العدد 33 - أردني | ||||||||||||||
حسين أبو رمان غادر الطالب مصطفى قريته لدراسة الطب في إسبانيا العام 1969 على نفقة والده. وقبل أن يكمل عامه الأول في دراسة اللغة الإسبانية في العاصمة مدريد، تعرف إلى فتاة أميركية، وغادر معها إلى الولايات المتحدة، مراهناً على الدراسة والعمل في الوقت نفسه. لكنه قرر بعد دراسة اللغة الإنجليزية ألا يكمل تعليمه، وأن يتفرغ للعمل في مطعم يعود لعائلة صديقته التي تزوج بها بعد سنوات قليلة. مصطفى، أصبح رجل أعمال ثرياً، يمتلك مطعماً وعقارات عدة. وهو يزور الأهل في الأردن بانتظام. هذا واحد من عشرات النماذج التي مر بها طلبة غادروا الأردن للدراسة في الخارج، لكنهم بدل العودة، اختاروا الاستقرار في بلاد الاغتراب. وإذا كان مصطفى لم يكمل دراسته، فلم يكن هذا هو حال الطالب بهاء عفانة الذي غادر أواسط السبعينيات لدراسة الهندسة في تركيا، لكنه غير تخصصه بعد سنتين إلى إدارة الأعمال التي تخرج فيها العام 1982، وفي العام 1983 تعرف إلى فتاة فنلندية، فتزوج منها وغادر معها إلى بلدها، وهناك حصل على الجنسية الفنلندية. وهو يعمل في تخصصه ويزور أهله بين حين وأخرى. شكل التعليم في الخارج مصدراً مهماً من مصادر اغتراب فئة واسعة من شباب الأردن الذين قصدوا بلاد الغربة للدراسة ثم العودة للبلاد، لكن المطاف انتهى بهم إلى الاستقرار النهائي في الخارج. فرص الأردنيين الأولى في الدراسة الجامعية داخل الأردن، اقترنت بإنشاء الجامعة الأردنية العام 1962، بكلية واحدة هي الآداب وبعدد طلبة بلغ 150 طالباً. قبل ذلك بعامين كان هناك 4542 طالباً يدرسون خارج المملكة من بينهم 385 طالبة. كانت سورية، ومصر، ولبنان تستقطب القسم الأكبر من هؤلاء الطلبة (59 بالمئة) الذين كانوا يتوزعون على عدد كبير من الدول. وكان من بينهم عدد مهم، تفوق نسبته الربع، يدرس في تركيا، وألمانيا الغربية، وإيطاليا، وإسبانيا، والولايات المتحدة. ازداد الطلب، في السنوات اللاحقة، على التعليم العالي داخل الأردن، لكن الطلب على التعليم في الخارج كان يزداد بوتائر أسرع، لا سيما في ظل التوسع البطيء في القدرة الاستيعابية المحلية، والتنوع الكبير في التخصصات المتاحة في الخارج. في هذه الأثناء كان عدد الطلبة الذين يختارون الاستقرار في الخارج في ارتفاع مستمر. بعض هؤلاء تركوا بصمات في عملهم المهني أو في مدن تواجدهم. فأنت تستطيع أن تتناول أشهى أطباق البيتزا في مطعم خالد ربابعة في مدينة مودنا في شمال إيطاليا. أما إذا كنت في زيارة لإسبانيا، فلا تتفاجأ إذا اكتشفت أن الطبيب الذي طلبت مساعدته في مستشفى أردني الأصل. في العام الدراسي 1969- 1970، ارتفع عدد الطلبة الدارسين في الجامعات والمعاهد العليا في داخل الأردن وخارجه إلى 25473 طالباً من بينهم 3118 طالبة، كانت نسبة الدارسين منهم في داخل الأردن تعادل 16 بالمئة مقابل 84 بالمئة في الخارج. وحافظت الدول العربية على استقطاب القسم الأكبر من طلبة الخارج (82 بالمئة)، فيما احتلت أوروبا الغربية والولايات المتحدة المرتبة الثانية بنسبة 14 بالمئة، تليها أوروبا الشرقية ثم البلدان الآسيوية. في الخارج، كانت العلوم