العدد 33 - اقليمي
 

عبدالسلام حسن

القدس- في الوقت الذي تتعثر فيه جهود الوساطة بين حركتي فتح وحماس، جاء السجال المبكر، حول موعد انتهاء ولاية الرئيس محمود عباس، ليباعد أكثر في المواقف ويزيد الأمور تعقيداً، وليلقي بمزيد من ظلال الشك على امكانيات  تحقيق المصالحة المنشودة، وإنهاء حالة الانقسام على الساحة الفلسطينية.

المعركة بين فتح وحماس هذه المرة ليست في الميدان، وبالسلاح، كما جرت قبل عام ويزيد عندما آلت الامور الى سيطرة حماس على قطاع غزة، وانما دستورية -على الأقل من حيث الشكل والأدوات. فكل يتحصن خلف فهمه وتأويله لبنود القانون الأساسي (الدستور) واللوائح المتعلقة بولاية الرئيس، من أجل تعزيز مواقعه السياسية.    

وكان الرئيس عباس وجه في خطاب متلفز ألقاه في الخامس من حزيران  دعوة لحماس للبدء في حوار وطني شامل لتنفيذ المبادرة اليمنية" التي وافق عليها الطرفان في مارس آذار 2008.

وحسب بيان توضيحي صادر عن ديوان الفتوى والتشريع في السلطة الفلسطينية، برئاسة عبدالكريم أبو صلاح، فإن " الولاية الرئاسية للرئيس عباس تمتد حتى نهاية الولاية التشريعية للمجلس التشريعي الثاني المنتخب في 25 كانون الثاني 2006". وهذا يعني أن ولاية الرئيس ستمدد سنة إضافية بما يمكن من إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في آن معاً.

حركة حماس التي تمتلك من الشرعية الدستورية -كونها منتخبة وتملك اغلبية في المجلس التشريعي- ما يمتلكه الرئيس باعتباره منتخباً، رأت في هذه "الفتوى" محاولة من جانب فتح للاحتفاظ بمصادر القوة الدستورية التي يمتلكها الرئيس.

وجاء موقف الحركة حاداً على لسان رئيس المجلس التشريعي بالإنابة احمد بحر، الذي قال "إن الرئيس عباس إذا استمر في الرئاسة، بعد 9 كانون الثاني 2009،  وأخذ برأي بطانته، فإنه سيكون مغتصباً للسلطة".

يشار الى أن هذا الخلاف "التشريعي" يأتي في ظل أجواء من الشك اعقبت الغاء وفد حركة فتح الى قطاع غزة برئاسة حكمت زيد مستشار الرئيس محمود عباس، لقاء كان مقررا في 22 حزيران مع إسماعيل هنية رئيس الحكومة المقالة. وعلل زيد ذلك بأن هنية هو رئيس حكومة مقالة غير شرعية ولا يمكن اللقاء به بهذه الصفة، موضحاً "أن خطأ حصل في عمليات ترتيب اللقاء استدعى إلغاءه".

ورأت النائب عن الجبهة الشعبية، خالدة جرار، أن توقيت هذا الجدل على ولاية الرئيس ضار ويؤثر سلباً على الحوار. "الوقت غير مناسب لمثل هذه السجالات والأجدى أن يتم بذل جهود حثيثة في موضوع الحوار، ومعالجة الانقسام.

وقالت: الآن بات هناك تشكيك في الشرعيات، وهذا يدخل المجتمع في حالة من الفوضى ويكرس الفصل بشكل كامل. ما يحدث مشكلة كبيرة وسيترتب عليها تعميق ومأسسة الانقسام، بحيث يكون لدينا نظامان قضائيان وحكومتان ومجلس تشريعي يعقد جلساته بشكل منفصل في غزة.

وكان عضو المجلس الثوري لحركة فتح، جبريل الرجوب، صرح مؤخراً بأن موازين القوى داخل الحركة تميل الى الحوار مع حركة حماس. وقال "هناك شبه إجماع فتحاوي على ضرورة الحوار والاتفاق ، وأنه لا يوجد خيار آخر ".

ورأى " أن دعوة عباس صادقة وجدية، والجديد فيها أنها أسقطت الشروط السابقة وتركت الباب مفتوحاً ، والبرنامج السياسي سيكون نتاجاً لحوار واتفاق".

وشرح رئيس ديوان الفتوى والتشريع رأيه بالقول: "إن النصوص القانونية وفقاً لأحكام القانون رقم (9) لسنة 2005، بشأن الانتخابات وتعديلاته تفيد بأن: مع مراعاة أحكام المادة الانتقالية (111) من هذا القانون، وفي ما عدا أول انتخابات تشريعية تجرى بعد إقرار هذا القانون فقط، يتم انتخاب الرئيس، وأعضاء المجلس في آن واحد في انتخابات عامة حرة ومباشرة بطريق الاقتراع السري".

ولفت الى "إن الفترة الزمنية التي سبقت الانتخابات التشريعية هي مكملة للولاية الرئاسية السابقة، مؤكداً أن الرأي القانوني وفقاً للنصوص الدستورية والقانونية "يظهر انتهاء الولاية الرئاسية العام 2010".

وأوضح أبو صلاح أن مشرع القانون سابق الذكر يهدف الى الوصول إلى تزامن في الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وكان هذا الأمر هدفاً سامياً سعى إليه وأكده بشكل واضح في نصوص المواد الدستورية (36-47) من القانون الأساسي المعدل وتعديلاته".

