العدد 34 - أردني
 

منصور المعلا

تتخذ المشاجرات في الأردن، في الغالب، طابعا جهويا وعشائريا، استنادا إلى عرف يقضي بحل هذه الإشكاليات اعتمادا على العرف العشائري؛ جاهات وعطوات، في غياب شبة تام لسلطة القانون.

هذا التغول على القانون يغذيه تعايش بين القانون والعرف تكون اليد الطولى فيه، غالبا للأخير على حساب الأول، الذي يتوارى أمام أحاديث المجاملات وفناجين القهوة التي لازمت الدولة الأردنية منذ ما يقارب القرن.

وتتخذ أشكال التعدي على الدولة وموظفيها، في الغالب، طابع الاستقواء بالعرف وبمنطق المحميات والمناطق المغلقة ابتداء من الاعتداء على قطاع الخدمات "كهرباء وماء"، إلى اللجوء لتحصيل الحق الشخصي من الدولة من خلال الهراوة والصوت العالي.

الأسبوع الماضي، أفسدت الجهوية والعصبية حفل تخريج الفوج الثالث من طلبة جامعة الطفيلة التقنية إثر إقدام "موظف مفصول" على مهاجمة رئيس الجامعة أثناء إلقائه كلمة بالمناسبة مساء الأول من تموز الجاري، ما أثار شغبا وقع ضحيته نحو 40 مواطنا، سقطوا ضحايا استنشاق غاز مسيل للدموع، استخدمته الشرطة. وتضمنت قائمة الضحايا 3 من رجال الأمن. أما الخسائر العينية فتضمنت تحطيم 5 سيارات للشرطة ودراجة لمراقب سير.

وفي السياق ذاته، احتجز أربعون مسلحاً من إحدى العشائر موظفين في وزارة المياه والري بعد ملاحقتهم "حفارة مياه" في البادية الشرقية غير مرخصة، إلا أن الحادث مر من دون أي تدخل حكومي حاسم لفرض هيبة القانون.

المسلحون عادوا إلى مزاولة حياتهم الطبيعية، وفي المقابل تعاظم لدى موظفي المياه إحساس بانكسار مشروع الدولة المدنية التي يعملون فيها لصالح هذه الفئات التي تعيد إلى الأذهان صورة الميليشيات في بلدان أخرى تعاني من فوضى وفلتان أمني.

في الطفيلة، وعلى أثر المشاجرة المذكورة شكلت الجهات المعنية لجنة للتحقيق في الأحداث، فيما تمكن النائبان إنصاف الخوالدة وعبد الرحمن الحناقطة وعدد من وجهاء عشائر الطفيلة، من إخلاء سبيل ستة موقوفين بالكفالة على خلفية الأحداث.

كما أقدمت مجموعة من الأشخاص على حرق كشك الشرطة الموجود بجانب جامعة الطفيلة التقنية في منطقة العيص على ما ذكرت مصادر الأمن العام .

مدير منتدى شباب الإنجاز في جامعة الطفيلة، محمد بنات، بيّن "للسّجل" أن الأحداث بدأت بعد أن قام الموظف المفصول، وهو سائق سابق لعميد الكلية التي كانت تابعة لجامعة البلقاء التطبيقية قبل ان تتحول الى جامعة، بالقفز عن السياج في محاولة للاعتداء على رئيس الجامعة سلطان أبو عرابي.

ويضيف بنات أنه عندما ألقى رجال الأمن القبض على الشخص المعتدي، حاول أقاربه اقتلاع السياج والهجوم على الحفل، ما أثار حالة شديدة من الفوضى، إلا إن رجال الأمن تحدثوا إليهم، وهو ما حال دون توسع الشجار.

المثير للسخرية أن معلقين على الانترنت من الحضور قدموا رواية مغايرة عن أسباب الحادث، فبعضهم أرجع السبب في حالة الهياج إلى "اعتقال الشرطة للرجل بعد أن قام بضرب رئيس الجامعه، وقاموا بتكبيله ووضعه في بيت شعر أمام الجماهير".

المعلقون اعتبروا هذا الإجراء سببا للاستفزاز، إضافة إلى "إصرار رئيس الجامعه على أن تصطحبه الشرطة للخروج على الملأ أمام الناس حتى لا يتعرض لاعتداء"، إلا أن استاذا جامعيا في جامعة الطفيلة التقنية طلب عدم ذكر اسمه اعتبر هذه الروايات في جوهرها تحوي استعداء لسلطة القانون وتسهم في تعظيم الهويات الفرعية.

وفي صبيحة يوم الجمعة التالي تعرض منزل الوزير الأسبق والنائب السابق عن مدينة الطفيلة عبدالله العكايلة، إلى إطلاق نار من قبل مجهولين استخدموا أسلحة أوتوماتيكية، وقاموا بتحطيم واجهة المنزل، التي كانت تضيئها الألعاب النارية.

العكايلة فوجئ بالهجوم على منزله، إذ اخترقت إحدى الرصاصات التي أطلقها المهاجمون غرفة أحد أبنائه الذي كان مستلقيا على السرير فمرت على بعد عشرة سنتمترات منه.

حادث إطلاق النار وأحداث جامعة الطفيلة التقنية كشفت عن تغلغل العقلية الثأرية في المجتمع، حيث بين أحد جيران العكايلة أن سيارة من نوع (بيك أب) وبرفقتها سيارة صغيرة تضم 7 أشخاص قادوا الهجوم على منزل النائب السابق.

في أعقاب ذلك توصلت عشائر البلقاوية والطفايلة إلى صلح عشائري ترأسه عبد الهادي المجالي، رئيس مجلس النواب، فضلا عن جاهة كبيرة ضمت عددا كبيرا من النواب تجاوز عددهم 50 نائبا، ومعهم وجهاء وشيوخ عشائر أردنية توجهوا جميعا نحو مضارب عشائر العدوان حيث استقبلهم شيوخ ووجهاء عشائر البلقاوية .

وفي الأيام القليلة المقبلة سوف تتوجة جاهة أخرى إلى منزل عبد الله العكايلة لطلب الصلح بعد حالة الاعتداء الذي تعرض له منزله .

الهجوم على أبو عرابي والعكايلة يربط بينهما خيط واحد، فهو يمثل تحديا للسلطة واستهتارا بالقانون، كما يمثل تعميقا لأشكال السلوك الموازية لسلطة القانون بما يتنافى مع أي محاولة للسعي نحو إقامة مجتمع مدني متحضر. ولا شك أن مثل هذه التطورات السلبية إنما تشير إلى فشل تجربة إقامة مؤسسات تتحول إلى أعمدة يقوم عليها أي مجتمع متحضر ومتمدن، كما يمثل إعلانا بفشل سياسات الاسترضاء والمحاباة ومنح الامتيازات للبعض على حساب الدولة، بوصفها سبيلا لاحتواء العشائرية وضمان تأييدها.

المشاجرات الجهوية: فشل سياسة الاسترضاء وانتصار العشائرية على دولة القانون
 
10-Jul-2008
 
العدد 34