العدد 34 - أردني
 

حسين أبو رمّان

يقوم الإعلام في أي مجتمع بمجموعة من الوظائف، منها الإخباري، الترفيهي، التعبوي، وبكل تأكيد الرقابي. نتائج هذه الوظائف تختلف من مجتمع إلى آخر، تبعاً للأطر والمؤسسات التي يتحرك من خلالها الأفراد. ففي مجتمعات مثل: التشيلي، وإسبانيا، والبرتغال، على سبيل المثال لا الحصر، ساهم الإعلام عبر وظائفه المألوفة في تحقيق نقلة نوعية، أوصلت تلك البلدان إلى الحالة الديمقراطية التي وصلت إليها.

وفي حالات أخرى، حيث يكون الجو العام مليئاً بالصخب، ومستوى الحوار متدنياً جداً، والبيئة الصحفية غير مهنية في الجوهر، والأداء الحكومي غير ديمقراطي، كما هو الحال في دول مثل اليمن والسلفادور وتشاد والأردن، يجد الناس أنفسهم غير قادرين على الحركة إلى الأمام. وفي حالتنا، فكما قال الملك في مقابلته مع بترا، فإن الإنسان يمكن "أن يتسبب في إيذاء نفسه".

ومع أنه لا جدال في أننا جميعاً شركاء في المسؤولية، فإن الجزء الأكبر من المسؤولية عن إعاقة التطور وضعف الحوار يقع على عاتق الحكومات التي لا تمتلك رؤية متقدمة، رغم إطلاق تصريحات ديمقراطية هنا وهناك.

العالم يتقدم بسرعة في مجال الإعلام، ومن لا يواكب هذا التقدم، يحكم على نفسه بالتخلف.

اقترن إلغاء وزارة الإعلام عام 2003، بفلسفة الفصل بين إعلام الحكومة وإعلام الدولة، وبرؤية مفادها أن إدارة مؤسسات الإعلام الرسمية من تلفزيون وإذاعة ووكالة أنباء "بترا"، حان أوان أن تعمل كمؤسسات مستقلة لتعكس حراك المجتمع بأسره، بتعدديته الثرية، وتلاوينه السياسية من موالاة ومعارضة وأغلبية صامتة. فيما يتعين في الوقت نفسه، أن يكون هناك إعلام حكومي يبدأ بالناطقين الإعلاميين في الوزارات والمؤسسات المختلفة، وينتهي بهيئة تدير إعلام الحكومة.

وزير الإعلام الأسبق والرئيس السابق للمجلس الأعلى للإعلام، إبراهيم عز الدين، يؤكد أن مؤسسات الإعلام الرسمي التي يعين مجلس الوزراء مجالس إدارتها ، "ينبغي أن تتمتع بالاستقلالية لضمان التوازن في أدائها في الشأن الداخلي، بما يمنح الحكومة والمعارضة فرصاً متكافئة. ويضيف أن "وجود ناطق رسمي باسم الحكومة ضروري، على أن يكون وزيراً".

إعلاميون ومثقفون وكتاب ينتمون إلى الاتجاه القومي واليساري الشمولي أو إلى الاتجاه اليميني البيروقراطي النشأة، يطلقون دعوات بين حين وآخر من أجل إعادة وزارة الإعلام إلى الوجود، مقدمين بهذا دعماً مجانياً للذين يعطلون المبادرات التي تتطلع إلى بناء إعلام دولة مهني ومستقل.

نعم كانت هناك وزارة تضبط مجمل الإعلام الرسمي، وأصبحت مؤسسات الإعلام الرسمي ترتبط برئيس الوزراء. لكن هذه المؤسسات لم تنشأ كبديل عن وزارة الإعلام، بل كانت قائمة هي أو ما يماثلها قبل رحيل الوزارة. ولم يتغير شيء في مستوى متابعة رئيس الوزراء لهذه المؤسسات.

الدعوات لإعادة وزارة الإعلام، تنطلق ربما من المشهد الإعلامي المرتبك، لكن عودة الوزارة لن يقدم شيئاً، والأجدى هو الضغط على الحكومات كي تحترم متطلبات الاستقلالية والحاكمية الرشيدة لإعلام الدولة، والمهنية العالية لكل من إعلام الدولة وإعلام الحكومة.

الحكومات تتحمل مسؤولية في الحالات التي تعيّن فيها أشخاصاً في مؤسسات إعلامية لا يتمتعون بالكفاءة اللازمة لإدارتها، والمسؤولية تكون أكبر حينما يكون واضحاً أن التعيين جاء من باب تنفيع المحاسيب.

لكن حينما يعيّن "وزير الإعلام" لرئاسة مجلس إدارة مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، فهذا مؤشر على إدارة الظهر لاستقلالية المؤسسة، وتكون المشكلة أكبر حين يكون الوزير جزءاً من مشكلة غياب الشفافية، إذ أشار الملك لذلك في حديثه مع بترا "لا شك أنه كانت هناك أخطاء ارتكبت في إستراتيجية الإعلام والاتصال". بهذا النمط من التعيينات، تقرر السلطة التنفيذية تعميق الأزمات في بلادنا.

