العدد 33 - اقتصادي | ||||||||||||||
جمانة غنيمات يرسم مؤشر ارتفاع أسعار المحروقات سيناريوهات سلبية للأوضاع الاقتصادية مستقبلاً، لا سيما ما يتعلق بقيمة احتياطي المملكة من العملات الصعبة وقدرتها على تغطية قيمة المستوردات التي يتوقع وزير الطاقة أن ترتفع العام الحالي لتبلغ 3 بلايين دينار صعوداً من 2 بليون دينار العام الماضي. توقعات خبراء النفط تشير إلى أن سعر البرميل سيواصل تحليقه حتى نهاية العام. المتفائلون من الخبراء يرون أن السعر سيقفز إلى 150 دولاراً للبرميل، أما المتشائمون منهم فيتوقعون أن يخترق حاجز 200 دولار. السيناريوهات السيئة التي يرسمها مؤشر السعر في حال تابع صعوده، تعكس صورة قاتمة لما سيحل باقتصاد بلد غير نفطي كالأردن يستورد كامل احتياجاته النفطية. يتفق الجميع أن النفط يعد أكبر تحد يواجه صانع القرار، لا سيما أن العبء الذي يفرضه صعود سعره وفق المعطيات الحالية لا يؤثر على الخزينة التي تخلصت من دعم المشتقات النفطية بداية العام، حين قررت بيع هذه السلعة الاستراتيجية اعتمادا على أسعارها العالمية مضافا إليها عدد من الضرائب والرسوم وتكلفة الشحن والنقل، بل إن كل الأثر سيطال المستهلك، ويستنزف دخله المثقل أصلاً. متوالية ارتفاع الأسعار تنتهي دائما عند المستهلك. فهامش الربح لا يتغير ويجيّر ارتفاع الكلفة إلى المواطن الذي لم يعد قادراً على تحمل المؤشر الصعودي إلى ما لا نهاية. التوقعات بارتفاع الأسعار مؤشر خطر لناحية ضعف قدرة شريحة واسعة من الأسر تعاني أصلاً من فجوة واسعة بين دخلها وإنفاقها تصل 1330 ديناراً سنوياً، في وقت يقل فيه دخل 75 بالمئة من القوى العاملة التي قوامها مليون وربع المليون نسمة عن 200 دينار شهرياً. فكيف ستقوى هذه الفئة على مواجهة ارتفاع أسعار سلع أساسية مثل المشتقات النفطية؟ المشكلة لا تعني المواطن وحده، فبلوغ سعر النفط إلى أكثر من 150 دولاراً للبرميل هي مشكلة تهم الجميع؛ الحكومة، القطاع الخاص، والأفراد وعلى كل طرف من جانبي المسؤولية أن يتحملها. الحكومة، على لسان أحد وزرائها، "لا تمتلك سيناريوهات جاهزة لمواجهة هذه المشكلة"، بل إنها "لم تدرس لغاية الآن البدائل التي يمكن اللجوء إليها في حال بلغ سعر النفط أكثر من 150 دولاراً". المسؤول الذي استبق الحديث عن ارتفاع النفط بالقول "لا قدر الله"، لا يمتلك رؤيا واضحة حول كيفية التعامل مع هذه الحال التي لا تنبىء بخير على مستوى الحكومة والأفراد. بشكل عام، يتوقع أن تتراجع احتياطيات المملكة من العملات الصعبة، ما يقلل مقدرة الخزينة على تغطية الواردات التي بلغت خلال العام الماضي نحو 9.6 بليون دينار، وارتفعت خلال الأربعة أشهر الأولى من العام الحالي بمعدل 30بالمئة ، بمعنى أن الاحتياطي في هذه الفترة كان يغطي قيمة المستوردات مدة ثلاثة أشهر و12 يوماً فقط، فيما يعتبر صندوق النقد أن ثلاثة أشهر هي الفترة الحرجة في هذه المسألة. كذلك يتوقع أن يتفاقم عجز ميزان المدفوعات، عجز الموازنة، العجز التجاري الذي يبلغ 39 بالمئة خلال الثلث الأول من العام الحالي، ليدخل الاقتصاد في حالة تباطوء نتيجة تراجع تنافسية الصناعات الوطنية بسبب ارتفاع الكلف. الانعكاس الأهم لسعر برميل النفط سيكون على معدلات التضخم التي ستبلغ مستويات غير مسبوقة، يقدرها خبراء اقتصاد بنحو 15 بالمئة ، بمعنى أن جميع أسعار السلع والخدمات ستزداد، الأمر الذي سيثقل كاهل المستهلك، ويوقعه بضائقة مالية. كما يتوقع أن تتراجع معدلات الادخار التي تراجعت خلال الأعوام الماضية نتيجة الفرق بين الدخل والإنفاق، إذ تشير الإحصاءات إلى أن متوسط دخل الأسرة يبلغ 6.2 ألف دينار سنويا، مقابل متوسط إنفاق يبلغ 7.5 ألف دينار شهرياً. سجل الادخار المحلي، الناتج المحلي الإجمالي مطروحاً منه الاستهلاك الكلي، نسبة سالبة مقدارها 7.3بالمئة في العام 2005 علماً بأن الادخار القومي، هو الناتج القومي الإجمالي مطروحاً منه الاستهلاك الكلي، والذي سجل نسبة سالبة أيضاً وبمقدار 4.1بالمئة خلال الفترة ذاتها. أسعار النفط لن تنتظر بدء استغلال مصادر طاقة بديلة، لا سيما أن أقرب توقيت لتكرير الصخر الزيتي هو العام 2015، علماً بأن الاحتياطي المثبت من هذا الخام يتجاوز 40 بليون طن. كذلك الأمر بالنسبة للطاقة النووية واستغلال خامات اليورانيوم، إذ يعتقد أن الاحتياطات المستكشفة من أوكسيد اليورانيوم أو ما يعرف عالمياً بـ"الكعكة الصفراء" تلامس 65 ألف طن. في بداية العام حينما شرعت الحكومة باتخاذ الخطوة الأخيرة من رفع الدعم عن المشتقات النفطية، اتخذت إلى جانب هذا القرار قراراً بإيجاد شبكة أمان اجتماعي تكلفتها 500 مليون دينار رصدت في الموازنة العامة، وبات الجميع يعرف أن هذه الشبكة لم تغط سوى النذر اليسير من آثار القرارات السلبية التي طالت الجميع. لكن الوضع مختلف تماماً الآن، إذ يتوقع أن يفتك سعر برميل النفط بما تبقى من قدرة على المقاومة لدى المواطن محدود الدخل ومتوسطه، ليتآكل ما تبقى لديه أيضاً من مقدرة على التحمل، ما يوجب على المخططين وضع رؤيا ومخطط يأخذان صعوبة الموقف في الاعتبار، ويضعان الحلول المواتية له. |
|
|||||||||||||