العدد 33 - حريات
 

محمد شما

حاول زكريا مرارا أن يقنع أهله بما تمثله فتاة أحلامه بالنسبة له، وكان الحب عميقا إلى درجة إذابة جميع العوائق التي تعترضه إلا واحدة؛ اختلاف اليدين. فالشابان ينتميان إلى ديانتين مختلفتين؟

زكريا 44 عاما، مسيحي اعتنق الإسلام قبل خمسة عشر عاما، حين تزوج مسلمة غير متدينة، وهو شرط لا يمكن أن يتم الزواج دونه، فعائلتها المسلمة رفضته في البداية «لدرجة لم أستطع أن أفعل معها شيئا.» كما يقول. كان الشرط واضحا ومحددا «أن أعتنق الإسلام.» وهو ما كان، انتهى المطاف بزكريا إلى اعتناق الإسلام، ومع ذلك فإنهم «زوجوني بها على مضض بعد تجاوز الآثار النفسية التي تركتها عموم عائلتها الكبيرة على أسرتها الصغيرة،» فهي لا يمكنها التحول إلى المسيحية لأن دينها سيعتبرها عندئذ مرتدة.

في المقابل، فإن الكنيسة الأرثوذكسية ترفض قبول تحول المسلم إلى المسيحية، «لأن القانون يمنع ذلك.» يقول الأب سالم مدانات، عضو المحكمة الكنيسة الأرثوذكسية: «لدي حالة لشاب يريد أن يتزوج من فتاة مسيحية عائلتها محافظة، ويريد أن يعتنق المسيحية لأجل قبوله. هذا أمر مرفوض لدينا، حتى لو سجلناه في الكنيسة فالأمر مرفوض، ففي النهاية سيذهب إلى دائرة الأحوال المدنية، ودائرة الأحوال المدنية سترفض هذا الزواج، وستطلب تثبيت الزواج في المحكمة الشرعية».

شريف 51 عاماً، اعتنق الإسلام قبل عدة سنوات قال بوضوح «اعتنقت الإسلام لأتزوج بمن أحب. لم أكن مسيحيا في الأصل ولا مسلما الآن، أنا مسلم على الهوية».

أما حالة جورج، المسيحي الثلاثيني فقد اعتنق الإسلام «طوعا»، ليتزوج من سيدة «ملتزمة دينيا»، تعمل داعية متجولة في البيوت لإعطاء دروس دينية لسيدات في منازلهن، تعّرف عليها بالصدفة في بيت صديقه المسلم، حيث كانت أم الأخير تأخذ دروسا عند الداعية. وفي يوم صادفت زيارته وجود الداعية عند والدة صديقه. سمع الصوت، فعلق في أذنيه. وبعدها بدأ يسأل صديقه عن الدين الإسلامي وعبر له عن نيته دخول الإسلام ولكن على أن يتحدث مع الداعية «العزباء»، وهذا ما كان وخلال أقل من شهر كان يعلن إسلامه ويقترن بها.

في الأردن، كما هو الحال في دول عربية أخرى، لا تستطيع الفتاة أو الشاب من ديانات مختلفة الزواج دون عوائق، فليس هناك في قانون الأحوال الشخصية مفهوم الزواج المدني، وليس هناك صيغة رسمية لتغيير الدين، وبذلك، تتقلص فرص الزواج لكل من يحب آخر من دين مختلف.

المقصود بالزواج المدني أن يوثق المتزوجون عقود زواجهم وأبنائهم لدى دائرة الأحوال المدنية، وليس في المحاكم الشرعية، وهو أمر صعب التطبيق، فذلك يعني التخلي عن الإرث. «وهنا يتداخل ما هو ديني بما هو دنيوي.

دائرة قاضي القضاة، هي الجهة الوحيدة في الأردن التي يستطيع من يريد اعتناق الإسلام أن يثبت إسلامه من خلالها. وبحسب إحصاءات الدائرة فإن عدد الأفراد الذين اعتنقوا الإسلام خلال الأعوام 1997-2006 بلغ 3451 فردا من ذكور وإناث، والذين تقدموا في العام 2006 وسُجلت لهم حجج الإسلام بلغوا 488 وفي عام 2005 كان عددهم 454 فردا، وفي عام 2004 كان عددهم 396 فردا وفي عام 2003 كان العدد 319 فردا.

الفرق بين الحالتين أو الثلاث حالات التي تحدثت عنها سميرة وبين الأرقام التي أوردتها دائرة قاضي القضاة، يعود إلى أن معظم الحالات التي تتحدث عنها الدائرة تعود إلى الخادمات الآسيويات اللواتي يتحولن إلى الدين الإسلامي بكثرة وبسرعة، وذلك بعكس المواطنين المسيحيين الذين لا يتحولون إلى الإسلام إلا بنسب ضئيلة جدا، وفي حالات معينة ومحددة، ربما كان الزواج أبرزها.

دائرة قاضي القضاة، أصدرت تعميما إلى المحاكم الشرعية كافة تشدد على ضرورة التأكد من أن إسلام المسيحي لا يكون لأهداف دنيوية، وأن لا تكون لأي مسيحي يريد اعتناق الإسلام قضية مسجلة في المحاكم الكنسية، بهدف الهروب منها. ولا تستمر إجراءات إعلان الإسلام، وفق مدير دائرة قاضي القضاة الشيخ عصام عربيات، إلا بعد التأكد والتثبت والتحقق، وعن قناعة تامة والإطلاع والقناعة بالشريعة الإسلامية.

