العدد 32 - ثقافي
 

محمود الزواوي

لا بد قبل الخوض في الحديث عن الجوانب السلبية للأفلام العربية – ممثلة في الأفلام المصرية – من الإشارة إلى أن السينما المصرية، رغم الأزمة التي تمر بها منذ عدة سنوات، قادرة على تقديم أفلام متميزة حتى في أعصب أوقاتها.

فأفلام مثل "السفارة في العمارة"، و"عمارة يعقوبيان"، و"الكيت كات"، و"الإرهابي"، و"سواق التاكسي" تقدم أمثلة على التميز السينمائي الذي يعبر عن مواهب خلاقة في الإخراج، والتأليف، والتمثيل، وتؤكد القدرة على تقديم أفلام هادفة وذات مضمون.

إلا أن السينما المصرية تقدم في هذه الأيام عدة أفلام تافهة مقابل كل فيلم جيد، وما علينا إلا استعراض عناوين الأفلام الكوميدية التي تصدر تباعاً لندرك المستوى الذي انحدرت إليه تلك الأفلام التي ينصب اهتمامها، كما يبدو، على استغلال جمهور الشباب السينمائي لهدف الاستغلال التجاري على حساب الذوق السليم. "حاحا وتفاحة"، "ويحا"، و"نمس بوند"، و"ظاظا"، و"وش إجرام"، و"صباحو كداب"، و"استغماية"، و"ماشيين بالعكس"، و"على جنب يا أسطى" هي مجرد أمثلة على العناوين التي تفتقت عنها عبقرية الكتاب السينمائيين، وهي عناوين تتحدث عن نفسها.

يقترن هذا التراجع الفني بظاهرة عدم الالتزام المهني التي نلاحظها لدى الكثيرين من الممثلين هذه الأيام، المتمثلة في أشكال عديدة، سأكتفي بالإشارة إلى بعضها – على سبيل المثال لا الحصر.

أول هذه الظواهر وأكثرها وضوحاً للبيان البدانة المفرطة لعدد كبير من نجمات السينما المصرية وبعض نجومها، التي تدل إما على عدم إدراك هؤلاء الفنانين لبعض المتطلبات المهنية الأساسية للفنانين أو عدم اكتراثهم بها، التي تفرض عليهم ضريبة خاصة في اللياقة البدنية والمظهر والأناقة ثمناً لنجوميتهم التي تعود عليهم بميزات كثيرة منها الأجور العالية.

ومع أن الزيادة في الوزن من مستلزمات التقدم بالسن بالنسبة لمعظم الناس، فإن نجوم السينما، شأنهم في ذلك شأن نجوم الرياضة، يستثنون من هذه القاعدة. وأود أن استشهد كأمثلة على ذلك ما يمارس في هوليوود. فقد ذكر النجم السينمائي والمخرج كلينت إيستوود البالغ من العمر 78 عاماً، في مقابلة حديثة، أنه يقضي ثلاث ساعات يوميا في التمارين الرياضية للمحافظة على لياقته البدنية.

وأذكر أيضاً أن المخرج ألفريد هيتشكوك، كان يزن بطلات أفلامه قبل توقيع العقود معهن، ثم يقوم بوزنهن صباح كل يوم من أيام تصوير أفلامه، وكان يرفض السماح لهن بالعمل إذا زاد وزنهن عن المستوى الأصلي إلى أن يقمن بإنقاص أوزانهن.

ومن يرى بعض نجمات السينما المصرية مثل: ليلى علوي، وسهير رمزي، وإلهام شاهين، ونبيلة عبيد، وناديا الجندي وغيرهن يعجب لماذا يسمح المخرجون لهن بالظهور في أفلامهم بأشكالهن البدينة التي لا تليق بنجمات السينما. ولو كانت هناك درجة من الانضباط المهني لما حدث هذا التسيب وهذا الاستهتار بعقلية المشاهدين.

هناك على الجانب الآخر أدوار سينمائية تستدعي البدانة لكي يتناسب مظهر الممثل مع الشخصية التي يجسدها على الشاشة، ولكن المخرجين يضربون بذلك عرض الحائط. فقد شاهدنا الممثل فاروق الفيشاوي بجسمه النحيل يقوم بدور الملك فاروق المعروف ببدانته المفرطة، وذلك دون أن يبذل المخرج أي مجهود لتغيير شكل فاروق الفيشاوي أو أن يختار ممثلاً مناسباً للدور، كيحيى الفخراني. وقام الممثل وائل نور وبعده الممثل السوري تيّم حسن بدور الملك فاروق في مسلسلين تلفزيونيين، بشكلهما العادي، دون أن يجد مخرجا المسلسلين في ذلك أي حرج.

