العدد 32 - استهلاكي
 

لا يخلو مجلس عائلي، أو «شركاتي»، في الأردن، من حديث عن غلاء الأسعار، واتفاق بأن «الحل الأوحد والأنجع» لجنون ارتفاع الأسعار في المملكة هو عودة وزارة التموين التي ألغيت ضمن مسعى الأردن لتبني سياسات السوق المفتوحة.

محمد رأفت، موظف في أحد الفنادق، يسمع عن ضرورة عودة وزارة التموين في كل مكان يذهب إليه: «من منزل أهلي إلى السوبرماركت، وفي العمل ومحطة تعبئة الوقود، يقول الناس إن الحل الوحيد لأزمة ارتفاع الأسعار هو عودة وزارة التموين.»

رأفت ذو الثلاثين عاما يقول إنه ليس متأكدا مما يقال حول «عودة وزارة التموين»، لكنه يؤكد أنه يجب أن تكون هناك آلية لتحديد الأسعار وتقليل هوامش أرباح التجار.

يتفق أبو عيسى، صاحب بقالة في خلدا، مع طرح رأفت ويقول إن تحديد الأسعار وتقليل هوامش الربح، سيزيد من مبيعاته التي تشهد انخفاضا يوميا، نظرا لتدني قدرة المواطنين الشرائية وارتفاع هوامش أرباح تجار الجملة، كما يقول الرجل الخمسيني الذي يستذكر أن أرباحه في «أيام وزارة التموين كانت أعلى منها الآن.»

لكن تاجر جملة آخر يختلف مع ما ذهب إليه أبو عيسى، فيؤكد أن هوامش ربح تجار الجملة ضئيلة جدا «كما هو العرف»، لكن تجار التجزئة يتحكمون بالأسعار كيفما أرادوا.

هكذا فإن «الطاسة ضايعة» في بلادنا، كما يقال، فلا سبيل إلى معرفة السبب الحقيقي في ارتفاع الأسعار، خصوصا عندما يتفق تاجرا الجملة والمفرق على أن ارتفاع الأسعار سببه عالمي، وليس محلياً، وأن سببه يتجسد في الازدياد المتواصل لأسعار النفط وانخفاض الإنتاج العالمي من المواد الغذائية الذي رافقه ارتفاع في الطلب.

يستذكر النائب منير صوبر، الذي كان آخر وزير للتموين قبل إلغاء الوزارة في عام 1998، ظروف تأسيسها عام 1974 والتي يقول إنها كانت «تشبه بشدة» الظروف الاقتصادية التي يعيشها الأردن اليوم.

يقول صوبر: «كنا خارجين للتو من حرب تشرين التي استخدم فيها العرب النفط وسيلة للضغط على الغرب المؤيد لإسرائيل. آنذاك، ارتفعت الأسعار عالميا ومحليا بطريقة صاروخية، وكان لا بد من تأسيس الوزارة لكبح جماح الأسعار.»

اليوم، وزارة الصناعة والتجارة أصبحت الخلف القانوني للوزارة الموءودة والمكلفة بالقيام بواجباتها، لكن مهام «الصناعة والتجارة» على هذا الصعيد اقتصرت على المطالبة بإعلان الأسعار، تاركة تحديد الأسعار وحماية المستهلك وتنظيم السوق بلا رقيب.

صوبر لا يؤيد عودة وزارة التموين التي كانت الجهة المركزية الرئيسية في المملكة المسؤولة عن استيراد المواد الغذائية الأساسية وتحديد أسعارها وهوامش أرباحها. الوزارة كانت تدعم سياستها المركزية بفرق تفتيش يتمخض عنها مخالفات لأي تاجر لا يلتزم بـ»التسعيرة.»

لكن صوبر في الوقت ذاته، يطالب بشدة بعودة الحكومة إلى آليات التسعير من خلال كوادر وزارة الصناعة والتجارة «في الظروف الحالية التي أجد فيها ارتفاعا غير مبرر للأسعار.».

يتوقع صوبر أن تنخفض الأسعار في حال تحديدها من قبل الوزارة.

المحلل الاقتصادي حسام عايش يؤيد عودة وزارة التموين، ويتوقع أن تنخفض الأسعار بما معدله 20 إلى 25 بالمائة في حال عودتها.

يقول: «بعد عشر سنوات من إعطاء التجار فرصة لعب دور رئيسي في الاستيراد والتسعير واتخاذ القرارات، تبين أن القطاع التجاري يدافع عن نفسه فقط في وقت الأزمات.»

عايش يرى أن على الحكومة أن تستلم دفة القيادة والعبور بالأردن «بسلام» من هذه المحنة التي أصبحت تهدد الناس في عيشهم.

ويؤكد المحلل الاقتصادي أن على الحكومة اتخاذ دور مشابه لدور البنك المركزي، من حيث تحديد الفوائد وسعر صرف الدينار وغيرها، ضمن سياسة تموينية تشبه السياسة النقدية التي يتبعها البنك.

ويضيف: «لقد أوغلنا كثيرا في اقتصاد السوق المفتوحة، مثلما كنا موغلين كثيرا في اقتصاد السوق الاشتراكية في السابق.»

الحكومة ما زالت مترددة، بحسب مصدر مطلع، في القيام بخطوة تحديد الأسعار. وزارة الصناعة والتجارة كانت اتخذت عدة خطوات «تقارب الإثم ولكنها تتجنبه» على هذا الصعيد، فقامت بالتعاون مع نقابة تجارة المواد الغذائية بتحديد هامش ربح «اختياري» لبائعي الأرز والسكر عبر تحديد السعر على العبوات الصغيرة. وكل أسبوع تصدر النقابة بالتعاون مع الوزارة قائمة «إرشادية» بـأسعار الجملة للمواد التموينية الأساسية «بهدف» توعية المواطن بهوامش أرباح تجار التجزئة.

يقول عايـش: «ما زال هناك شطط كبير في الأسعار. يجب أن يكون للحكومة دور إيجابي بالتعاون مع القطاع الخاص في كبح جماح الأسعار.»

مسؤول حكومي فضل عدم ذكر اسمه يرى أن إعادة إحياء وزارة التموين معناه «تخلف اقتصادي» كان الأردن محظوظاً بالتخلي عنه.

الأردن، بحسب المسؤول الحكومي، أصبح جزءا من الاقتصاد العالمي الجديد، ووقع العديد من الاتفاقيات الاقتصادية الدولية التي جوهرها هو رفع يد الحكومة عن «فرض الأسعار»

ولا يخفي هذا المسؤول أن تجربة وزارة التموين السابقة كانت مشوبة بالعيوب وحالات الفساد والاحتكار وارتفاع الأسعار.

الحكومة في هذا الإطار، ما زالت متمسكة بخيار «المجتمع المدني وقدرته على توعية المواطنين بالأسعار ورفع قضايا ضد المحتكرين والمتلاعبين بالسوق.» كما يؤكد.

الأسعار في ارتفاع وإعادة وزارة التموين هو “الحل”
 
26-Jun-2008
 
العدد 32