بدوره أيد الرئيس الأسبق للمجلس التشريعي رفيق النتشة (فتح) الرأي الذي قدمه رئيس ديوان الفتوى والتشريع بخصوص موعد انتهاء ولاية الرئيس عباس، مؤكداً أن أبو صلاح استند الى كافة المواد الموجودة في القانون الأساسي وكافة القوانين والمواد الصادرة عن المجلس التشريعي.

وقال: القانون الأساسي الفلسطيني ينص على أن ولاية الرئيس وكذلك المجلس التشريعي مدتها أربع سنوات. أما الفارق في موعد انتهاء ولاية التشريعي والرئيسي فقد بحثه المجلس التشريعي في الفترة التي كان فيها برئاستي، وأصدر قانونا يردم الهوة بين المسافتين بحيث تعتبر ولاية الرئيس مستمرة لحين انتهاء ولاية التشريعي بقصد التخفيف في الأعباء المترتبة على اجراء الانتخابات مرتين.

من جانبه، اعتبر بحر " أن التأويلات التي قدمها رئيس ديوان الفتوى والتشريع "محاولة التفافية لا سند قانونياً لها". وقال: "مسألة الانتخابات الرئاسية قانونها واضح وضوحَ الشمس .. فالمادة 36 من القانون الأساسي تؤكد أن مدة ولاية عباس أربع سنوات، وهي مدة تنتهي في التاسع من كانون الثاني 2009، ومن يريد غير ذلك فهو يقترف مجزرة قانونية بحق الدستور".

وأضاف: "في التاسع من كانون الثاني المقبل تنتهي ولاية الرئيس عباس، لتنتقل الرئاسة لرئيس المجلس التشريعي لمدة ستين يوماً، يصار بعدها لانتخاب رئيس جديد".

وأكد أنهم لن يعترفوا بعباس رئيساً للسلطة بعد نهاية هذه الفترة. " لن يكون رئيسا، لأنه يعتدي على الدستور ويغتصب السلطة، ولذلك عليه أن يتحمل المسؤولية"، على حد قوله.

يشار الى ان رئيس المجلس التشريعي عزيز دويك يقبع مع أكثر من اربعين نائباً حمساوياً كرهائن في سجون الاحتلال عقب الهجوم الذي نفذته حركة حماس مع لجان المقاومة الشعبية وجيش الإسلام وأسرت خلاله الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليت في حزيران 2006.

ويتولى أحمد بحر، رئاسة المجلس بالإنابة منذ ذلك الوقت، ما يعني- من وجهة نظر حركة حماس- أنه إذا لم يخرج دويك من السجن، فإن بحر سيكون الرئيس الانتقالي للسلطة الفلسطينية بعد انتهاء ولاية عباس،

 وتعقيباً على تصريحات بحر، اعتبر النتشة أن هذه الأقوال تؤشر الى مزيد من الانقسام وتمهد لأن يكون هناك رئيسان، وليس فقط حكومتان في الضفة والقطاع، واحد شرعي والآخر يفرض نفسه بالرجوع الى اجتهادات لا أساس قانوني لها وهذا مؤسف ومحزن.

وقال : إننا نتطلع مع الجميع وبخاصة مع حماس، الى أن يكون هناك انتخابات مبكرة نعود فيها الى الشعب صاحب القرار والسلطات والمرجعية ونطرح موضوع الانتخابات عليه، والشعب حر من يختار حتى لو كان الرئيس والحكومة من حماس..

يذكر ان الراحل ياسر عرفات انتخب رئيساً للسلطة الفلسطينية مطلع العام 1996، واستمر حتى وفاته في 11 تشرين الثاني 2004. وقد خلفه بموجب القانون الأساسي الفلسطيني رئيس المجلس التشريعي في حينه روحي فتوح، الى حين اجراء انتخابات رئاسية في 9 كانون الثاني 2005، فاز فيها الرئيس الجديد للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير محمود عباس.

من جانبها، اعتبرت جرار أن هناك اجتهادين بخصوص ولاية الرئيس، والاجتهادان فيهما قدر من الصواب، وفي القانون دائما هناك أكثر من اجتهاد.

لكنها رأت أن الخلاف سياسي وليس قانونياً، وهو يأتي في اطار محاولة كل طرف لتسجيل نقاط لصالحه باستخدام القانون الأساسي. ولو كان الخلاف قانونياً فحسب، فإن المحكمة الدستورية هي الجهة التي تحسم الأمر، والكل يلتزم بقراراتها. لكن الخلاف أعمق من ذلك.

ويعيد هذا الجدل بخصوص نهاية ولاية الرئيس عباس الى الأذهان التجربة اللبنانية الأخيرة المتعلقة برئيس الجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس أميل لحود وما أعقب ذلك من فراغ رئاسي استمر شهوراً الى حين الاتفاق الذي تم التوصل إليه في الدوحة.

لكن الرئيس السابق للمجلس التشريعي، رفيق النتشة، أكد أنه لن يكون هناك فراغ رئاسي، "لأن القانون ينص على استمرار ولاية الرئيس الى حين انتهاء ولاية المجلس التشريعي قانوناً.

وقال: عندها سيطرح الرئيس موضوع الانتخابات على الشعب حسب القانون والأصول المعمول بها والجميع عليه الالتزام بالقانون من أجل اجراء انتخابات جديدة ،والشعب حر في اختيار من يشاء للمجلس التشريعي والرئاسة والكل يجب ان يحترم إرادة الشعب".

ولاية “أبو مازن” تشعل حرباً دستورية بين فتح وحماس
 
03-Jul-2008
 
العدد 33