الهندسية والطبية والصحية وحدها تحتل زهاء 22 بالمئة من تخصصات هؤلاء الطلبة، ما يشير إلى وجود طلب على مختلف التخصصات بما في ذلك التخصصات الأدبية. لعب البعد الأمني حتى العام 1989 دوراً قوياً في قرار كثير من الطلبة الدارسين في الخارج، من الناشطين سياسياً، الاستقرار في بلدان دراستهم، تجنباً للمساءلة الأمنية التي كانت تنتهي بحجز جواز سفر المعني ومنعه من السفر إذا لم يقدم اعترافات كاملة عن أنشطته وعلاقاته مع المنظمات السياسية أو الطلابية. لكن أعداداً من هؤلاء النشطاء عادوا إلى البلاد بعد العام 1989، حيث أصبحت زيارة الأهل متاحة أمامهم بدون تعقيدات أمنية. استمرت أعداد الطلبة في الخارج بالازدياد سنة بعد سنة على امتداد السبعينيات، لكن التوسع في الطلب على التعليم العالي في الأردن، أخذ يزداد بسرعة أكبر مع إنشاء المزيد من الجامعات الوطنية الحكومية، لذا بدأ الثقل النسبي لطلبة التعليم العالي يزداد في الثمانينيات داخل الأردن، مقارنة بالخارج. وتشير أرقام وزارة التعليم العالي إلى أن نسبة الطلبة الملتحقين بمؤسسات التعليم العالي خارج الأردن بلغت في العام الدراسي 1986- 1987، 36 بالمئة من مجموع الطلبة الملتحقين بمؤسسات التعليم العالي داخل الأردن وخارجه. هذه النسبة واصلت هبوطها في السنوات اللاحقة، إلى 31 بالمئة في العام الدراسي 1990- 1991، ثم إلى 25 بالمئة في العام الدراسي 1994- 1995. ظاهرة اغتراب طلبة دارسين في الخارج لم تقتصر على الفترات التي كانت فرص التعليم الجامعي في الأردن فيها محدودة. ففي العام 1990 غادر محمد الحسبان وأحمد الروسان، وهما صديقان، بلدة أم قيس لدراسة الآثار في إيطاليا، وبعد أن حصل الاثنان على الشهادة الجامعية الأولى، تزوج كل منهما بإيطالية، واستقرا هناك، وهما يقومان بزيارة أهلهما بانتظام. الأرقام الفعلية للطلبة الدارسين في الخارج أعلى دائماً من الأرقام الرسمية. ويمكن القول إنه لا يوجد بلد في العالم فيه جامعات ولا يوجد فيه طلبة من الأردن. ويلاحظ أن ثقل الطلبة في الخارج ليس ثابتاً في مناطق بعينها، بل يتحرك في ضوء التطورات التي تشهدها بلدان العالم، وبخاصة ما يتصل منها بمستوى التكلفة والفرص الجديدة المتاحة. في أواسط الثمانينيات، كانت الدول غير العربية التي تستقطب عدداً كبيراً من الطلبة في الخارج ويوجد معلومات مدققة عن الطلبة فيها، هي: روسيا، يوغسلافيا، إيطاليا، رومانيا، اليونان، إسبانيا، باكستان، تركيا، ألمانيا. لكن مع ارتفاع رسوم الدراسة في جامعات أوروبا الغربية، ثم لاحقاً في بعض بلدان أوروبا الشرقية، حدثت إزاحة قوية باتجاه جامعات آسيوية. فارتفع مثلاً عدد الطلبة في الهند للعام الدراسي 1990 - 1991 إلى 5076، وفي الفلبين إلى 798. ورغم توسع فرص التعليم العالي داخل الأردن، فإن أعداد الطلبة الدارسين في الخارج حافظت على اتجاه صاعد، بالأرقام المطلقة، حتى بداية التسعينيات، إذ بلغ العدد 35934 طالبا وطالبة للعام الدراسي 1990 -1991، ثم بدأ بالهبوط وصولاً إلى 30 ألف طالب وطالبة في العام الدراسي 1994- 1995. ومن المرجح أن يكون إنشاء جامعات خاصة أحد أسباب هذا الهبوط. |
|
|||||||||||||