العدد 33 - أردني
 

"الناطقون بالضاد في أميركا الجنوبية" عنوان لكتاب وضعه الباحث الأردني يعقوب العودات الملقب بـ"البدوي الملثم"، سجل فيه قصص نجاح الجالية العربية في المهجر، وبخاصة في أميركا اللاتينية، في الحقول المختلفة؛ الاجتماعية، والسياسية، والإبداعية. ولا يفوت البدوي الملثم أن يذكر أن الهجرات العربية من سورية، ولبنان، وفلسطين، والأردن بدأها مسيحيو هذه البلاد منذ أواخر القرن التاسع عشر، وأنها كانت إما للعمل، أو طلباً للعلم.

«ے» تلــقي الضـــوء عـــلى إسهــــام الناطقيــــن بالضاد من الأردن في إثراء قصص النجاح التي تحققت في بلدان المهجر.

**

يعقوب العودات

"البدوي الملثم"

بعد وفاة والده، حنا العودات، الذي كان أول رئيس لبلدية الكرك، وجد الفتى يعقوب نفسه مضطراً لإعالة أسرته مع المحافظة على الاستمرارية في الدراسة، فمارس أعمالاً تجارية بسيطة دون أن يثنيه ذلك عن مواصلة الدراسة في أوقات الفراغ، حتى تمكن من الحصول على الإعدادية، لينتقل بعد ذلك إلى الدراسة الثانوية في إربد، حيث تخرج العام 1930.

عمل في سلك التعليم لفترة، ثم تقلب في عدة وظائف حكومية حتى العام 1950 حيث استقال وانطلق في رحلة علمية إلى أميركا الجنوبية استمرت عامين ونصف كانت حصيلتها كتابه الموسوعي "الناطقون بالضاد في أميركا الجنوبية".

في هذا الكتاب الذي صدر عن دار ريحاني في بيروت العام 1956 في مجلدين، رصد البدوي الملثم الهجرات العربية إلى أميركا الجنوبية، ودور الجاليات العربية في تلك البلدان على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، كما تناول بالتحليل عملية الاندماج الاجتماعي للجاليات العربية في تلك البلدان، والعوامل التي يسرت هذا الاندماج.

وقد جاء أسلوب الكتاب الذي يزيد بجزأيه عن الألف صفحة مزيجاً من أدب الرحلات، والمذكرات الشخصية، وأدب السيرة الغيرية؛ إذ قدم العودات في هذا الكتاب سيرا لمجموعة كبيرة من أعلام المهاجرين العرب إلى تلك البلاد مبرزاً أوجه تميزهم وإبداعهم.

وقد حفل الكتاب بالوصف والتصوير للأماكن، والأشخاص وجلسات السمر بما تتضمنه من أحاديث وما تحفل به من أنواع الطعام والشراب، ما أعطى للكتاب ملامح قصصية تضيف المتعة إلى الفائدة لقارئ الكتاب. أما العمل الموسوعي الآخر: "من أعلام الفكر والأدب في فلسطين"، فإن المنية قد وافته في 23/9/1971 قبل أن يستكمل طباعته، فتولت مجموعة من أصدقائه نشره في مجلد ضخم بحسب الباحث كايد هاشم.

لم يضع العودات الذي ولد في الكرك العام 1909 يوماً من حياته منذ أن أنهى علومه المدرسية دون عمل في البحث والتأليف في مجالات الدراسات الأدبية، النقد، الترجمة، القصة، الشعر،والتراجم والسير، فكان أن أنجز 23 كتاباً من بينها موسوعتان ضخمتان.

**

عقيل أبو الشعر

من الحصن إلى القدس كانت رحلة الفتى ابن العاشرة، عقيل أبو الشعر، وهناك ينشط الفتى في الحياة الثقافية والسياسية، فيطارده الأتراك العثمانيون باعتباره مناوئا لوجودهم ومحرضاً على الثورة ضدهم.

تسلل أبو الشعر عبر ميناء حيفا ليستقر به المقام في روما لبضعة شهور، ثم ينتقل إلى باريس حيث اتخذ لنفسه اسم "عقيل النمر" نسبة إلى عشيرة النمري التي تنتمي إليها عائلة أبو الشعر، وخلال تلك الفترة نشط النمر في الكتابة ضد الأتراك والتحريض ضدهم، وعبَر في غير رسالة لأخيه الأكبر سليم عن فرحته بهزيمتهم في الحرب العالمية الأولى.