المحامية الشرعية، سميرة زيتون تقول إن "معظم معتنقي الإسلام غيروا دينهم بهدف الاقتران بالطرف الآخر من المسلمين، أما في حالة الزوجين المسيحيين واللذين يعتنق أحدهما الدين الإسلامي فيكون ذلك، في العادة، من أجل الخلاص من المشاكل العالقة بينهما، وبالتالي يلجأ أحدهما إلى تغيير دينه لينتهي من المشاكل العالقة بينهما في المحاكم الكنسية، ولأن قرار الكنيسة لا يتوافق مع أهوائهم فإنهم يغيرون دينهم للانتهاء من هذا الالتزام،" لافتة إلى أن النساء هن الأكثر تغييرا لدينهن.

وتقدر سميرة التي عملت طوال سنوات على متابعة قضايا "تغيير الدين"، حالات تغيير الدين من المسيحية إلى الإسلام بنحو 2- 3 خلال السنة الواحدة، "وهي نسبة تزيد على ما كانت عليه في السابق، حيث كانت تسجل كل سنتين وثلاثة حالة أو حالتين." كما تقول سميرة.

ويقول البروفيسور قيس صادق، إن معظم الذين يغيرون دينهم إلى الإسلام يفعلون ذلك بهدف "الهروب من الخلافات الزوجية والطلاق، أو أن تعلن امرأة إسلامها للهروب من زوجها." ويوافقه الرأي الباحث حمدي مراد الذي يرى أن 50 بالمائة من الذي أسلموا قاموا بذلك للهروب من التزامهم مع أزواجهم الذين لا يستطيعون الطلاق منهم في حالة الخلافات، و50 بالمائة من الباقين أسلموا عن قناعة ومحبة.

البند الثامن عشر من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يتحدث عن حق كل شخص في اختيار الفكر والضمير والتوجه والحزب والدين الذي يراه مناسبا له، وهو ما وقعّت عليه دول كثيرة في العالم من بينها الأردن.

الشيخ عربيات يوضح بأن القانون العالمي لحقوق الإنسان يتفق والشريعة الإسلامية ولا يخالف الأنظمة في الدولة..أما إذا كان هناك بند مخالف للشريعة فيتم التحفظ عليه.. "حقوق الإنسان في البداية موضوعة من رب الناس، وإذا كانت هناك اتفاقية معينة بين الدول ومخالفة، فيتم التحفظ عليها. نحن نحترم الاتفاقيات الدولية شرط ألا تكون هناك مخالفة للشريعة الإسلامية".

ويعلق فيليب مدانات، بأن الأردن وقع على الاتفاقية الدولية المتعلقة بحرية الأديان مؤخرا، ولكنه يلاحظ أن هذا التوقيع غير مفعّل. وهو يطالب بمحو بند الديانة كليا من الهوية الشخصية، على أن يكون مثبتاً في شهادة الميلاد فقط.

في الأردن، ثمة ما هو أكثر من ذلك، فهنالك الجانب العشائري الذي يدخل في قضية مثل الحب والزواج بين شابين من دينين مختلفين. يقول شريف إن الدولة "تساهم في تكريس هذا الواقع.

"المجتمع الأردني تحكمه العشائرية. يقول الأب سالم مدانات، وعضو المحكمة الكنيسة الأرثوذكسية، الذي عايش كثيرا من هذه الحالات عن قرب، "فالفتاة المسيحية التي تتزوج مسلما تتعرض لمقاطعة عائلتها، وقد لا تتزوج أخواتها بسببها، وهذا ينطبق على الشاب أيضاً."

لكن العشيرة ليست مشكلة، برأي فيليب مدانات رئيس تحرير مجلة "المغطس" والتي تعنى بشؤون المسيحيين في الأردن وفلسطين. "فمن يعتنق دينا غير دينه الإسلامي، يتم الحكم عليه من قبل المحكمة الشرعية بالردة. أما المسيحي الذي يغير دينه فقليلة جدا هي الحالات التي تعرض فيه مثل هذا الشخص إلى إيذاء أو قتل."

البروفيسور قيس صادق، مدير مركز الدراسات المسكونية، يرى أن "العشائرية، هي الأقوى في المجتمع،" ولكن يجب أن "لا يعظم دورها لأن ملاحقة الفتاة التي تغير دينها يكون في الغالب من منطلق مفاهيم الشرف والعار فقط وليس من منطلق ديني."

بعكس صادق، يرى حمدي مراد، الباحث الإسلامي، نائب مدير مركز التعايش الديني، أن العشائرية في جوانب عديدة منها مرتبطة بالدين، فهي تلتقي مع الإسلام."وإذا ما خيرت بين العشائرية والدول الأكثر تقدما وعصرنة في العالم، فإنها تختار العشائرية."

عقبات كأداء وطرق مقفلة أمام حالات حب عابرة للأديان
 
03-Jul-2008
 
العدد 33