العدد 33 - أردني
 

السّجل - خاص

خلال أسبوع واحد فقط، شهد الاردن ثلاثة تحركات لافتة على مستوى السياسة الداخلية، كان عنوانها العريض رفض السياسات الاقتصادية المتمثلة في الخصخصة وما اصطلح على تسميته ببيع الأراضي. عقد الاجتماع الأول في أم رمانة، والثاني تحرك انتهى بتوقيع "نداء يبتغي الإصلاح"، كان على رأس موقعيه أحمد عبيدات رئيس الوزراء الأسبق ومدير المركز الوطني لحقوق الإنسان الذي يتمتع بمصداقية كبيرة في الأردن والمنطقة. والثالث، والأكثر لفتا للانتباه، اجتماع عشائري جاء على هامش دعوة عشاء خاصة في المفرق.

هذه التحركات قد تندرج في إطار العرائض أو البيانات أو المذكرات باختلاف مسمياتها، التي تصدر عادة في أوقات الأزمات، حيث تجتمع شخصيات غالبا ما تكون غير متجانسة في توجهاتها السياسية وخلفياتها الإيديولوجية، لتوقع على بيانات تؤشر إلى مواطن خلل في البلاد، من دون أن تكون هناك بالضرورة تحركات حقيقية في اتجاه الإصلاح، وهو ما يذكرنا، مثلا، بماعرف بعريضة الـ 99 "المناهضة للحرب على العراق"، والتي وقعتها 99 "شخصية" في آذار 2003. هذه الشخصيات كانت تمثل "أيديولوجيات" وثقافات وتوجهات سياسية متباينة في معظم الأحيان؛ إذ شملت خليطا من "الحرس القديم" ورموز "العهد الجديد" بالإضافة إلى معارضين ومسؤولين سابقين.

التحرك الأول الذي عقد في أم رمانة بلواء الجيزة جنوب عمان في 15/6/2008، كان محدودا وضم خليطا من حزبيين ونقابيين ووجهاء عشائر. اجتماع رفض عمليات بيع الأراضي والتحذير من الأوضاع الاقتصادية الصعبة عقد في منزل فارس الفايز – الباحث في عمادة البحث العلمي في الجامعة الأردنية – وكان مخصصا لمتابعة مذكرة رفعت إلى الملك عبد الله الثاني في 10/4/2008 ووقعتها 76 شخصية.

التعبير عن عدم التجانس في هذا الاجتماع بدا واضحا في عدد الحضور الذي لم يزد على 30 شخصا؛ فقد غابت عنه شخصيات مثل: ليث شبيلات، حمزة منصور، عبدالرحيم ملحس، زكي بني ارشيد. منصور وملحس أوضحا للسجل أن سبب عدم حضورهما كان بداعي ارتباطهما بالتزامات أخرى في وقت عقد الاجتماع، فيما فضل أمين عام حزب جبهة العمل الإسلامي زكي بني ارشيد عدم الإفصاح عن سبب عدم حضوره في الوقت الحالي.

وقد أثار هذا الاجتماع جدلا، عندما نشر الأمين العام السابق للحزب الشيوعي الأردني يعقوب زيادين، بيانا شجب فيه البيان الذي تمخض عن اجتماع أم رمانة. زيادين قال للسجل إنه يختلف مع واضعي البيان في قضيتين، الأولى: "أن لواضع البيان موقفا غير سليم تجاه القضية الفلسطينية، بما يعزز التفرقة بين الأردنيين والفلسطينيين، وهذا تشدد لا يصب في مصلحة البلد." والسبب الثاني، بحسب زيادين، هو أن البيان لم يتحدث كفاية عن "البلاوي والمصايب" – بحسب تعبيره - التي يمر بها البلد.

واللافت أن أم رمانة تُذكّر باجتماع قديم عُقد في المكان نفسه قبل اندلاع أحداث أيلول عام 1970، دعا إليه الشيخ ظاهر الفايز والد فارس الفايز. الاجتماع الذي عقد آنذاك "حدد الخطوط العريضة التي يجب أن يكون عليها الوضع السياسي في الأردن، في ظل الفوضى والخلل والانحراف الذي اعترى العمل الفدائي،" بحسب ما أفاد به فارس الفايز.

