العدد 33 - بورتريه
 

خالد أبو الخير

كمن يعزق الغيم.. لا يدري في أي أرض تتكون العاصفة،هذا إن تكونت! ما زال ينثر الخطابة حاضاً الوحدة العربية.

وحال تأملته، يصعب أن تجد فرقاً بين مسيرة حياته وخطابه الممتد.

لا تبعد بلدة "الكتة"، حيث رأى حسين مجلي النور العام 1937، سوى حفنة كيلومترات عن جرش.

والده محمد ملاك أراض بالمفهوم المحلي الأردني، لم يكن يتردد في التشمير عن ساعده الأسمر والانهماك في العمل مع فلاحيه الذين يهوون الى أرضه في مواسم الحراثة والحصاد والقطاف من "الكتة" والقرى المجاورة. "ما زلت أعتبر نفسي مزارعاً" يجادل مجلي بحسم يصعب نقضه.

في تذكره لسنوات صباه، يشير إلى أن "الأرض لم تكن سلعة قابلة للتداول، وإنما أداة إنتاج للأسرة، على العكس تماماً مما هو الحال عليه الآن، أو على الأقل في غالبيته".

التحق الفتى الأسمر، مرهف الإحساس، بالصف الأول الابتدائي بمدرسة الكتة الابتدائية، وتأثر كثيرا بأستاذه الشركسي، عدنان أوتي، الذي "كاد أن يكون رسولا".

تفتح وعيه السياسي مبكراً، في السنوات التي سبقت نكبة 1948، وبمحض إصرار وترصد، انتمى لحزب البعث العربي الاشتراكي في الصف السادس الابتدائي.

يرجع الفضل في دخوله الحزب إلى مدير تسجيل جرش، عبد الرزاق الفاضل، الذي ربطته به صداقة قوية، و«كان داعياً قومياً صادقاً وملتزماً ومثالياً، بقي على مواقفه حتى بعد أن ترك الحزب في أعقاب انفصال الجمهورية العربية المتحدة العام 1961».

النكبة كانت مناسبة للتأكيد على فكر البعث "تجزئة وتمزيق عرب بلاد الشام مهد وسهل قيام دولة الاحتلال التي نصفها اليوم بدولة الاغتصاب والإرهاب". بحسب مجلي.

حمل همه السياسي إلى مدينة اربد التي قصدها دارساً للثانوية، ممخضاً ولاءه وانتماءه "لوطن عربي واحد وأمة عربية واحدة من حقها أن تقيم دولتها الواحدة للأمة الواحدة التي تتطابق فيها حدود الدولة مع حدود الأمة".

يصفه زميل شاطره مقاعد الدراسة الثانوية في مدرسة العروبة أنه كان " واحداً من الطلاب النابهين وفاعلاً وقارئاً جيداً للأدب العربي وبعثياً ممتازاً".

من زملائه في ثانوية العروبة فالح الطويل، وسعد حجازي، ومحيي الدين المصري، ويحيى غرايبة، وعوني ريحاني.

أنهى مجلي التوجيهي العام 1955، وغادر بعدها إلى دمشق. ولم يلبث أن عاد ورفاق له بعد قرار إلغاء الوصاية وتعريب الجيش بطرد كلوب باشا. وانتسب إلى الكلية الحربية وتخرج ملازما في سلاح الجو.

تلبد الجو السياسي في الأردن منتصف الخمسينيات وحين دارت عجلة أحداث 1957 خرج مجلي مع آخرين إلى دمشق لاجئاً سياسياً ومن ثم إلى قاهرة عبد الناصر. وشهد قيام الوحدة بين مصر وسورية العام 1958 التي يعتز بأنها "واحدة من لحظات شموخ الأمة"، لذلك كان وقع الانفصال عليه كبيراً. "أعتقد أن العرب فقدوا بوصلتهم منذ تلك اللحظة، ولو تجرعت هذه الأمة كل أدوية الدنيا، عدا دواء الوحدة، لن تنهض من جديد. لا يمكن لأمة أن تمضي قدماً على أساس التمزيق، والطائفية والإقليمية أمضى سلاحين لتمزيق أمة من الأمم". يقول مجلي ثم يروزك بنظرة عجلى مستطلعا وقع كلماته. قبل أن يردف: " لقد بكيت يوم الانفصال.. كما لم أبك في حياتي، ومنذ ذلك اليوم، كانت قناعتي بأن دبابات الانفصال هي التي مهدت الطريق لدبابات الاحتلال في 5 يونيو 1967".

