العدد 33 - اقليمي
 

عديدة هي القضايا التي كانت مدرجة على جدول أعمال قمة دول الاتحاد الإفريقي الذي اختتم أعماله قبل أيام في منتجع شرم الشيخ المصري بعد يومين من النقاش والجدل ومحاولات حل الأمور الشائكة بين الدول الأعضاء، غير أن الانتخابات المثيرة للجدل التي جرت أخيرا في زيمبابوي والتي أسفرت عن إعادة انتخاب الرئيس روبرت موغابي، هيمنت على أجواء المؤتمر الذي تضمن بيانه الختامي دعوة للحوار بين الرئيس المنتخب وبين زعيم الحركة الديمقراطية من أجل التغيير، مورغان تشانغراي، كما طالب المؤتمر طرفي النزاع في زيمبابوي بضرورة ضبط النفس.

الدورة الأخيرة من مؤتمر القمة الإفريقي عقدت تحت عنوان «تحقيق أهداف التنمية للألفية الجديدة في قطاعي المياه والصرف الصحي،» ما يشير إلى أولوية القضايا الاقتصادية وتقدم بند التنمية على ما عداه في القارة السمراء، وبدا هذا جليا في أن المؤتمر أطلق في ختام أعماله تقريرا كان قد أعده فريق معني بتحفيز عملية تطبيق أهداف التنمية للألفية الجديدة، والذي ارسي مجموعة من الاستراتيجيات والخطوات العملية والبرامج من أجل تحقيق أهداف التنمية التي أقرتها الأمم المتحدة، علما بأنه سيتم تطبيق تلك البرامج بمساعدة عدد من الجهات، وعلى رأسها الأمم المتحدة ومفوضية الاتحاد الإفريقي وبنك التنمية الإفريقي والمفوضية الأوروبية وصندوق النقد الدولي وبنك التنمية الإسلامي والبنك الدولي.

كما أطلقت القمة "إعلان شرم الشيخ حول مواجهة أزمة الغذاء وتحديات التنمية الزراعية"، في محاولة لتقليل الآثار الناجمة عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية على المستوى العالمي، بخاصة أن تلك القارة، التي تفتك ببعض شعوبها المجاعات، مثقلة بهموم ذات صلة بالأمن الغذائي.

لكن القارة السمراء لا تعاني فقط من المجاعات والهموم الاقتصادية، بل تنتشر على رقعتها الحروب بين الدول المتجاورة والحروب الأهلية، وفي هذا الإطار جاءت إشارة القادة الأفارقة المجتمعين في شرم الشيخ إلى تقرير أصدره مجلس الأمن والسلم الأفريقي، والذي عبر عن انشغال المجلس العميق إزاء الوضع السائد على الحدود بين جيبوتي واريتريا. كما طالب بالانسحاب الفوري لجميع القوات المتمركزة على الحدود منذ الرابع من فبراير/شباط الماضي. كما عبر عن قلقه لما يحدث في دارفور، حيث لم يحرز أي تقدم في العملية السياسية هناك، وحث المؤتمر جميع الأطراف على التعاون الكامل مع الوساطة المشتركة بين الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة.

وبما يتعلق بالصومال، الذي اجتمعت فيه حرب التدخل، من جانب جارته إثيوبيا، وبضوء أخضر أميركي، والحرب الأهلية التي اندلعت في شهر حزيران/يونيو 2006، حين برزت المحاكم الشرعية بوصفها التنظيم الأقوى عسكريا على الساحة السياسية الصومالية، فاجتاحت مدن البلاد واحدة تلو الأخرى، ولم تتوقف إلا بتدخل القوات الإثيوبية التي سرعان ما تحولت من قوة خارجية دخلت بذريعة وضع حد للقتال في الصومال إلى واحدة من القوى المتصارعة على الساحة المضطربة منذ عقدين من الزمن.

رغم هذا فإن المؤتمر أعرب عن ارتياحه للتقدم المحرز في تعزيز العملية السياسية الشاملة في البلد الذي يعتبر مفتاح القرن الإفريقي، في إشارة إلى الاتفاق بين الحكومة الاتحادية والتحالف من أجل إعادة تحرير الصومال. وحث المؤتمر الجميع على الانضمام لهذه العملية. كما ناشد المجتمع الدولي مساعدة الصومال على تخطي أزمته.

السودان، البلد الذي تحاصره الأزمات من الخارج، وتضعفه من الداخل، كان حاضرا أيضا بأزماته تلك بقوة في القمة الإفريقية، فهو يعيش أزمة ثقة مع جارته الغربية، تشاد وجارتيه الشرقية والجنوبية؛ إريتريا وإثيوبيا. وفيما تتهم تشاد السودان بدعم المتمردين على سلطة الرئيس إدريس ديبي، فإن السودان يتهم تشاد بدعم متمردي دارفور على حدوده الغربية. لذا لم يكن غريبا أن تتواتر أنباء عن عقد لقاء ثلاثي لإنهاء التوتر بين الجارتين الإفريقيتين شارك فيه الرؤساء: المصري حسني مبارك، والسوداني عمر البشير، والتشادي إدريس ديبي في مسعى للمصالحة، غير أن مصطفى عثمان إسماعيل، مستشار الرئيس السوداني، أعلن أن اللقاء بين البشير ومبارك تم بالفعل، لكنه نفى عقد أي اجتماعات مع الرئيس التشادي.

النفي، يمثل في أحد جوانبه إشارة إلى عمق الأزمة بين السودان وتشاد، إضافة إلى الأزمة الداخلية التي يعيشها كن منهما، وبخاصة بعد التطورات الأخيرة التي تمثلت في تصاعد الهجمات التي يقوم بها المتمردون التشاديون على مناطق متفرقة من البلاد بما في ذلك العاصمة نجامينا. وفي وقت سابق من العام الجاري، احتلت قوات المتمردين العاصمة، ولم يبق للنظام ما يسيطر عليه سوى القصر الجمهوري الذي تحصن فيه الرئيس التشادي، قبل أن يدحر هجوم المتمردين بمساعدة عسكرية أميركية.

وفي السودان، تبقى قضية دارفور جرحا داميا، مع اتساع نطاق التمرد هناك واستعصاء الحل وعدم إحراز أي تقدم في العملية السياسية، يضاف إلى ذلك حالات التعثر التي تبرز بين حين وآخر بما يتعلق بالجنوب السوداني، والتي وصلت حدا منذرا من السخونة أكثر من مرة خلال العامين الماضيين التاليين لعقد معاهدة السلام بين الحكومة المركزية والحركة الشعبية لتحرير السودان.

البيان الختامي للقمة الإفريقية، الذي اتخذ شكل نداءات ودعوات للحوار بين الأطراف المتنازعة داخل الدول الإفريقية وما بينها أبرزت العجز الذي تواجهه منظمة المؤتمر الإفريقي، شأنها في ذلك شأن المنظمات المماثلة التي ظهرت في مرحلة كانت فيه الدول الإفريقية، وبعض الدول الآسيوية، تخوض مرحلة التحرر الوطني، وحين أنجزت مهمة التحرر الوطني فشلت هذه الدول في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ثم ما لبثت أن برزت المشاكل الحدودية والإثنية التي مزقت قلب القارة الإفريقية، فلم تجد القمة أمامها سوى توجيه النداءات للحوار والمصالحة.

قمة شرم الشيخ للدول الإفريقية: القارة ساحة قتال والقمة تعالج مشاكلها بدعوات للمصالحة
 
03-Jul-2008
 
العدد 33