أما بيان "نداء يبتغي الإصلاح"، الذي قام عليه عبيدات، فقد جاء أكثر تجانسا من حيث الموقعين عليه، فقد ضم وزراء سابقين ونوابا ونقباء مهنيين سابقين وحاليين وأدباء وأساتذة ذوي خلفيات قومية. هذه الشخصيات هي أقرب للشخصيات السياسية والفكرية في البلد، ومن بينهم قسم كبير يحظون بحضور عربي وإقليمي.

التحرك الثالث اقتصر على اجتماع حضره شيوخ عشائر في 22/6/2008، وذلك بناء على دعوة خاصة من مثقال الفواز شيخ عشائر السردية في قرية صبحا بمحافظة المفرق. اللقاء الذي لم يكن في الأصل مخصصا للحديث في مزاعم بيع الأراضي والاقتصاد، لم يفض إلى إصدار مذكرات أو بيانات. الفواز يقول "نحن لا نكتب بيانات أو عرائض، مجرد الاجتماع كاف، فلم يبق أحد داخل البلد أو خارجه إلا وتحدث عنه." أما النائب السابق ضيف الله الكعيبر فقال: "كان هنالك اقتراح بتوسيع الاجتماع ليشمل عشائر وشيوخا أكثر، لكننا فضلنا التريث حتى نرى من الحكومة شفافية وتوضيحا للمواضيع المتعلقة بعمليات البيع."

هذه التحركات، التي تروج في الأردن ربما أكثر من أي بلد آخر في الإقليم، تأتي في غياب عمل سياسي فاعل تضطلع به مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب. فتتقدم لملء هذا الفراغ شخصيات تنتمي إلى مواقع فكرية وأيديولوجية واجتماعية مختلفة تسلط الضوء على قضايا تشغل حديث الناس. ولكنها لا تقدم رؤى بديلة أو مقترحات محددة للإصلاح أو الخروج من المأزق. وما أن ينتهوا من التوقيع على البيان حتى ينفض الحضور ليعاودوا الالتقاء – بعضهم وليس جميعهم- في أزمة لاحقة.

ومع ذلك، هناك ما هو مشترك بين الاجتماعات الثلاثة المشار إليها، فهي جاءت لتعبر عن قضية مشتركة هي الاستياء العام تجاه الوضع الاقتصادي في البلد، كما أنها حذرت من وجود "جماعة متنفذة" تتجاوز الصلاحيات التشريعية والتنفيذية في تطبيق سياسات اقتصادية تثقل كاهل المواطن، و"تمس هيبة الدولة."

الكاتب والصحفي فهد الخيطان لاحظ أن هذه التحركات أكدت "عدم وجود مشكلة بين الأردنيين ومؤسسة العرش، كما يحاول البعض أن يروج." ويشرح الخيطان أن هذه الفئات الاجتماعية المختلفة "ترى أن بيع مواقع ورموز سيادية فيه مس بهيبة الدولة ونزع لصلاحيات السلطات التنفيذية والتشريعية وتحويلها إلى هيئات كرتونية لصالح تشكيل حكومات في الظل تصنع القرارات خلف الكواليس."

"نداء يبتغي الإصلاح"، تضمن تحذيرا من "انفراد نفر بالقرارات المصيرية التي ينبني عليها مستقبل الأجيال،" واعتبر أن "التمادي على حقوق المواطنين بلغ حدا لا يمكن احتماله أو السكوت عليه، وقد تجلى في اتفاقيات الكازينو سيئة الصيت التي جسدت أسوأ أشكال الإذعان لصالح فئة من المقامرين والسماسرة." وجاء في البيان أيضا أن الخصخصة هي من "متطلبات المشروع الأميركي وأدواته (التي أدت) إلى انتهاج سياسات عمياء أسهمت في تفكيك الدولة وإفراغ مؤسساتها من محتواها وتوظيف هذه المؤسسات بالكامل، لصالح رأس المال الخادم لهذا المشروع."

علي محافظة أستاذ التاريخ في الجامعة الأردنية وأحد الموقعين على النداء يشرح "هناك مجموعة من داخل الحكومة وخارجها هم الذين ينفردون بهذه القرارات." ويضيف "ثمة منفذون لخطط معينة يلعب فيها رأس المال دورا أساسيا، وهمهم الأكبر هو الربح ونهب ثروات البلد." ويستدرك محافظة أن المشكلة ليست في الحكومة وإنما في البرلمان الذي "عجز عن مراقبة الحكومة والدفاع عن حقوق الشعب الأردني."