إلغاء وزارة الإعلام لم يترافق مع تطوير فعلي لأداء الإعلام الأردني، لذا لا يجد المراقب فرقاً بين مرحلة ما قبل إلغاء الوزارة وما بعده. تعود أسباب ذلك إلى عدم تفعيل البنية الإعلامية الجديدة، واستمرار الحكومات بمصادرة استقلالية مجالس إدارات المؤسسات الإعلامية. في الوقت الذي يسود فيه ارتباك وعدم وضوح في وظيفة بعض الهيئات الجديدة التي تم تشكيلها، لا سيما المجلس الأعلى للإعلام والمركز الأردني للإعلام. فالمجلس الأعلى للإعلام، جرى تعديل وظيفته قبل أن ينطلق في ممارسة دوره المرجعي المفترض. ومع أن المجلس أنجز مهاماً جيدة، وتحول الآن إلى مظلة لتدريب الإعلاميين، لكنه بات يحتل مكانة ثانوية. الأمر نفسه ينطبق على المركز الأردني للإعلام الذي أنهي وجوده، ما أثار تساؤلات حول مبرر تشكيله أصلاً.

إن التوازن المنشود في عرض وجهات النظر في المؤسسات الإعلامية الرسمية، ينبغي أن يبرز ليس فقط في بعض البرامج، "إنما يجب أن يكون هناك رأي آخر في نشرة الأخبار"، يؤكد الإعلامي المخضرم إبراهيم عز الدين.

فالشفافية والحاكمية الرشيدة ليست ترفاً، فهي تشكل حجر الأساس لنظام سياسي، يُحارَب فيه الفساد والمحسوبية، ويتيح للجميع المشاركة في صياغة الأهداف العليا للدولة، فيما يكون الإعلام رقيباً على الأداء.

تنص المادة 20، في الفقرة (ب) من قانون الأحزاب الجديد، أن للحزب الحق في استخدام وسائل الإعلام الرسمية لبيان وجهة نظره وشرح مبادئه وبرامجه. وبرغم مرور عام ونيّف على دخول هذا القانون حيز التطبيق، إلا أن هذا التوجه، ما زال حبراً على ورق. في الجانب المهني البحت، ما زالت ذهنية الفزعة تهيمن على الأداء الإعلامي كلما كانت هناك مناسبة تتطلب حشد الدعم للموقف الرسمي. وإذا أخذنا مقابلة الملك عبدالله الثاني مع "بترا"، نموذجاً، ففيما نشعر بالاعتزاز للشفافية العالية التي تحدث فيها الملك، يصيبنا الذهول للأساليب الإعلامية البالية التي استخدمت لحشد التأييد للمقابلة الملكية. ساهم في ذلك الإدارات المحلية والإعلام الرسمي وسطوته على بعضٍ من الإعلام الخاص.

الملك يتحدث بلغة العصر، لغة احترام عقل الإنسان، لغة الشفافية والحقائق والأرقام، وهو يستحق تغطية وتعبئة إعلامية تليق بهذا المستوى من الأداء الذي يعزز ثقة الناس في السياسات وشرعية الحكم.

فأين كان الإعلام، حينما كان يلزم أن يتصدى بالشرح والتحليل لما تحقق من سداد للدين الخارجي بقيمة 2.4 مليار دولار، أو حينما كان يلزم أن يبين للمواطنين كيف أن استعمال العائدات المتحققة من مشروع بيع أرض ميناء العقبة توفر على الخزينة 240 مليون دولار سنوياً؟

"التدخل في الإعلام وإصدار الأوامر والنواهي لم يختف باختفاء وزارة الإعلام، فهناك جهات أخرى تقوم بالمهمة التي كانت دائماً تقوم بها، سواء كانت لدينا وزارة إعلام أم لم تكن"، بحسب فهد الفانك، في مقال له في صحيفة الرأي. الفانك يضيف «الإعلام الأردني ليس بحاجة إلى مرتكزات غير البحث عن الحقيقة وخدمة المصلحة العامة بنزاهة». الحيز الإعلامي برمته من صحافة وإعلام، ليس مرشحاً لحالة من الفوضى، فكل شيء تحت السيطرة في ظل كل أشكال الرقابة: الذاتية، القانونية، الأمنية، والمجتمعية. لذا يجب ان تتسم السياسات الإعلامية بالجرأة والشفافية والانفتاح. ففي هذا تكمن المصلحة العليا للأردن وقيادته وشعبه.

الأجندة الوطنية، طوّرت رؤية متكاملة لموضوع الإعلام، تقوم على مراجعة شاملة للتشريعات الإعلامية ووضع «قانون وسائل الإعلام»، كتشريع ناظم لوسائل الإعلام ليشتمل على جملة مبادىء من بينها تأكيد صلاحية مجلس الوزراء في تعيين مجالس إدارة مؤسسة الإذاعة والتلفزيون و"بترا"، فيما يعين المجلس، المدير العام، ويكون مستقلاً في وضع السياسة التحريرية ومكلفاً بتطبيقها.

الإعلام الرسمي لا يصنع شرعية، المصداقية تصنعها
 
10-Jul-2008
 
العدد 34