لنأخذ بعض الأمثلة على ما تفعله هوليوود إزاء مثل هذه الأدوار. في العام 1951 تمت زيادة وزن الممثل بيتر يوستينوف بأكثر من 40 كيلوغراماً ليلائم شخصية القيصر الروماني نيرون، الذي كان معروفاً ببدانته، في الفيلم التاريخي "كوفاديس". وفي العام 1980 قام الممثل روبرت دينيرو بزيادة وزنه أكثر من 30 كيلوغراماً بصورة تدريجية ليكون مظهره طبيعياً وواقعياً أثناء تجسيد شخصية بطل الملاكمة جيك لاموتا في فيلم "الثور الهائج" مع تقدمه في السن. وأمضى روبرت دينيرو عاما في تلقي دروس في الملاكمة استعدادا لدوره في ذلك الفيلم. ورشح الممثل الأول لجائزة الأوسكار، وفاز الثاني بتلك الجائزة. وكرر الممثل سيلفستر ستالون ذلك في العام 1997 في فيلم "بلاد الشرطة" بزيادة وزنه بأكثر من 20 كيلوغراماً، وتحوّل ذلك الدور إلى أقوى أدواره السينمائية.

من يستعرض الأفلام العربية يلحظ الكثير من الشواهد على الاستخفاف بعقلية المتفرجين. ومن المشاهد المألوفة في هذه الأفلام ظهور الممثلين بعد أن صبغت وجوههم بالبويا الداكنة لإعطاء الانطباع بأنهم لم يحلقوا لحاهم منذ أربعة أو خمسة أيام. ويتكرر مثل هذا المشهد في الكثير من الأفلام والمسلسلات العربية. في المقابل، أطلق الممثل روبرت دينيرو لحيته على مدى ثلاثة أشهر لمجرد الظهور في دور مساعد اقتصر على ثلاثة مشاهد في فيلم يتطلب ظهوره ملتحياً.

كما شاهدت في أحد الأفلام الممثل حسين فهمي يقوم بدور وكيل نيابة يحقق في جريمة، ومما استرعى انتباهي أن أزرار قميصه ظلت مفتوحة من رقبته حتى خصره في كل مشهد من مشاهد الفيلم، مستعرضاً صدره العاري، مما يتنافى مع سلوك وكيل النيابة. بطبيعة الحال كان هذا الممثل يؤدي دور النجم السينمائي بدلاً من دور وكيل النيابة، وكأن مخرج الفيلم ليس موجوداً.

ثم أتساءل: من أين تأتي الممثلتان ناديا الجندي، وصفية العمري بكل هذه القبعات الغريبة التي أصبحت من علاماتهن المميزة في أفلامهن بمناسبة ودون مناسبة، وما هي علاقة هذه القبعات الدخيلة بالمجتمع المصري؟.

الفنان عادل إمام قام ببطولة أكثر من عشرة أفلام مقتبسة من قصص أفلام أميركية شهيرة، وذلك دون مراعاة الفروق الثقافية في كثير من الأحيان. فهو يقوم بدور الصحفي الدؤوب الذي يرافق يسرى ابنة الرجل الثري للحصول على سبق صحفي ويمضيان ليلة كاملة في غرفة فندق بالريف المصري تفصل بينهما بطانية معلقة على حبل، تقليداً لما حدث بين الممثلين كلارك جيبل، وكلوديت كولبير في الفيلم الشهير "حدث ذات ليلة". تصوروا حدوث هذا الموقف في صعيد مصر! .

هذه مجرد شواهد على عدم الالتزام المهني المقترن بالاستخفاف بعقلية المشاهدين، وهي أمثلة تؤكد حاجة السينما العربية إلى مخرجين جادين يفرضون إرادتهم ومعاييرهم الفنية الرفيعة على أبطال أفلامهم، مهما بلغت شهرة هؤلاء النجوم ومهما ارتفعت أجورهم.

مظاهر استهتار الأفلام العربية بعقلية المشاهد
 
26-Jun-2008
 
العدد 32