روح المغامرة وحب المعرفة لم تسمحا له بالاستقرار في بلد واحد لفترة طويلة، فانتقل من باريس إلى ستراسبورغ ومنها إلى مرسيليا ليستقر في النهاية في جمهورية الدومنيكان في أميركا اللاتينية.

ونتيجة لهذا الترحال الدائم أتقن النمر سبع لغات غير اللغة العربية من أهمها الإنجليزية، والفرنسية، والإسبانية، والإيطالية. وقد كتب النمر أعماله الروائية ومذكراته الشخصية مستخدماً هذه اللغات الأمر الذي يجعل تتبع هذه الأعمال عملية صعبة.

ومع ذلك فقد تمكنت مديرة مكتبة ودار نشر الجامعة الأردنية هند أبو الشعر، من خلال دراسة أولية، من إثبات وجود بعض هذه الأعمال ومنها: رواية الفتاة الأرمنية في قصر يلدز من خلال أحاديث كبار السن في العائلة.

كذلك توصلت إلى إشارة في مقالة للكاتب الدومنيكي جوفن ستو يذكر فيها عقيل أبو الشعر باعتباره "من بين مجموعة من كتاب رواد يستحقون الاحترام والتقدير لأنهم خلقوا بيئة أدبية خالدة."

كما وجدت أبو الشعر في المكتبة الوطنية في الدومنيكان تصنيفا لرواية بعنوان "إرادة الله" تعود إلى العام 1916، وكذلك حصلت على ما يثبت وجود رواية أخرى في المكتبة الوطنية الفرنسية بعنوان "من أجل حرية القدس" تعود إلى العام 1922، مذكرات شخصية تحت عنوان "انتقام الأب كريستوبل" تعود إلى العام 1934، وهو العام الذي انقطعت فيه أخباره عن العائلة في الأردن.

تشير المعلومات التي تمكنت هند أبو الشعر من الحصول عليها إلى وفاة عقيل أبو الشعر العام 1949، وتؤكد أبو الشعر أن البحث في سيرة هذا الرحالة الأديب سوف يستمر بقوة ودأب، لا بحثا عن عم مفقود في بلاد المهجر، وإنما هو" مسعى للتعريف بأديب أردني عرفته الأوساط الأدبية الغربية، وآن أوان استعادة رفاته الأدبية ومواطنته بعد تسعين عاما من غيبته!!"

**

إسكندر الهلسا

بعد أن انتقل والد اسكندر بعائلته من الكرك إلى مادبا، في بدايات القرن الماضي، أخذ يفكر بالهجرة قرر الهجرة بعائلته إلى أميركا، ولم تكن كلمة أميركا في ذلك الوقت واضحة ومحددة في أذهان الناس.

ويروي "ختيارية" الهلسا أنهم ركبوا البابور- هكذا كانوا يسمون السفن البخارية- من الساحل الفلسطيني وانتهى بهم المطاف بعد شهور في تشيلى، وهناك غيروا اسمهم ليصبح أليس لعدم وجود حرف الهاء في الإسبانية.

تفوق اسكندر، الذي تحول اسمه إلى ألخاندرو، وهي المقابل الإسباني للاسم في المدرسة والجامعة، وانضم إلى الحزب الديموقراطي "فري" وتمكن من الحصول على مقعد في البرلمان التشيلي لعدة دورات، ثم أصبح وزيراً للمناجم وهي واحدة من أهم الوزارات في بلد يحتوي على ثروات معدنية مثل تشيلي.

كان "ألخاندرو" نشيطا في أوساط الجالية العربية قاطبة في أميركا الشمالية، والوسطى والجنوبية، وقد عمل على عقد أول مؤتمر للجالية العربية العام 1981 .

وما إن رحل إسكندر هلسا عن هذه الدنيا قبل بضع سنوات حتى تسلم نجله باتريشيو هلسا الراية حيث تمكن من الحصول على مقعد في البرلمان، وأصبح نائباً لرئيس مجلس النواب التشيلي.

الناطقون بالضاد:من الأردن إلى بلدان المهجر
 
03-Jul-2008
 
العدد 33