ويعتبر محافظة أن إطلاق النداء الآن يأتي بعد أن "وصل السيل الزبى." ويشرح "لا أكاد أدخل مجلس عزاء إلا ويشكوا الناس من الوضع الاقتصادي. لا تهمني أرقام وزير المالية التي تقول إن الاقتصاد بخير، ما يهمني هو كيف يشعر الناس."

الفايز، منظم اجتماع أم رمانة الإشكالي يذهب إلى أبعد من ذلك في تفسيره لعبارة وردت في البيان الصادر عن الاجتماع حملت تساؤلا: "هل نحن شعب لنا وجود أم نحن طارئون على هذا الواقع." يقول الفايز "ثمة كثيرون في موقع القرار ليس لهم جد واحد مدفون في هذا البلد، ومنهم من تجنس منذ 10 سنوات فقط وهم معروفون من دون أن أسميهم." كثيرون اعتبروا أن اجتماع أم رمانة ببعض حضوره يعبرون عن مواقف سياسية وأيديولوجية ما زالت متأثرة بأفكار تقوم على الإقصاء أكثر من الدفع باتجاه المواطنة والإصلاح.

في الإطار نفسه، نقلت مصادر إعلامية أردنية عن اجتماع المفرق أن "المجتمعين عبروا عن خشيتهم من أن هناك أمورا غير سوية تحاك ضد الوطن، مسؤول عنها نفر من الأشخاص يبحثون عن منفعة شخصية لم يكن الأردن أو المصلحة الوطنية في يوم من الأيام على أجندتهم."

الكعيبر من لقاء المفرق يقول "لا أستطيع أن أسمي هؤلاء (الأشخاص)." ويستدرك: "نحن نقدر ونحترم رجالات الحكومة، ولكل مجتهد نصيب." وعندما سألنا عما إذا كان يعتبر أن بيع الأراضي كان اجتهادا، رد "نحن ضده، إذا رأينا أنه غير مفيد."

هكذا جاء هذا التحرك العشائري لافتا بالنسبة لمن لا يتحمسون لمفهوم وعمل العشائرية الذي في جوهره يتناقض مع مفهوم العمل السياسي المعاصر ولا يؤسس لسلطة القانون والدولة المعاصرة. من هؤلاء من يعتبر أن العشائر في هذا الموقف تحديدا، كانت تتحدث في شأن عام ولم يكن الحديث مناطقياً.

الكاتب والباحث الاقتصادي اليساري فهمي الكتوت يربط بين موقف العشائر وتراجع المؤسسة البيروقراطية المتمثلة في الحكومات الأردنية المتعاقبة خاصة منذ عام 1988، وبدء تردي الأوضاع الاقتصادية بهبوط سعر صرف الدينار. ويشرح "تخلت الحكومات المتعاقبة عن سيادة الدولة على المؤسسات الاقتصادية الأساسية، وتمثل ذلك في الخضوع والإذعان لتوجيهات صندوق النقد والبنك الدوليين بتنفيذ برنامج التخاصية وبيع مؤسسات الدولة." ويعتبر الكتوت أن هذا التخلي "الطوعي" عن التخطيط الاقتصادي أفقد السلطة التنفيذية مواقعها في صنع القرار لصالح الليبرالية الجديدة. ويخلص إلى أن هذا التراجع ساهم في تحريك الفئات العشائرية لمواجهة الأوضاع المستجدة باعتبار هذه العشائر امتدادا للمؤسسة البيروقراطية."

الكتوت يرى أن هذا التحرك إيجابي على أساس أن القادم قد يكون أخطر.

يُلاحظ من هذه التحركات غياب عمل سياسي حقيقي. فهذه مجرد "فزعات" أو "فشات خلق" في نهاية الأمر. أهم ما فيها أنها تؤطر مرحليا لأصوات متناثرة ضد قضية معينة. فهي لوبيات تفتقر إلى الموارد والتنظيم مما لا يسمح باستمراريتها.

غاب المجتمع المدني فملأ وجهاء المدن ورؤساء العشائر الفراغ
 
03-Jul-2008
 
العدد 33