العدد 32 - حريات
 

السّجل - خاص

صنّفت مؤسسة "فريدم هاوس" الأميركية المعنية بالحريات، الأردن ضمن الدول "الحرّة جزئياً" Partly Free في تقريرها عن أوضاع الحريات في العالم، الذي أصدرته مؤخراً، مؤكدة بذلك التصنيف الذي ناله الأردن في تقرير المنظمة ذاتها خلال السنوات الأخيرة. لكن الأردن، في تقرير هذا العام، صنّف كدولة "غير حرّة" Not Free في مجال الحريات الصحفية، حيث نال 63 نقطة على سلم يتكون من مئة نقطة، يقيم علاقة عكسية بين عدد النقاط وحالة الحريات الصحفية، وقد استشهد التقرير بأحداث نالت من هذه الحريات، أهمها منع إطلاق بث تلفزيون ATV كأول محطة تلفزيونية خاصة.

يفتح هذا التصنيف، الباب لإعادة دراسة أوضاع الحريات العامة في البلاد، وصورة الأردن في هذا المجال في الخارج، إذ يتأكد من تقارير كهذه، تعدّها منظمات أجنبية وتشمل مختلف دول ومناطق العالم، أن محاولات تجميل صورة الحريات العامة في الأردن، أمام الرأي العام العالمي، من دون أن يكون لها سند حقيقي في واقع هذه الحريات وتطبيقاتها، ليست محاولات مجدية، ولا يمكن لصورة الحريات في الأردن أن تكون زاهية وناصعة كما نريد، من دون أن تتوافر على أرض الواقع، حريات مدنية وسياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية، كاملة وحقيقية.

من المهم هنا، التعامل مع ما تتضمنه تقارير كهذه، بطريقة إيجابية، وعدم الاتجاه للقول إنها تنطوي على "مؤامرة" ما لتشويه صورة الأردن، أو الضغط عليه، فلو كان ثمة مؤامرة في هذا التقرير مثلاً، لما نال الأردن تصنيف "دولة حرّة جزئياً" في محيط نال كله تصنيف يشير لافتقاده الحرية، كما توضح خريطة العالم المرفقة. لقد نال الأردن تصنيفاً أفضل من محيطه، تعتقد المنظمة مصدرة التقرير أنه يعكس واقع الحال. وهنا، يكون التعاطي الإيجابي مع نتيجة كهذه، هو السعي لتحسينها في السنوات المقبلة، واتخاذها نقطة للمقارنة والقياس مع ما يتحقق لاحقاً، بدلاً من دفن الرؤوس في الرمال، واللجوء لفكرة المؤامرة لعلها تعفينا من واجبنا في تحسين أوضاع الحريات.

صدر هذا التقرير، الذي لا يمكن أن يكون مُرضياً، في وقت أقر فيه مجلس النواب قانوناً للاجتماعات العامة، يشرّع قيوداً على تجمع الناس لممارسة أنشطتهم، بما فيها السياسية، وهو قانون اعترض بعض النواب عليه، معتبرين أنه يتعارض والمادة 16 من الدستور.

هذا يعني، أن هناك إصراراً على مواصلة سياسة "خفض سقف الحريات"، بدلاً من السعي الحثيث لرفعه بما يحسن أوضاع الحريات على أرض الواقع، فينعكس بالضرورة على صورة الأردن في مجال الحريات، في الداخل والخارج. إن هذا الإصرار الغريب، يتناقض ليس فقط مع التزامات الحكومات الأردنية المتعاقبة، المتضمّنة في المواثيق والإعلانات الدولية المختصة بحقوق الإنسان، التي وقعها الأردن وصادق عليها، بل قبل ذلك بما يتعارض مع الدستور، الذي يضمن في نصوصه كثيراً من الحقوق التي تجعل من الحريات العامة أمراً واقعاً لو توافرت على أرض الواقع.

الحاجة للحريات العامة في أي مجتمع وأية دولة، تنبع من أولوية الشعور بالحرية لدى الناس، وضرورتها للانخراط في عملية التنمية والتطوير والتحديث، لذلك، لم يعد مقبولاً تبرير تراجع أوضاع الحريات العامة، بالأوضاع السياسية غير المستقرة، فالحريات مطلوبة لذاتها، لا لإنجاز أية مشاريع سياسية، لذلك فمن غير المقبول التذرع بأحوال السياسة، لحرمان المجتمع من حرياته الأساسية، ومن ثم حرمان البلاد من نهضتها الكاملة.

تحقيق الحريات العامة، مطلب وطني ملحّ، تقتضيه مصلحة البلاد، وحاجات الناس الطبيعية، ولا غرض سياسياً من ورائه.

فريدم هاوس صنّفت الأردن “دولة حرّة جزئياً”: تحسين صورة الأردن رهن بتوفير الحريات
 
26-Jun-2008
 
العدد 32