العدد 33 - ثقافي
 

مراجعة: إيثيل سارة وولبر*

يمثل كتاب سمير العكش، علم الكونيات والهندسة المعمارية في العصر الإسلامي قبل الحديث: دراسة معمارية في أفكار صوفية، أحد آخر الإضافات إلى نوع من الأدبيات حول العلاقة بين الإسلام والفنون. يبدأ تركيز العكش على علم الكونيات في العصر الإسلامي قبل الحديث وعلى الصوفية والهندسة المعمارية، بسلسلة من الأسئلة حول تأسيس مفاهيم وظهور عالم محدد وعلاقاته بالمقدس. وتتوزع إجابات العكش على ثلاثة حقول: أعمال ابن عربي وغيره من الصوفيين، فيما قبل العصور الحديثة حول علم الزينة، ودراسة مختصرة للصروح الأساسية للعمارة الإسلامية وبحث عن الأداة التي تربط بين هذين الحقلين. ويستخدم العكش فكرة "الحساسية المكانية" لمعالجة العلاقة بين علم الزينة الصوفي والعمارة. وهو يجادل عبر دراسته، بوجود مبدأ ذي نظام كوني كان بمثابة حجر الزاوية للحساسية المكانية في عصور الإسلام قبل الحديثة.

أحد الأمور العديدة التي تجعل هذه الدراسة أكثر تأثيرا هو منهج الوعي الذاتي الذي يستخدمه العكش في موضوعه الواسع والصعب. وهو يبدأ كتابه بمقدمة ذات طابع تأملي لدراسة العلاقة بين الإسلام والعمارة يشمل نقاشا لاتجاهين رئيسيين في الحقل يمكن تعريفهما بأنهما: المنهج المتواتر أو التقليدي، والمنهج التاريخي أو الحديث. يعرف العكش المنهج المتواتر من خلال دراسة كتابات كوماراسوامي ونصوص لأردلان وبختيار. فما يجمع بين هؤلاء العلماء هو بحثهم عن عقيدة ثابتة تربط بين جميع الأشكال، أو ما يصفه نصر بأنه الحقيقة الخالدة في قلب جميع التقاليد. والمجموعة الثانية هم أولئك الذين يبحثون عن معنى من خلال سياق اجتماعي تاريخي دائم التغير بعد أن هجروا فكرة المعنى الكامن، مفضلين عليه التركيز على طبيعة الإدراك المرئي. وكما يشير العكش، فإن العلماء من هذه المجموعة الأخيرة – بمن فيهم مراجع هذا الكتاب – كانوا انتقاديين في صورة خاصة للاتجاهات التأسيسية والتعميمية للاتصاليين الذين تجاوزا خلال بحثهم عن الحقيقة الكونية، تفاصيل الزمان والمكان. وفي النهاية، كما يشير العكش، فإن التمييز بين هاتين المجموعتين يأتي من خلال اختلاف في الأهداف. ففيما يتبع العكش أولئك الذين يستخدمون المعمار بوصفه أداة لدراسة أنساق الفكر، وطريقة لدراسة الأفكار الكونية، فإن مؤرخي الفن الإسلامي، والعمارة الإسلامية يركزون على كيفية استقبال وإبداع الأعمال الفنية المعمارية تغيرت عبر الزمان والمكان.

يتضمن الكتاب أربعة فصول بأطوال مختلفة، بحسب ما يراه العكش بوصفه المثقف المختلف والنظام المكاني للإسلام ما قبل العصر الحديث. يبدأ العكش بنقاش مطول حول استخدام الرمزية في الفصل الذي وضعه حول الأنظمة الاستطرادية، فيأخذنا عبر مفهوم صوفي محدد للأنظمة الكونية، وأنظمة ما وراء الطبيعية. وترتبط نقاشاته بموضوعات عدة، الأول هو الاعتماد على مبادئ ابن عربي بوصفه ممثلا لرأي العالم الصوفي. ولا شك أن تعقيد وشمولية كتابات ابن عربي، ورسومه البيانيه العديدة، تسلم نفسها لبحث العكش عن حساسية مكانية ما قبل حداثية. والثاني هو جدل للحقيقة المعرفية الكامنة خلف الصيغ المكانية ودعوة لاتباع منهج التقليديين في إنقاذ دراسة الصيغ الإسلامية من الإفلاس الروحي للعصر الحديث. والمنهج الأخير إشكالي في صورة خاصة، فالعكش نفسه يوافق على أن كثيرا من استخلاصاته حول الحساسيات المكانية، هي جزء من عوالم غير حديثة أخرى مثل العصر الإسلامي ما قبل الحديث. ونبقى حتى الفصل الأخير ليحول العكش تركيزه إلى تحليل مفصل للصروح المعمارية الإسلامية مثل قبة الصخرة، والكعبة. ويتميز نقاشه للكعبة في صورة خاصة بالغنى وهي إضافة ضرورية جداً للدراسات المعمارية الإسلامية. وخلال نقاشه لكونية الكعبة، يستحضر معلومات أساسية من النقاشات التي جرت في عصور الإسلام الأولى للأشكال المختلفة للكعبة. وفي مثل هذه النقاشات يصبح نقاش العكش أكثر عقلانية، لأن هذه الأشكال الحاسمة والنقاشات التاريخية المحيطة بمعناها، يمكن أن تقول لنا الكثير حول الكيفية التي كان الناس بها يستخدمون مواضيع أساسية من العمارة المقدسة بوصفها روابط مع المقدس وطرقا لفهم العلاقة بين عالم له حدود وما وراء هذا العالم.

إن علم الكونيات والهندسة المعمارية في عصر الإسلام قبل الحديث، كتاب يأتي في وقته، ويجب أن يقرأه كل العلماء المهتمين في مواجهة الانقسام بين مؤرخي الهندسة الإسلامية وعلماء الأديان والفلسفة الصوفية. ورغم أنه كان في الإمكان انتقاد العكش على كثير من التعميمات الكاسحة حول الفكر الصوفي، والعمارة الإسلامية، فإن الكتاب إضافة مهمة لنقاش مستمر حول العلاقة بين الإسلام والفن.

* قسم التاريخ، جامعة هامبشاير

* بالتعاون مع:

المجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط

International Journal of Middle East Studies

دراسة للمنظور الاسلامي في العمارة: “الحقيقة الخالدة في قلب جميع التقاليد”
 
03-Jul-2008
 
العدد 33