في القاهرة انتسب إلى جامعتها، دارسا للحقوق، وعاش الأجواء القاهرية حتى النخاع، فمصر كانت قلب الأمة العربية.

حاز البكالوريوس في الحقوق العام 1965، ولم يلبث أن قفل عائداً إلى الأردن مستفيداً من عفو ملكي صدر آنذاك، وانتسب في العام نفسه إلى نقابة المحامين.

أردف عامين من العمل العام وراءه ، قبل أن يقرر إكمال نصف دينه من فتاة من العائلة.. لكن زواجه لم يكن تقليدياً. فجاهته كانت هو فقط. وسافر في يوم زواجه يوم 11/1/1967 إلى القاهرة ضارباً عرض الحائط بعادات وتقاليد، فقد كان حاجزاً مقعدين في سهرة أضواء المدينة التي كانت تحييها السيدة أم كلثوم، وفنانون عرب آخرون في سينما قصر النيل، بحضور الرئيس جمال عبد الناصر وكبار المسؤولين ويقدم لها المذيع جلال معوض، "أشهر مذيع عربي في ذلك الوقت وللآن". على حد تعبيره.

شغل منصب أمين سر نقابة المحامين ، ونقيب محامين لأربع دورات أيضاً كان أولها ما بين 1985-1987، وترشح هذا العام للدورة الخامسة. ودوماً كان مرشح التيار القومي.

فاز في انتخابات مجلس النواب العام 1989 عن محافظة جرش، وحاز 2787 صوتاً. "كان برلمانًا مميزاً جداً وآملنا أن تأتي بعده برلمانات أقوى منه، لكن ذلك لم يحصل".

ترأس اللجنة القانونية في المجلس الحادي عشر التي أجازت عدة قوانين الأحزاب السياسية والمطبوعات والنشر وغيرها. كما تولت محاكمة الوزراء في قضية طريق الأجفور الدولي بين عمان وبغداد.

بعض الألسن غمزت آنذاك من قناة علاقة مجلي برئيس الوزراء زيد الرفاعي، لكن "أبو شجاع" يؤكد:" لم يكن هناك دفاع عن أحد. وإذا لم يسد القانون ساد الاستبداد. وقضية الأجفور قانونية لم تتوافر فيها أركان الجريمة، والقرار لم يتخذه الرفاعي وإنما اتخذه مجلس وزراء مصغر لم يكن يرأسه، والمسؤولية في مجلس الوزراء تضامنية، إذا كانت هناك مسؤولية".

يفاخر مجلي بأنه لم يمحض ثقته أي حكومة ، بما في ذلك حكومة طاهر المصري 1991. وبأنه لم يعد الكرة ويترشح لمجلس النواب مرة ثانية.

أوجعه سقوط بغداد في القلب، ولعب دوراً بارزاً بتشكيل هيئة عربية للدفاع عن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.

يعتبره مقرب منه: هو صديق من أيام الطفولة وما زال، تختلف أو تتفق معه، لكنك أبداً تحترمه.. وقد حافظ على موقعه في العمل العام. ويستطيع أن يأتي بانجازات إذا أتيحت له الفرصة".

كان من الموقعين على بيان أيد المقاومة اللبنانية وبرأيه أن "المقاومة أمضى سلاح بيد الأمة ونأمل أن تكون أداة انتقال للوحدة العربية، لأن لا مستقبل لهذه الأمة التي تمتد من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهندي – أريد أن أغير التعبير الدارج- بدون الوحدة ، التي فيها مصلحة شخصية لكل مواطن عربي".

ويظل صوت "أبو شجاع" صارخاً في برية..

حسين المجلي: صوت صارخ في البرية
 
03-Jul-2008
 
العدد 33