العدد 33 - حتى باب الدار
 

في الثقافة الشعبية لا يكون الأردني الغائب مغترباً، إذا كان مستمراً في تواصله مع اهله وخاصة إذا كان مواظباً على ارسال النقود لهم والاتصال بهم، وإعلانه اشتهاء مأكولاتهم والجلوس الى جانبهم وشم رائحتهم، أو إذا حافظ على تقليد ارسال ابنائه ليتزوجوا من بناتهم أو البحث عن أزواج لبناته من أبنائهم. إنه في هذه الحالة مجرد شخص «مسافر برّه» مهما طال سفره.

أما الاغتراب النموذجي في المفهوم الشعبي، فيتطلب أن يسافر الشخص لزمن طويل وأن تنقطع أخباره لمدة ذات مواصفات تتحدد حسب الحالة، وأن تكون الأخبار المتعلقة به غريبة أو طريفة سلباً او ايجاباً، مثل أن يقال أنه «كاتْلُه الجوع ومستحي يرجع» او أن يكون قد «تزوج من عجوز غنية تصرف عليه»، أو بالمقابل أن يكون «وضعه فوق الريح» ولا يعرف أين يذهب بفلوسه. في بعض الحالات قد يدّعي بعض معارفه السابقين أنهم رأوه وقد أطال شعره لمنتصف ظهره، وأنه رجاهم أن لا يبلغوا أحدا بذلك، وهناك صنف خاص من المغتربين الذين يشتهرون بأن الواحد منهم كان «شعلة ذكاء» ولهذا بالذات أغراه الأجانب على البقاء في بلادهم كي يستفيدوا منه، أو أنهم أي الأجانب «دقّوه ابرة» جعلوه يفقد عقله.

لم تكن كلمة «مغترب» مستخدمة بكثرة في الأردن، حيث لم يكن الاغتراب ظاهرة شهيرة مثل ما هو الحال عند اللبنانيين أو السوريين أو الفلسطينيين وغيرهم، الذي يقيمون مجتمعاتهم الخاصة في بلاد الاغتراب، مع ملاحظة مهمة هنا أن الأردني من أصول فلسطينية إذا هاجر لا يبقى أردنيا إلا على الصعيد الرسمي فقط، ولكنه من الناحية الفعلية يفضل أن يعود فلسطينياً وينضم الى مجتمع الاغتراب الفلسطيني، وبالتالي لم يسهم هؤلاء في تشكيل ظاهرة اغتراب أردنية إلا عند التسميات الرسمية، مع أنه عندما عقدت في الثمانينات مؤتمرات سنوية للمغتربين كان الحضور من شتى الأصول والمنابت واستعاد بعض الحضور التسمية الرسمية ولكن لغايات المجاملة القومية فقط.

يقول الأردنيون عن المهاجر إنه «تغرّب» ولا يقولون «اغترب» ويقولون: «طالت غربته» ولا يقولون «طال اغترابه»، وهو عندهم «مِتْغرّب» وليس «مغتربا». وقد اعتمدت النسخة الأردنية من «التغرب» اسلوب «السحب»، إذ يغادر أحد أفراد الأسرة أولاً ثم «يَسْحب» اخوانه أو أقاربه عنده.

في الوضع التقليدي، لا يحبذ العيش في الغربة لأن «الحجر في مطرحه قنطار» ولأن «من خرج من داره قل مقداره». لكن في الواقع فإن هذه المعاني اكتسبت في الآونة الأخيرة الكثير من المرونة حيث أصبحت تعتمد على نتيجة الاغتراب في كل حالة، فلم يعد أي حجر في مطرحه قنطاراً واقتصر ذلك على أصناف محددة من الأحجار، كما أن كثيراً من الأشخاص الذين خرجوا من دارهم لم يقل مقدارهم بل زاد في بعض الأحيان. مع ذلك لا يزال «الغريب الأصلي» خير من المغترب، وفي جلساتهم الخاصة يقول الأردنيون: «(...) الغريب يحلب حليب» بينما لا يتعدى امتداح المغترب كونه «دوّاس ظلمة».

المغترب الأردني خرج من داره دون أن يقل مقداره
 
03-Jul-2008
 
العدد 33