العدد 33 - أردني
 

محمد عدي الريماوي

"أول ما رح أتخرج بدي أطلع من هالبلد، ما إلي قعدة هون." يقول مصعب بحنق وهو يتوعد بأنه سيسافر حالما يتخرج من جامعته ليعمل في الخليج، ويقول إن حلمه هو أن يتعلم الطيران العسكري، وأنه لن يستطيع تحقيقه هنا، وسيسافر إلى أي مكان في العالم ليحقق ما يريد.

ويقول مصعب، الذي أوشك على إنهاء دراسة الهندسة المدنية في جامعة البلقاء، أنه يريد السفر إلى الخارج، لأن الشركات في الأردن لا تقدم رواتب مجزية، وأنه يريد التحرر من سطوة العائلة، والعيش بحرية أكبر. وبدا محذراً أنه سيبقى طويلاً في الخارج، ما دام الوضع على حاله في هذا البلد ولم يتغير.

حال هذا الشاب هو حال كثير من "شباب" ممن أصبحت فكرة الهجرة أو العمل في الخارج تحتل الأولوية في عقولهم، واصبح حديث الهجرة هو الحديث الدارج لدى الخريجين الجدد، وأصبح من الطبيعي أن يعملوا بجد، ويطرقون شتى السبل لإيجاد فرصة عمل خارج البلاد، متذرعين أن الحياة هنا أصبحت صعبة للغاية، وأن من الصعب عليهم تحقيق الغايات المطلوبة.

وتبقى الولايات المتحدة – عند أغلبية الشباب – الحلم بعيد المنال، فالجميع يسعى للوصول إلى بلاد الأحلام بأي وسيلة، فأصبحت دول الخليج الآن هي الوجهة المثلى للشباب، لسهولة توفير فرص العمل، وللتقارب في أنماط الحياة، وللدخول المرتفعة التي تعطى في تلك البلاد.

وتقدر أعداد الأردنيين في الخارج بحوالي 650 ألف مغترب معظمهم في السعودية، التي يعيش فيها نحو 260 ألفا، تليها دولة الإمارات العربية المتحدة، 250 ألفا، ثم الكويت التي يقيم فيها نحو 42 ألفا، ويتوزع الباقون على دول الخليج الأخرى؛ قطر، عمان والبحرين.

ويقدر أن هذا العدد من المغتربين يعيل نحو مليون شخص من سكان المملكة. و تلعب التحويلات المالية التي يرسلها هؤلاء المغتربون لعائلاتهم في الأردن، دوراً محورياً في دعم الاقتصاد الأردني، وبخاصة مع ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية، ما انعكس في صورة إيجابية على تحويلاتهم التي ازدادت في الأعوام الماضية.

الهجرة كثيرا ما تتخذ طابع التسلسل، فعند سفر الأخ الأكبر في العائلة، يصبح همه أن "يسحب" معه أخوته الأصغر سنا بعد تخرجهم من المدارس أو المعاهد أو الجامعات، حيث فرص العمل واحتمالات الثراء في الخارج أفضل وأضمن للمستقبل، وقد تصل العائلات المهاجرة في النهاية إلى أن يكون نصف أفرادها قد انتقل إلى العيش في الخارج.

المهندس أيمن الجازي الذي يعمل في الإمارات العربية المتحدة، يقول إن عمله هناك ممتاز، وأنه لا يفكر بالعودة إلى هنا، حتى لو تدبر دخلا مماثلاً لما يحصل عليه الآن. فهو يرى أن عمان باتت مكتظة ومزدحمة، ولم تعد كما تركها قبل ست سنوات. وينوي أيمن أن يتدبر عملاً لشقيقه الخريج حديثاً، فهو يرى أن الخبرة في تلك البلاد أفضل، وأن العمل هناك يتم وفق أنظمة متقدمة وحديثة، إضافة إلى الناحية المالية الجيدة. وسيعمل أيمن على أن يجلب أخاه الأصغر، بعد أن ينهي الجامعة ليعمل هناك أيضاً.

الأجور المرتفعة وسهولة الحياة قد تكون السبب الأول للرغبة في العمل في الخارج، لكنها ليست السبب الوحيد، فهنالك التحرر من سطوة العائلة – الأب أساسا – والعيش بحرية أكبر، وهنالك الفضول لرؤية أماكن جديدة وتجربة الحظ في الحصول على فرص عمل أفضل من تلك المتاحة له في الوطن.

بعض فرص الاغتراب لم تعد تنتظر الطامحين إليها ليبحثوا عنها، بل تبحث هي عنهم، إن جاز التعبير، فكثيرا ما تنشر او تذاع إعلانات في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، داعية "الشباب الطموح" إلى التقدم للعمل في بلاد الهجرة الخليجية، وهي إعلانات تلقى كثيرا من الإقبال، من جانب الشبان، كما ومن جانب كثير من الكفاءات التي تغادر البلاد، ما يساهم في تفريغها من أشخاص يحملون مؤهلات هي أحق بالاستفادة منها.

بلغت قيمة التحويلات في الشهرين الأولين من العام الجاري نحو 366.6 مليون دينار، بزيادة نسبتها 8.5 بالمائة عن الفترة ذاتها من العام الماضي. وقد وصلت قيمة هذه التحويلات في العام 2007 إلى 2.4 بليون دينار، أي بزيادة نسبتها 36 بالمائة عن العام 2006. ويعود هذا إلى الازدياد المطرد في أسعار السلع في الأردن، والتغير الذي طرأ على أنماط حياة الناس في الأردن.

وكثيرا ما يتحول المغترب إلى ما يشبه المواطنة، بخاصة بعد اعتياده العيش في "بلده" الجديد، يعزز ذلك إنجابه الأطفال وإحاطته بأشقائه أو أقاربه الذين "سحبهم" إلى مغتربه، ما يجعل تركه والعودة عملية في صعوبة الهجرة نفسها. وتظهر هذه التوجهات واضحة في مواسم عودة المغتربين، الذين كثيرا ما يعلنون بأنهم لن يرجعوا إلى هذه البلاد، مع الغلاء المتزايد والتفكك المستمر في روابط المجتمع الأردني.

عبد الحميد (أبو بكر)، له ولدان في الغربة ويستعد لإرسال الثالث، يقول إنه يؤيد إرسال أبنائه للعمل في الخارج، فالرواتب هناك أفضل بكثير، ويقول إنه لا عدالة هنا في توفير فرص العمل بين الخريجين الجدد، فالواسطة والمحسوبية تلعب دوراً كبيراً في هذه الأمور. ويقول إن فترة الشباب محدودة، وأنه يجب على الشاب أن يتعلم العيش بمفرده وتحمل مسؤولية نفسه، حتى يصبح قادراً على تحمل مسؤولية غيره في المستقبل.

على إن الهجرة اليوم لم تعد مثلما كانت في السابق، فسهولة التنقل والمواصلات والاتصال بالأهل جعلت الهجرة مقبولة ومفهومة وميسرة الشروط.

إلى ذلك فإن الهجرة، أو الاغتراب، قد تتحول إلى مصدر أساسي لدخل بعض الدول التي أنشأت وزارات للمغتربين للاستفادة من تحويلاتهم، وتحويل حياتهم في الخارج من منفى أبدي إلى اغتراب مؤقت.

أموال وتحرر وفضول : هجرة الشباب إلى الخارج.. البحث عن أحلام ضائعة
 
03-Jul-2008
 
العدد 33