارج أطر القانون ومؤسسات حقوق الإنسان. وهي تطالب بضرورة التحرك قانونياً بغية إيجاد تشريع يحمي جسد المعوق ويحدد الحالات المسموح فيها بإزالة الرحم.

رئيس جمعية النسائية والتوليد، الدكتور عبد المالك عبد المالك، يقول إن الحالات التي تأتيه "قليلة"، وهي مقتصرة "على بنات لا تتجاوز أعمارهن 15 - 17 عاماً، وأوضاعهن صعبة من ناحية الخلل الهرموني".

استئصال أرحام المعوقات خوفا من الاغتصاب
 
10-Jul-2008
 
العدد 34